ولاية “هاواي” الأميركية، أول بلد يصدر قرارا بمنع استعمال مراهم “الوقاية” من أشعة الشمس لأنها تضر بالبيئة البحرية وخصوصا بالشعاب المرجانية.
تحتوي أنواع كثيرة من مراهم “الوقاية” من أشعة الشمس على مادتي أوكسيبنزون Oxybenzone و أوكسينوكزات Oxynoxate، ذات التأثير الضار الكبير على المنظومات البيئية البحرية والمائية عموما.
سيبدأ العمل بقرار المنع مع بداية كانون الأول (يناير) 2021.
نحن نعتبر أن تأخير العمل بقرار المنع تم تحت ضغط الشركات المنتجة لهذه المراهم، ولأسباب تجارية بحتة، لا تمت بصلة إلى حماية البيئة البحرية والأحياء التي تعيش فيها.
مراهم “الوقاية”، كما يسميها المنتجون والتجار والمستهلكون المتأثرون بحملات الدعاية الواسعة في وسائل الإعلام المهيمنة على الرأي العام، تشكل خطرا حقيقيا على التنوع الحيوي في البحار، وخصوصا على الشعاب المرجانية، التي تعتبر ثروة هامة للبلدان، التي تتميز شواطئها بالمرجان متنوع الألوان، نظرا لقيمته العالية سياحيا وصناعيا وتجاريا.
هذه المراهم، واسعة الإستعمال من رواد الشواطيء والبحار، وأيضا من كثير من الناس، الذين يتعرضون لأشعة الشمس خلال عملهم أو استجمامهم على الجبال والمناطق الداخلية، وليس فقط على البلاجات وأحواض السباحة.
تتمتع المواد الكيميائية، التي تحتويها مراهم “الوقاية” بميزات سامة على الأحياء البحرية، حيث تسبب الموت للشعاب المرجانية، أو توقف نموها، أو تقتل الطحالب، التي تعيش على أجسامها، والتي تكسبها الألوان الجميلة المتنوعة، فتستحيل بيضاء ميتة لا جمال فيها ولا جاذبية.
من المعروف أن الشعاب المرجانية هي حيوانات بحرية تعيش وتنمو وتكبر. تعيش على سطحها وفي تجاويفها طحالب ذات ألوان رائعة الجمال، تميز المرجان بمستعمراته متعددة الألوان، التي تشكل مقصدا هاما للسواح ولهواة ومحترفي الغطس.
أشارت دراسة منشورة في العام 2015، في مجلة “أرشيفات التلوث البيئي وعلم السموم” Archives of Environmental Contamination and Toxicology، إلى وجود مواد كيميائية ذات تأثيرات ضارة على الشعاب المرجانية، فتقتلها وتوقف نموها وتفقدها ألوانها وتحيلها بيضاء وتسبب تخريب جيني في المرجان وغيره من الأحياء البحرية. هذه السموم الكيميائية تسبب “تأنيث” ذكور الأسماك البالغة (أي تكسبها ميزات أنثوية)، وتزيد من إضطرابات التكاثر المتعلقة بخلل في الهرمونات والوظيفة التناسلية والإنجابية في كثير من الأحياء البحرية. كما تسبب تغيرات عصبية سلوكية عند الأسماك وغيرها من الأنواع المهددة بالإنقراض مثل الزلاحف.
بينت الدراسة أن مادة Oxybenzone لها تأثير سام مع تراكيز متناهية الصغر، 62 جزء من تريليون 62 parts per trillion، وهذا يعني وجود نقطة واحدة من هذه المادة في ستة مسابح ونصف بقياسات أولمبية.
مادة الأوكسيبنزون Oxybenzone وكذلك مادة أوكتينوكسات Octinoxate، الموجودتان في عدد كبير من أنواع مراهم “الوقاية” من أشعة الشمس، يتشابهان بتأثيراتهما السامة على الشعاب المرجانية وغيرها من الأحياء البحرية. وهذه المواد معروفة أيضا بتأثيراتها السامة المسببة للسرطان، والمسببة لإخلالات هرمونية تؤثر على الوظيفة التناسلية والإنجابية، وتسبب الأمراض التحسسية والمناعية. وتسبب الطفرات الجينية والنمو السرطاني وتؤدي إلى موت الخلايا، وكذلك إلى أمراض القلب والشرايين.
عشرات آلاف الأطنان من مراهم “الوقاية” تنتهي في البحر، وتؤدي إلى تلوث بتراكيز كافية لإحداث تأثيرات سامة، عالية الضرر على المنظومات البيئة البحرية، والشعاب المرجانية، والثروة السمكية والتنوع البيولوجي في البحار والمحيطات.
إن مخاطر مراهم “الوقاية” من أشعة الشمس، لا تقتصر أضرارها على البيئية البحرية، بل أيضا هي ذات أهمية سمية كبيرة على صحة الإنسان، وبشكل خاص عند الأطفال، حيث تتسرب عبر الجلد إلى داخل الجسم، ولو بكميات متناهية الصغر، لتشكل خطرا حقيقيا على الأمان الصحي للمستهلكين.
هل يمكننا الإستغناء الكامل عن استعمال هذه المراهم، التي نظن أنها تبعد عنا مخاطر أشعة الشمس، وإذ بها تهدد صحتنا بمخاطر أكبر؟
نعم بالتأكيد، المسألة تتطلب وعيا كبيرا وقدرة على التحكم بسلوكنا، ومراقبة سلوك أطفالنا في كل حالات التعرض لأشعة الشمس.
نعم هذا ممكن عندما نعرف في أي وقت ولأي مدة يمكننا التعرض لأشعة الشمس بشكل آمن تماما. قبل الساعة العاشرة صباحا وبعد الساعة الرابعة عصرا، تكون أشعة الشمس منحنية وفقيرة بالأشعة ما فوق البنفسجية الضارة والمسببة للسرطانات الجلدية، وتكون أيضا أشعة ما تحت الحمراء ضعيفة نسبيا، وبالتالي لا تسبب حرق الجلد. إن التعرض المتقطع لأشعة الشمس يحمينا من مخاطر الحرق والأذى. يمكننا التعرض لـ 10 – 15 دقيقة متوالية على الأكثر، ونكررها عدة مرات أثناء الساعات المسموحة، وهذا كافيا لاكتساب اللون البرونزي، الذي يبحث عنه الكثيرون.