إن اعتماد البلاستيك والبوليميرات البلاستيكية بديلا عن الكثير من المواد التقليدية في منتجات مختلفة قد توسع وانتشر وتزايد بشكل كبير جدا منذ أواسط القرن الماضي. بلغ إنتاج اللدائن البلاستيكية، المصنعة من مشتقات بترولية لاستعمالها في مواد التغليف، 311 مليون طن في العام 2014، وهذه الكمية في ازدياد كبير وسريع سنويا. ساعد على ذلك أسعار الغاز الطبيعي المنخفضة، حيث تشكل مكونات الغاز الطبيعي، الأثيلين Ethylene والبروبيلين Propylene، المواد الأولية الأكثر استعمالا في تصنيع اللدائن البلاستيكية. يتوقع ارتفاع كلفة إنتاج هذين الغازين بنسبة حوالي 35 بالمئة حتى العام 2025.
كان الباحثون والعلماء على معرفة ووعي بمشاكل تلوث البحار بالبلاستيك منذ خمسينات القرن الماضي. وتتابع فهم طبيعة وحدَّة مشكلة هذا التلوث في العقود اللاحقة، ولكن لم يترافق ذلك في تلك الحقبة بإجراءات سياسية فعالة لمواجهتها.
في السنوات الأخيرة، تتالت الدراسات والتقارير بشأن تلوث البحار والمحيطات بالبلاستيك والميكروبلاستيك، حيث أخذ هذا التلوث أبعادا وقياسات خطيرة تهدد جديا التنوع الحيوي في هذه الأوساط، بل تجاوز ذلك إلى تلويث أوساط أخرى مثل المياه العذبة، مما شكل تهديدا إضافيا لتلويث السلسلة الغذائية للإنسان أيضا، والآثار الصحية لهذا التلوث. هذا ما دعى اجتماع الهيئة العامة البيئية الثالثة UNEA 3 لأخذ القرار بإنشاء مجموعة مفتوحة للخبراء، بهدف فتح نافذة سياسية واسعة للإهتمام بمسألة تلوث البحار والمحيطات بالبلاستيك والميكروبلاستيك بعد تأخر لسنوات طويلة.
إن التلوث بالبلاستيك هو مشكلة عالمية تتجاوز حدود الدول، و يشكل مسألة معقدة ذات تأثيرات إجتماعية واقتصادية وبيئية واسعة. إن اعتراف المؤتمر الثالث للهيئة العامة للبيئة UNEA 3 بمسألة التلوث البحري بالبلاستيك وضع العالم أمام مواجهة ازدياد الإنتاج الأولي للبلاستيك واستهلاكه في منتجات التغليف، والتعامل الجدي مع هذا التحدي.
إن الإرتفاع المستمر لوتائر تصنيع اللدائن البلاستيكية الأولية (العذراء)، يعتبر عائقا كبيرا أمام مكافحة تلوث البحار والمحيطات بالبلاستيك والميكروبلاستيك.
إن منشآت إدارة النفايات تبدو عاجزة عن التعامل مع الكميات الهائلة للنفايات البلاستيكية، ومع المستويات الموجودة حاليا للتلوث بالبلاستيك. فأكثرية كميات البلاستيك المنتج حاليا لا يتم جمعها أو إدارتها بشكل سليم بيئيا. ويبدو أن استرداد كميات البلاستيك، التي لوثت الأوساط المائية، من أنهار وبحيرات وبحار ومحيطات، غير قابل للتحقق عمليا.
إن الإكتفاء بتحسين إدارة النفايات البلاستيكية ورفع مستوى القدرة على تدويرها، غير كافٍ في ظل هذا التزايد المستمر لكميات إنتاجها والتوسع باستهلاكها واستعمالها في منتجات التغليف وفي المنتجات الأخرى. حوالي 9 بالمئة فقط من كميات البلاستيك، التي صنِّعت منذ منتصف القرن الماضي قد جرى إعادة تدويرها، في حين أن الكميات الباقية لا تزال حاضرة في مختلف أوساط البيئة، وستبقى لمئات السنين القادمة.
ليس هناك أي آليات لإدارة النفايات مطبقة حاليا بإمكانها أن تتعامل مع الكميات الهائلة للمواد البلاستيكية المصنعة في العالم، والمدعومة باستثمارات خاصة هائلة أيضا، ولا آليات تحد من أن يصير البلاستيك ملوثا كبيرا لمختلف الأوساط البيئية.
إن مقاربات إدارة النفايات الأكثر فعالية وتقدما، مثل مقاربة “صفر نفايات”، تبقى ضرورية ومطلوبة. ولكن، إن التدخل الذي يقتصر على استهداف إدارة النفايات فقط سوف يفشل في تفادي التلوث بالبلاستيك، بل عليه أن يتصدى لمهمة تخفيض إنتاج البلاستيك الأولي أيضا.
إن معظم كميات البلاستيك المنتجة تستهلك في إنتاج أغلفة ومنتجات تستعمل لمرة واحدة. حوالي 14 بالمئة فقط من مواد التغليف البلاستيكية يتم جمعها ويعاد تدويرها حاليا في العالم. لذلك لا بد من وضع سياسات تستهدف وضع حد لتصنيع البلاستيك، وفي المقدمة الحد من استعمال البلاستيك للتغليف ولمنتجات تستعمل لمرة واحدة.
إن سياسة عالمية لإدارة التلوث بالبلاستيك والميكروبلاستيك أصبحت مطلوبة بإلحاح أكثر من أي وقت مضى. وهذا ما يتطلب البدء بإقرار آلية تفاوض ما بين الحكومات، بهدف وضع اتفاقية دولية ملزمة قانونا بشأن التلوث بالبلاستيك والميكروبلاستيك، والتحكم بتنظيم تخفيض إنتاجه والإدارة السليمة للدائن البلاستيكية على مدار دورة حياتها، منذ إنتاجها حتى التخلص السليم من نفاياتها.
إن اتفاقية دولية بشأن هذه المسألة أصبحت حاجة ضرورية الآن لتفادي تفاقم تلوث البحار والمحيطات والأوساط البيئية الأخرى، ومن أجل دعم أهداف التنمية المستدامة لأجندة 2030. يجب أن يهدف هذا الإطار القانوني إلى الاهتمام بمستويات إنتاج واستهلاك البلاستيك، ويساعد على وضع خططا وبرامج وطنية وإقليمية من أجل تحقيق الهدف المشترك، ويتعاون مع الإتفاقيات الدولية الموجودة الأخرى، والتي تتقاطع في بعض أهدافها وآليات عملها، في ظل عمل الأمم المتحدة للبيئة.
في إطار استراتيجية التعامل مع النفايات البلاستيكية، لا بد من وضع سلَّما للأولويات وللخيارات التقنية. إن المطلوب أولا تخفيف كمية النفايات المتولدة، كأولوية مطلقة. حيث يكون هناك حاجة ملحة لاستعمال البلاستيك في التغليف، علينا وضع أولوية إعادة استعمالها وإصلاحها، وفي حال التعذر، العمل على تدويرها. ومن جهة أخرى علينا التصدي للتخفيف من استعمال المواد الكيميائية السامة كمضافات في المنتجات البلاستيكية. إن “الحلول” المشوهة المرتبطة بالحرق، يجب ألَّا نعتبرها زورا شكلا من أشكال التدوير.