يعيش معظم سكان العالم في ظل ضغوطات معيشيّة كبيرة، تسبّب لهم التعب النفسي والجسدي. وبعكس الإرهاق الجسدي الذي يزول ببعض الراحة، فإنّ الإرهاق النفسي يعتبر المشكلة الأكبر، خاصةً إذا ما تفاقم ووصل إلى حدود مرضيّة يصعب التخلص منه بسهولة.
يعتبر الإكتئاب أحد العوارض النفسيّة الخطيرة، التي أصبحت مشكلة عالميّة، تسعى معظم الجهات المعنيّة إلى حل لغزها تمهيداً لإيجاد الحلول الناجعة لها. ونظراً إلى إنتشار هذه الظاهرة ، إحتفلت منظمة الصحة العالمية، في العام 2017 بيوم الصحة العالمي تحت عنوان “الإكتئاب: دعونا نتحدث عنه”. في محاولة منها للإضاءة على هذه المشكلة، والعلاج الذي يمكن الحصول عليه لتفادي تفاقمها.
تغيرات جينية تسبّب الإكتئاب
على الرغم من أن مشاكل الحياة تعتبر العامل الرئيسي للإكتئاب، إلاّ أنّه على ما يبدو فإنّ هناك أسباب جينيّة تلعب دوراُ بارزاُ في هذا المجال. حيث توصل فريق علمي دولي إلى 44 من المتغيرات الجينية، التي قد تزيد من مخاطر الإصابة بالإكتئاب الشديد، وقالوا إن كل البشر يحملون بعضاً منها على الأقل.
وبالتالي، ووفق العلماء فإنّ هذه النتائج الجديدة، قد تساعد في تفسير سبب عدم إستجابة البعض لمضادات الإكتئاب، كما قد تمهد الطريق أمام أدوية جديدة.
كذلك خلص العلماء أيضاً في الدراسة، التي نشرت في دورية (نيتشر جينيتكس)، وتشمل بيانات أكثر من 135 ألف مريض بالإكتئاب الشديد- وهي الأكبر من نوعها- إلى أن الأساس الجيني للإكتئاب، هو نفسه أساس إضطرابات نفسية أخرى مثل الفصام.
300 مليون شخص في حالة إكتئاب
تكمن خطورة الإكتئاب في عدم إستجابة المريض للمضادات وأدوية معالجته، لذلك فإن نسب المكتئبين في حالة إرتفاع. ووفق الدراسة الآنفة الذكر، يؤثر الإكتئاب الشديد على حوالي 14 في المائة من سكان العالم، وهو أكبر مسبب للعجز على المدى البعيد. في المقابل، فإنّ حوالي نصف مرضى الإكتئاب فقط، يستجيبون جيداً للعلاجات الموجودة.
تؤثر ضغوطات الحياة الكثيرة على صحة الإنسان، و تسبّب له العديد من المشاكل النفسيّة. وفي هذا السياق، تعتبر منظمة الصحة العالمية، الإكتئاب هو السبب الرئيسي لإعتلال الصحة، والعجز في جميع أنحاء العالم. وحسب التقديرات الصادرة عنها ، فإنّ هناك أكثر من 300 مليون شخص يعيشون الآن حالة إكتئاب، أي بزيادة تجاوزت نسبتها 18% في الفترة الواقعة بين عامي 2005 و 2015.
فائدة إقتصادية
ولا تقتصر المشكلة عند هذا الحد، بل هناك حاجة إلى دعم أكبر للمكتئبين، فوفق منظمة الصحة ثمة حاجة إلى زيادة الإستثمار، بحيث لا يُتاح في العديد من البلدان الدعم اللازم للأشخاص، الذين يعانون من إضطرابات في الصحة النفسيّة، أو يُتاح لهم قدر ضئيل جداً منه.
تفصيلياً، لا تحصل نسبة 50% تقريباً من المصابين بالإكتئاب، على العلاج حتى في البلدان المرتفعة الدخل. وفي الناحية ذاتها، لا تُستثمر في المتوسط سوى نسبة 3% تماماً ، من ميزانيات الصحة الحكومية في الصحة النفسيّة، كذلك تتراوح نسبة المُستثمر منها بين ما يقل عن 1% ، في البلدان المنخفضة الدخل، و5% في تلك المرتفعة الدخل.
وفي هذا المجال، من الجدير الذكر أنّ الإستثمار في مجال الصحة النفسيّة، له فوائد من الناحية الإقتصادية، إذ أنّ إستثمار كل دولار أمريكي واحد، في تحسين علاج الإكتئاب والقلق، يحقّق عائدات قدرها 4 دولارات أمريكية، في ميدان تحسين صحة الفرد وزيادة قدرته على العمل.
….خسائر باهظة
في المقابل، فإن إهمال هذه المشكلة يؤدي إلى تكاليف باهظة، فوفقاً لما يرد في دراسة تولّت المنظمة زمام إجرائها، وحُسِبت بموجبها تكاليف العلاج والحصائل الصحيّة، في 36 بلداً من البلدان المنخفضة الدخل، وتلك المتوسطة والبلدان المرتفعة الدخل على مدى 15 عاماً من 2016 إلى 2030، فإنّ تدني مستويات الإعتراف بالمصابين بالإكتئاب وسواه، من الإضطرابات النفسية الشائعة والقلق، وبإتاحة الرعاية اللازمة أمام هؤلاء، يسفر عن تكبّد العالم لخسارة إقتصادية قدرها تريليون دولار أمريكي سنوياً.
وهذه الخسارة تتحملها الأسر وأرباب العمل والحكومات، كذلك تتكبد الأسر خسارات مالية عندما يعجز معيليها عن العمل. في المقابل يعاني أرباب العمل عندما تقل إنتاجية موظفيهم ، لذلك يتحتّم على الحكومات أن تدفع نفقات أعلى في مجالي الصحة والرعاية.
يعتبر الإكتئاب مرض متعدّد الجوانب، فهو يزيد من خطورة حصول عدّة إضطرابات وأمراض ناجمة عن إستعمال المواد، مثل داء السكري وأمراض القلب؛ ويصحّ أيضاً عكس هذا القول، ما يعني أن خطورة الإصابة بالاكتئاب مرتفعة لدى الذين يعانون، من سائر هذه الحالات الصحيّة. لذلك فإنّ أيجاد الحلول الناجعة له أصبح أمراً ملّحاً.