لا يمكن اعتبار الرئيس الأميركي دونالد ترامب “عدوا للمناخ” فحسب، فالوقائع تؤكد أنه عدو البيئة أيضا.
لم يكتفِ بالإنسحاب من اتفاقية باريس للمناخ المبرمة في العام 2015، مقدما مصالح الشركات الكبرى، ولا سيما النفطية منها على مصلحة الكوكب وديمومة الحياة في مواجهة ظواهر المناخ المتطرفة التي لم توفر بلاده في ما شهدت من أعاصير مدمرة الخريف الماضي، فضلا عن موجة الحرئق غير المسبوقة التي شهدتها بشكل خاص ولاية كاليفورنيا في أسوأ موجة حرائق تشهدتها هذه الولاية، ومن بين أسبابها ارتفاع درجات الحرارة والجفاف وعوامل عدة غير منفصلة عن نتائج تغير المناخ.
كما لم يتوانَ ترامب عن إعادة النظر في مشاريع قوانين أقرها سلفه باراك أوباما في مجال المحميات الطبيعية، وعمد إلى تقليص مساحاتها لصالح الاستثمار في التنقيب عن النفط، بدلا من دعم قطاع الطاقة المتجددة، دأبه تقديم مصالح الولايات المتحدة على حساب مستقبل الأرض، وصولا إلى “الاشتباك” مع العلماء الذين نظموا تظاهرات في مختلف أنحاء العالم رفضا لسياساته المناقضة للعلم.
الفيلة في خطر
وسط كل ذلك، ما يزال الرئيس الأميركي يمعن في سياساته المتهورة، وآخرها القضاء على التنوع الحيوي في أفريقيا وتهديد الفيلة، وهي تعاني أساسا من تدمير موائلها وترك ما بقي من قطعان لقمة سائغة لعصابات الاتجار بالعاج، حتى أن بعض عائدات هذه التجارة تمول الجماعات الإرهابية في أفريقيا وآسيا، المفترض أن ترامب يواجه هذا الإرهاب!
وفي هذا السياق، تقود آفاز حملة لمواجهة خطر إنقراض الفيلة، وأشارت في بيان إلى أن “هذا وقت سيء لحرمان الفيلة من الحماية”، وقالت: “تساهم ممارسات صيد الفيلة بغرض المفاخرة بها إلى ذبحها وزيادة الطلب على أعضائها، وتعكس معايير مزدوجة تعيق عملية رصد الاعتداء والاتجار غير الشرعي بعاج الفيلة”.
ولفتت إلى أن “المقترح المقدم حالياً القائم على أساس دراسة كل قضية على حدا، هو مقترح اعتباطي ولن يكون كافياً لحماية هذه المخلوقات الساحرة”، مطالبة “بفتح نقاش عام حيال هذه القضية وبذل كل الجهود من أجل حظر استيراد تذكارات صيد الفيلة إلى الولايات المتحدة الأميركية”.
وتأتي حملة “آفاز” بعد قام ترامب بتغيير القانون مرة أخرى، ليسمح للصيادين الاميركيين المتعطشين للدماء بالذهاب لقتل الفيلة في أفريقيا وجلب رؤوسها معهم لتعليقها كتذكارات على جدرانهم.
وقد حاول ترامب القيام بهذه الخطوة في وقت سابق، لكنه فشل بسبب الاحتجاج الشعبي العارم، وكانت عريضة “آفاز” التي جمعت مليوني توقيع جزءاً منه، وإثر ذلك قرر ترامب حينها بإحالة الاقتراج للدراسة وإعادة النظر به.
لكن عاد ترامب من جديد لتنفيذ خطته خلسة بعد أشهر قليلة على محاولته السابقة، وأكدت “آفاز”، أنه “لا يمكننا السماح له بذلك. حتى داعمين لترامب المحسوبين على جناح اليمين عبروا عن رفضهم لهذه الخطة”.
ودعت “آفاز” إلى “للعمل على تنظيم عريضة جديدة بشكل عاجل”، لافتة إلى أنه “ما ان نجمع عدداً كافياً من التواقيع، سيتعاون فريق عمل آفاز مع أعضاء من حزب ترامب لتسليمه رسالتنا”، وطالبت بالتوقيع على العريضة ونشرها على أوسع نطاق.
الذهب الأبيض
ولا بد من الإشارة في هذا المجال إلى أن الفيلة تواجه خطر الانقراض، بسبب الصيد الجائر وجهل الإنسان بالقيمة العالية التي تمثلها له قديما وحديثا، خصوصا وأن الفيلة لعبت على مر التاريخ دورا مميزا في اقتصاديات الإنسان وثقافته الاجتماعية وحتى الدينية، وذلك بسبب ضخامة حجمها وقوتها الجبارة، فمنذ مئات السنين احتلت الفيلة مكانة عالية لدى العديد من الثقافات في السلم والحرب حيث اعتبرتها بعض الثقافات “آلهة” أي أنه أسبغت عليها هالة من القداسة.
واتخذ بعض الملوك الفيلة رمزا لهم يرمز على القوة، وفي العصر الحديث استخدمت في السيرك والمهرجانات الشعبية.
وتبقى المشكلة الأكبر متمثلة في قتل الفيلة طمعا بأنيابها، وهذا ما يصر عليه ترامب، فالاتجار بأنياب الفيلة لاستخدامها في الصناعات العاجية، ما يزال يعتبر تجارة رائجة، فضلا عن أنه يزداد الطلب عليه باعتباره “الذهب الأبيض”، ويستخدم على نطاق واسع في الزينة وأنواع الصناعات المختلفة، ومن بينها صناعة المجوهرات، ولذلك يقبل عليها تجار وعصابات في حلقة لم تتمكن كل الجهود الدولية من مواجهتها.