لم تتوقف التعديات على كائنات البحر، وكأن لا قانون يحمي ويرفع الجور عن النظم الإيكولوجية البحرية، ما يؤكد أننا سنواجه في مراحل لاحقة “تصحرا” في بحرنا المتوسطي، وسنفتقد تنوعا هو ثروة لبنان التي لا تقدر بثمن، وليس ثمة مبالغة من أن أنواعا كثيرة انقرضت أو شارفت على الانقراض، أو هي مهددة بدرجة خطيرة بالاندثار.
إذا تأملنا ملياً في “المشهد البحري اللبناني”، نصل إلى قناعة أنه إذا لم تكن ثمة إجراءات صارمة ومشددة، فسنشهد تدهورا في الموارد البحرية عموما، ولن يكون في منأى عن هذا التدهور من يعتبر البحر مصدر رزقهم الأساس، ولا من ينشدون الشاطىء للتمتع بما أنعمت علينا الطبيعة من سحر وجمال.
صيد سمكة قرش
في هذا السياق، تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو يظهر ثلاثة أشخاص يتحدثون بلهجة لبنانية، قاموا بربط سمكة قرش متوسطة الحجم، وراحوا يسخرون ويتباهون بجرها نحو الشاطئ، واللافت للإنتباه أن هؤلاء الأشخاص تخطت أعمارهم الخمسين سنة، أي أنه كان يجدر بهم التصرف بعقلانية واحترام القوانين.
على الفور بادر greenarea.info للتقصي ومحاولة توثيق هذه الواقعة، وأجرى اتصالات بعدد من المهتمين، لكن تبين أن من قاموا بتنزيل الفيديو على إحدى المجموعات في “فيسبوك” بادروا بسرعة إلى حذفه، ويبدو أن ثمة من أوعز لهم بأن عرض الفيديو يعرضهم لملاحقة قانونية، وكانوا قد نشروا الفيديو للتباهي على جاري العادة، وكما هو الحال بالنسبة للصيد البري، خصوصا من لا يتوانون عن قتل الأنواع المحظور صيدها.
برسم الجهات المعنية
ولأنه لم يبقَ من دليل يوثق هذه الجريمة سوى الفيديو الذي تمكنا من نسخه وحفظه، فإننا نضعه برسم الجهات المعنية، ولا سيما وزارة الزراعة التي ما توانت يوما عن مواكبة الاعتداءات البحرية، والانتهاكات التي طاولت الكائنات البرية التي تقع ضمن نطاق مهامها ومسؤولياتها، لا بل وكانت سباقة في متابعة العديد من التعديات، ونضعه سائر الجهات الأمنية المعنية.
ومن المفارقات أن هذه الحادثة في لبنان تزامنت مع انتشار مقطع فيديو مؤثر في ولاية فلوريدا الأميركية، يظهر فيه ثلاثة رجال يعذبون بوحشية سمكة قرش في عرض البحر، ما أثار موجة غضب عارم.
ورفعت “هيئة حماية الحياة البرية والمائية” في فلوريدا، دعوى قضائية، اتهمت فيها الرجال الثلاثة باستخدام “العنف المفرط ضد الحيوان”.
وقال رئيس الهيئة، بو ريتشارد: “نأمل أن تكون هذه الدعوى رسالة واضحة بأنه لا يمكن التسامح مع من يقوم بهكذا أفعال بغرض إيذاء الحياة البرية والبحرية”.
كما قامت السلطات بالتعرف على منفذي الفعل الشنيع، وهم حاليا قيد الاعتقال إلى أن تنتهي محاكمتهم. وبدورهم، أيد العديد من سكان الولاية الدعوى القضائية ودعوا إلى عدم التسامح مع المنفذين، وفق ما أشارت وسائل إعلام أميركية.
من المؤسف أن يظل من اصطادوا سمكة القرش في بحر لبنان بعيدا من المساءلة القانونية، خصوصا وأن أسماك القرش، كما الدلافين وأنواع عدة من الأسماك والكائنات البحرية محظور صيدها بموجب القانون، وثمة نص واضح وصريح في هذا المجال، لكن تبقى العبرة في التطبيق، والمطلوب هنا ألا تمر هذه الحادثة مرور الكرام، فالفيديو يظهر بشكل واضح الأشخاص وهم يتباهون بصيدهم، وليس بصعب على الجهات المختصة معرفتهم، إنفاذا للقانون، وتمثلا بما شهدنا في فلوريدا الأميركية.
وفي سياق متصل، أشار أخصائي البيولوجيا البحرية وعلوم البحار البروفسور ميشال باريش، إلى أنه تعذر عليه معرفة نوعه بسبب أن جزءا منه كان في المياه ولم تظهر سماته كاملة.
وأكد باريش أن “هذه الأنواع ممنوع صيدها”، لافتا إلى أن “القرش لا يشكل أي خطر على النشاط البشري في البحر، إلا في حالات الاستفزاز من الانسان، بحيث تجذبه رائحة الدم خلال نشاط الصيد بواسطة بارودة البحر، ويمكن أن يهاجم بهدف الحصول على السمك وليس الانسان”.