لم تقتصر تعديات الإنسان على الحياة البرية فحسب، بل انسحبت الى الحياة البحرية وطاولت كائنات نادرة ومعرضة للانقراض، وقد شهدنا في لبنان تعديات عدة استهدفت صيد أنواع غير مسموح بها، والتباهي أحيانا بالتقاط الصور معها ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، بالرغم من أن القانون يجرم مثل هكذا ممارسات.
ولكن هل يكفي القانون وحده لردع المخالفين؟ أليس ثمة ضرورة بتفعيل القانون عبر آليات واضحة ومحددة؟ وتاليا، هل نحن أمام جرائم قد ينسحب تأثيرها على الإنسان؟
مفاهيم خاطئة
في هذا تناهى إلينا اليوم في “جمعية غرين ايريا الدولية” أن جريمة طاولت سلحفاة بحرية عند شاطئ البترون شمالي لبنان، وقد وثقت بصور نافرة وصادمة، بحيث بدت السلحفاة مقطوعة الرأس وقد علقت بها بعض صنانير الصيد، ما يرجح فرضية أن يكون أحد الصيادين قد أقدم على فصل رأسها عن جسدها بعد أن علقت بشباكه، والمؤسف في هذه الحالة أن ينتقم الانسان العاقل والمدرك من حيوان لا يدرك ولا يعقل.
أسوأ ما في الأمر ان يعالج شخص ما مشكلة اعترضته بعقلية إجرامية، وبدون أي رحمة حيال التعاطي مع هذه المخلوقات الرائعة، فقتل السلحفاة لن يعيد له شباكه ولن يمنع بقية السلاحف من أن تعلق بدورها أيضا في شباك الصيادين، بالاضافة الى أن مفاهيم خاطئة ترسخت في عقول بعد المستجدين على المهنة، والذين لم يدركوا إلى الآن أن البحر هو عالم هذه الكائنات التي تلعب دورا مهما في التوازن الطبيعي، والإنسان جزء من هذا التوازن يتأثر به.
وفيما كنا نتابع تفاصيل نفوق سلحفاة عند شاطئ البرغلية شمالي صور، تلقينا من الدكتور شريف جمعة في “مركز علوم البحار” في البترون، هذا الخبر، وقد أشار لــ greenarea.info الى أن “الشاب ايلي تارك، وهو مساعد باحث في المركز، وأثناء توجهه الى البحر لأخذ عينات من الماء بهدف إجراء البحوث عليها، عثر على السلحفاة مرمية عند الشاطئ، وقد علقت بها صنانير، وفصل رأسها عن جسدها”.
وأضاف: “لقد قام بإبلاغنا في المركز وقمنا بمعاينتها، وقد تبين أنها نفقت نتيجة قطع رأسها”، وأشار جمعة الى أنه “يجب اتباع اسلوب اكثر تعقلا وتحضرا في معالجة مشكلة وقوع السلاحف وغيرها من الكائنات الحية في شباك الصيادين”، لافتا الى أن “لهذه الكائنات دورا اساسيا ومهما في التوازن البيئي وعلى الجميع أن يعي أهميته”.
التمادي في تجاوز القانون
وفي سياق متصل، يهمنا التأكيد انه إلى بجانب حالات النفوق الطبيعية للسلاحف، هناك الحوادث التي تسجل، منها المقصودة، ومنها والعرضية التي تقع نتيجة النشاط البشري، بالاضافة الى حالات النقوق التي تحدث نتيجة ابتلاع السلاحف للأكياس البلاستيكية، وتعرضها للنفوق أيضا نتيجة استعمال اللانيت (نوع من السموم) والديناميت، ووسائل الصيد غير مشروعة.
ومن هنا نرى ان لقطاع الصيد تأثيرا كبيرا على عدد وفيات السلاحف، فالصيادون يقومون برمي شباكهم في النهار وتركها خلال الليل بالبحر، فتدخل فيها السلاحف وتعلق عن طريق الخطأ، وعند عدم قدرتها على تخليص نفسها والصعود الى السطح للتنفس ينتهي الأمر بإختناقها ونقوقها، كما تتوجه بعض السلاحف نحو الطعم المستخدم في الصنانير فتعلق في فمها، وتستطيع بعض السلاحف ان تتعايش معها ولكن في أغلب الأحيان تموت اختناقا منها.
بدورنا في “جمعية غرين ايريا الدولية” نشجب مثل هكذا تصرفات، ونحذر من أن التمادي في تجاوز القانون ستترتب عليه نتائج خطيرة، لذلك نضع هذه الحادثة برسم الجهات المعنية المولجة حماية هذه الكائنات.