تنامى الوعي وتعمقت المعرفة خلال السنوات العشر الماضية بأهمية البيئة، نظرا لارتباطها بمختلف نواحي الحياة، فضلا عن تأثيرات البيئة النظيفة أو الملوثة على الصحة العامة، وقد أدركت المجتمعات ضرورة أن تكون حاضرة وفاعلة من خارج السياسات الرسمية للدول، أو داعمة لها في ما لو كانت تمثل بعضا من طموحات وأهداف يتطلعون إليها.

وبالفعل، فقد برزت في السنوات الاخيرة، ولا سيما منذ العقد الماضي (2000 و 2010) العديد من المبادرات الاجتماعية التي تركز على المعرفة بأهمية القضايا البيئية وارتباطها بجوانب الحياة من خلال عمل الجمعيات البيئية والحركات الاجتماعية المعنية بشكل أو بآخر بالبيئة، أو القضايا المرتبطة بها.

ونخلص هنا إلى القول بأن البيئة مسؤولية الجميع، حكومات ومجتمعات وأفرادا، من خلال تكثيف الجهود لحماية الموارد الطبيعية، والحفاظ على التنوع البيولوجي البري والبحري وحماية الحياة البرية، ما يعني أن البيئة هي قضية باتت قبل أي شيء آخر قضية إنسانية، حضارية، أخلاقية تعني كل فرد في المجتمع، توازيا مع دور الدول، ومن هنا، فالبيئة هي أيضا قضية وطنية، وحمايتها هي مسؤولية جماعية تخص الفرد والأسرة والمجتمع والمؤسسات الوطنية كافة من مدارس وجامعات وشركات ووزارات، كما أن للإعلام دوره الحيوي في التوعية المستمرة بأهمية الحفاظ على البيئة والارتقاء بها حتى نضمن حياة آمنة وسليمة لنا وللأجيال القادمة، أي أن ثمة ضرورة لتفاعل مستمر مع قضايا البيئة، من خلال المبادرات الوطنية والفعاليات الخاصة بالبيئة، الأمر الذي يساهم في تحديد سلوكيات عنوانها الحفاظ على البيئة بكونها تمثل جزءاً مهماً من سلوك الفرد، لأن الغاية المرتجاة هدفها أن يعيش أفراد المجتمع في بيئة نظيفة وصحية.

من هنا يتبدى دور المجتمع كعنصر أساس في تكريس ممارسات بيئية تراعي الاستدامة وتحد من كل أسباب المشكلات التي تواجه أي مجتمع، لا بل أبعد من ذلك، فعلى صعيد مفاوضات المناخ، ولا سيما مؤتمرات الأطراف في الاتفاقية الإطارية حول التغيرات COP، كان واضحا دور منظمات المجتمع الأهلي وهي تحاور ممثلي الحكومات، وقادت هذه المنظمات مفاوضات شاقة مع ممثلي الدول الذين تحفظوا على العديد من المقترحات وتهربوا من كثير من الالتزمات في مجال التخفيف من الانبعاثات، ومساعدة الدول على التكيف مع ظاهرة الاحترار العالمي، فضلا عن القضية الأهم، وهي التمويل التي تجلت بشكل كبير في مؤتمر COP23 في مدينة بون الألمانية.

صحيح أن مؤسسات المجتمع من جمعيات ومنظمات دولية لا تملك آليات ترغم الدول على تبني سياسات رشيدة في مجال حماية البيئة، ولكنها قادرة على تصويب مسارات والنضال في سبيل توفير غد أفضل للبشرية، وإن كان الطريق شاقا وطويلا.

وكي لا تأخذنا تفاصيل حيال إشكاليات ما تزال ماثلة على مستوى مفاوضات المناخ، إن لجهة انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من اتفاقية باريس للمناخ، وإن لجهة الكثير من الأمور التقنية والعلمية، لا بد من التأكيد أن للمجتمعات دور في رسم ملامح وتحديد معالم سياسات تأخذ في الاعتبار ديمومة الحياة على الكوكب، وهذا ما يتجلى تباعا في مبادرات دولية تتبناها المؤسسات غير الحكومية، وهي تراكم أنماط عمل تلحظ حماية الكوكب، ومنها على سبيل المثال المبادرات المتعلقة بالحد من استخدام الأسمدة الشديدة السمية ووقف استخدام بعضها، ومنها “الغليفوسات”. وثمة معارك تخاض في هذا المجال في مختلف أنحاء العالم، كالتحول نحو اقتصاد خال من الكربون، والحد من تجريف الغابات وحماية الموائل الطبيعية، وغيرها الكثير من المبادرات، دون أن ننسى دور مؤسسات المجتمع المدني في مجال الدراسات وحملات التوعية وفضح ممارسات بعض الدول في مجالات عدة، كالصيد الجائر الذي تمارسه بعض الدول في المحيطات، وحماية الحياة البرية، ومراقبة الأنواع المهددة بالانقراض، والضغط على الدول لتبني مشاريع قوانين تراعي البيئة بمختلف قطاعاتها وتنوعها.

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This