خلال المرحلة التي سبقت انتخابات لبنان البرلمانية 2018، بلغ الفساد ذروته، مقارنة مع كل العقود الماضية منذ الإستقلال. فأي مقارنة موضوعية سوف تشير إلى أن العام 2017 كان قمة جديدة من قمم الفساد المتفشي في كل مستويات الدولة. وكانت الحكومات المتتالية تنافس بعضها بمستويات الفساد والنهب، وبتجاوز القوانين والمراسيم والأنظمة، في عملها، وفي تسلطها، وفي وضع يدها على المال العام بوسائل وأساليب وطرق وأبواب مختلفة ومتنوعة. كل هذا كان يحصل أمام أعين كل المشاركين في الحكومة. نحن ندرك تماما بأن المسؤولية عن ذلك هي مشتركة بالتأكيد، ولكنها متباينة من حيث الحجم والأهمية عند مختلف مكونات الحكومات والقوى المشاركة فيها.
كل ذلك، كان يتم في ظل غياب كامل للمساءلة والمحاسبة والمراقبة، من قبل البرلمان، على أعمال الحكومات، حيث كان هذا الدور الرقابي معطلا بشكل شبه كامل على امتداد السنوات التسعة، التي فصلت بين انتخابات 2009 و 2018. ليس التعطيل حادثا طارئا، بل هو واحد من إفرازات “الديمقراطية” التوافقية اللبنانية، التي جعلت من الحكومة نسخة مصغرة عن البرلمان، وبالتالي ليس هناك من يسائل أو يحاسب أو يراقب. ومن أكثر مؤشرات التعطيل فضاعة هو سكوت البرلمان على غياب موازنة للدولة لفترة امتدت إلى 13 عاما على التوالي، مع ما رافق ذلك من تعطيل للدستور والقوانين، ونهب منظم للمال العام، والإنفاق دون مسوغات قانونية، والسكوت على الحسابات المالية للدولة، وتجاوز قطع الحسابات، والمراوغة في كشف ملابسات إنفاق 11 مليار دولار، ولفلفة هذه القضية وقضايا أخرى لا تقل أهمية عنها.
هذه الحكومة، التي نظمت وأشرفت على الإنتخابات، تتربع على قمة الفساد الممتد عبر السنين. هي التي وضعت أسوأ قانون انتخابي عرفه تاريخ لبنان منذ الإستقلال. وهي التي نظمت وأشرفت على أسوأ انتخابات في تاريخه أيضا. فالمال الإنتخابي بلغ ذروة لم يعرفها من قبل. إن من حيث ضخامة الأموال، التي تم تدوالها، كأثمان للدخول إلى اللوائح عند بعض المتمولين، أو عن حجم الأموال التي أنفقت للظهور على وسائل الإعلام، أم للنفقات على “الماكينات” الإنتخابية، أو لشراء الأصوات، للائحة حينا، وللأصوات التفضيلية حينا آخر. وهي الإنتخابات الأسوأ في لبنان، بالإضافة إلى كل ذلك، نظرا لمستوى التزوير، الذي رافق عمليات الفرز، واحتساب الأصوات، والتلاعب بالنتائج في عدد غير قليل من الدوائر.
ربما من أكثر مظاهر الحملات، التي رافقت الإنتخابات، إيجابية، كانت ظاهرة الإعتراف بأن الفساد وصل ذروة يهدد معها استقرار أعمدة الهيكل، ويهدد بانهياره المدمر على رؤوس الجميع، فكان الإعلان عن برنامج مكافحة الفساد في الدولة من قبل قوة وازنة في السلطة السياسية وعلى المستوى الشعبي.
إن حكومات الفساد غير مؤتمنة على تنظيم انتخابات نزيهة، وهي غير مؤتمنة أصلا على إدارة مصالح البلاد والعباد.
إن شرط انتظام الحياة السياسية في لبنان يكمن في القدرة على اسئصال الفساد المعشعش في كل تلافيف الدولة، بدءا من المستوى السياسي، مرورا بعمل الحكومة، وفي الإدارة، وصولا لعمل المجلس النيابي، أم السلطات وأبوها.