بين الأمس واليوم، إختلفت معالم بيئية عديدة، وتغيّرت أحوال الطقس بشكل ملموس وتبدّلت بطريقة أقرب إلى الهستيرية، فتداخلت الفصول في ما بينها وانهمرت الفيضانات بشكل عشوائي، كما اندلعت الحرائق في أكبر غابات العالم.
يبقى السبب الأساسي لمختلف هذه التغيرات، التغيّر المناخي، الذي لم يظهر إلى يومنا هذا إلا غيض من فيض تداعياته السلبية على المجتمعات في الإتجاهات المتعددة .
رسم المجتمع العالمي في إتفاقية باريس للمناخ خطة عمل للحد من الإحترار المناخي عبر معالجة مسبّباته، إلا أن الحصاد كان مخيّباً للآمال.
في تقرير صادر سنة 2006، قدر العلماء تأثير ظاهرة الاحتباس الحراري على العالم بما يتراوح بين 5 و 20 في المئة من الناتج المحلي لدول العالم. ولكن في الفترة الأخيرة، أصبح علماء الاقتصاد يمتنعون عن تقديم مثل هذه التقديرات، ويكتفون بالتحذير من أن تكلفة هذه الظاهرة تتزايد يوما بعد يوم، ولا يمكن حصرها أو تقديرها بشكل دقيق.
وفي عام 2017، خلصت دراسة إلى أن تغير المناخ مسؤول بالفعل عن أزمات الصحة العامة التي أضرت بصحة ملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم، فضلا عن تسببها في خسائر إقتصادية تقدّر بـ 129 مليار دولار خلال عام 2016 .
وقد وجدت دراسة أن إنتاجية العمل اليدوي قد انخفضت بنسبة 5.3 في المائة، بسبب ارتفاع درجات الحرارة، ما أثر في سبل معيشة الأفراد والأسر والمجتمعات المحلية.
ومن المتوقع أيضا أن يكون لتغير المناخ تأثير في إنتاج المحاصيل، حيث يؤدي ارتفاع درجة الحرارة بمقدار درجة واحدة مئوية إلى انخفاض 6 في المائة، في محصول القمح على مستوى العالم و10 في المائة، في محصول الأرز.
في الإطار نفسه، توقّع الخبراء ارتفاع الطلب على الغذاء إلى 70 في المائة، بحلول عام 2050 نتيجة زيادة عدد السكان وارتفاع المستوى المعيشي وتهديد التغيرات المناخية للإنتاج الزراعي العالمي.
إلى ذلك، قالت الأمم المتحدة إن غازات الاحتباس الحراري تمضي صوب تجاوز المستوى المطلوب لإبقاء درجة حرارة الأرض في نطاق الهدف المتفق عليه عالميا في 2030 وذلك بنحو 30 في المائة”.
وقال برنامج الأمم المتحدة للبيئة بمناسبة إصدار إحصائه السنوي لخفض الانبعاثات “سيكون متوسط الزيادة المحتملة في درجة حرارة الأرض في نطاق بين 3 و3.2 درجة مئوية بحلول نهاية القرن”.
ورجح البرنامج أن تراوح الانبعاثات السنوية بحلول عام 2030 بين 53 و55.5 مليار طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون وهو ما يتجاوز بكثير السقف الضروري لتفادي زيادة درجة الحرارة بأكثر من درجتين مئويتين خلال القرن الحالي وهو 42 مليار طن.
والتقدير الأخير، الذي يفترض أن جميع البلدان تفي بالتزاماتها، يقل قليلا عن فجوة بين 12 و14 مليار طن كانت متوقعة قبل عام ما يعكس بيانات جديدة في البرامج المحلية لخفض الانبعاثات.
رغم الجهود المبذولة في هذا الإطار وخرود الرئيس الأميركي دونالد ترامب من إتفاقية المحافظة على الكوكب الأخضر، أشارت قالت مسؤولة التغير المناخي في الأمم المتحدة باتريشيا اسبينوزا إلى إن الإستثمارات العالمية الهادفة للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري ضئيلة وواهية كالاستعانة بمظلة وسط إعصار. وأبلغت اسبينوزا، مندوبين من نحو 200 دولة خلال اجتماع في ألمانيا أن المزيد من العواصف وموجات الجفاف والفيضانات المرتبطة بانبعاثات الغاز المسبب لارتفاع حرارة الأرض نتيجة النشاط الإنساني تنذر بحدوث “اضطراب عالمي”.
وقالت في كلمتها “مساعي مواجهة التغير المناخي وفقا لمستويات التمويل الحالية هي أشبه بالسير في إعصار من الفئة الخامسة وأنت تحمي نفسك بمظلة فقط”. .
وأوضحت اسبينوزا الأمينة التنفيذية لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ أنه ”حتى الآن نحن نتحدث عن ملايين ومليارات الدولارات بينما ينبغي أن نتحدث عن تريليونات. آثار المناخ المتطرف تحدث فوضى بالفعل”.
في ظل واقع ينذر بالخطر، لا يمكن الإنتظار أكثر، وبالتالي، فإن الدول المشاركة في الاجتماعات التي تستضيفها مدينة بون الألمانية، في الفترة من 30 أبريل- نيسان وحتى 10 مايو – أيار، تعمل على إعداد كتاب قواعد مفصّل لاتفاقية باريس للمناخ المبرمة في عام 2015 بهدف إدخالها حيز التنفيذ بنهاية العام الجاري.