الوقاحة التي أعلن بها الرئيس الأميركي ” دونالد ترامب” إنسحاب بلاده من إتفاقية المناخ الموقعة في باريس، تعني أن الرجل غير معني بدمار التنوع الحيوي والبيئي ولا حتى لتلوث الكوكب والتسبب بفقدان الموائل الطبيعية وانقراض الأنواع النباتية والحيوانية، وتعني أيضاً إهتمامه بأعداء الحياة الطبيعية (الشركات الراسمالية التي تبث سمومها في الغلاف الجوي لكوكب الأرض)، أكثر من اهتمامه بحياة البشر.
وما إعلانه عن إنسحاب بلاده الكامل من الإتفاق النووي مع إيران، مخالفاً بذلك كل القوانين الدولية، والتي تُلزِّم الدول بالإتفاقيات التي توقعها… إلا وقاحة موصوفة.
وعندما تقوم الإدارة الأميركية، بتسخير قواتها المتواجدة في سوريا (نوع من أنواع الإحتلال) لحماية ما بين ألفين وثلاثة آلاف إرهابي، معظمهم من بلدان أوروبا ورابطة الدول المستقلة، من الملاحقة الجنائية، لا بل وتوفر الغطاء المطلوب لنشاطهم الإجرامي…فتقتصر الإجراءات الأمنية بحقهم على تقييد حرية التنقل، في حين يتلقون ثلاث وجبات طعام يومياً، ويتمتعون برعاية طبية للحفاظ على لياقتهم البدنية، عندما تقوم بكل هذا فنحن إذاً أمام وقاحة استعمارية، جذورها ممتدة في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، منذ أن سلخوا جلود الهنود الحمر.
كذلك تعني الوقاحة التي بها أعلن “ترامب” إعتراف بلاده بالقدس عاصمة لإسرائيل والتي بموجبها نقل سفارته إليها ، أنه غير آبه لكل الإتفاقيات الدولية وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها، وأنه يخدم علناً ما يسمى بــ”دولة إسرائيل”.
وأن تعتبر مندوبة أميركا لدى الأمم المتحدة “نيكي هايلي” أنه “لم يضبط بلد نفسه أكثر مما فعلت إسرائيل”(بعد أن قتل الجنود الاسرائليين 60 فلسطينياً في يوم واحد)، وانها لم تلمس أي صلة بين تدشين السفارة الأميركية في القدس والاحتجاجات الفلسطينية….أليس هذا بوقاحة ؟
وماذا تسمي تذكّيرالسفير الأميركي لدى لندن “وودي جونسون” بكلمات رئيس بلاده، دونالد ترامب، بأن واشنطن لن تدفع ثمن أمن حلفائها من أعضاء حلف الناتو في أوروبا، طالباً من لندن : زيادة الإنفاق العسكري على حساب الخدمة الصحية الوطنية، في حال كانت تفضل أن تبقى حليفاً موثوقاً للولايات المتحدة ؟(بحسب صحيفة “التايمز” البريطانية)…أليس هذا ضرباً آخراً من الوقاحة!!!.
ولكن الوقاحة الاميركية سواء أكانت عسكرية أم دبلوماسية، لم ولن تتفوق على وقاحة حكام العرب من نواطير الكاز، تلك البلدان التي لا تزال تدفع لدول الإستعمار الجديد كي تُمعن في قتلِ كل أشكال الحياة في سوريا، عبر دعمها للمجموعات المسلحة الإرهابية (بالمال والسلاح والرجال)، كما تدفع لها كي تمعن في نهب ثروات العراق ( لايزال مبعوث الرئيس الأميركي إلى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش “بريت ماكغورك” يتدخل بالشأن الداخلي العراقي، بهدف تأليف حكومة تُسهل لهم نَهبَ البلاد)، …وذلك كله خدمةً لإسرائيل.
الوقاحة أن تشتري هذه الكائنات التي تدعى ملوك الخليج، أسلحة من دول الاستعمار الجديد (الولايات المتحدة، فرنسا وبريطانيا) لتقتل بها أطفال اليمن.
الوقاحة أن يُعقد “مؤتمر لاعادة إعمار العراق” في الكويت، فتتبرع مملكة الرمال بمبلغ مليار ونصف المليار دولار فقط (اقل من قيمة الهدايا التي قدمت للرئيس ترامب أثناء زيارته الأخيرة للرياض) .
إلا أن وقاحة العربان تنم عن غباء متجذر، فهم باركوا منذ أيامٍ قليلةٍ نقل السفارة الأميركية الى مدينة القدس، محاباةً للرئيس” ترامب” الذي طالما كان يبتزهم بقوله : “سأجعلهم يدفعون ديوننا.. الخليج لا يفعل شيئاً وصدقوني لا يملكون شيئاً إلا المال. سأجعلهم يدفعون لنا”.
طالما اتسمت سياسة الولايات المتحدة الأميركية بالوقاحة، فمنذ أن سلبوا الهنود الحمر أراضيهم وثرواتهم ، مروراً بإحتلالهم لبنما وهايتي، وتدخلهم المستمر بالشؤون الداخلية للبرزايل، فنزويلا والأرجنيتن،وحصارهم الطويل على كوبا، كوريا الشمالية وإيران…وصولاً الى حرب الخليج الأولى والثانية، فالربيع العربي المشؤوم وليد مشروع “الشرق الأوسط الجديد”،والذي بموجبه عاثوا دماراً في كلا من تونس وليبيا واليمن وسوريا، وهم بوقاحتهم يسعون جاهدين، للمشاركة في إعادة إعمار سوريا، وربما سيعيدون إعمارها على مقاييس الوقاحة خاصتهم، فبدلاً من المدارس يبنون لنا النوادي الليلية ودور القمار، وبدلاً من المشافي يبنون المساجد والكنائس لتغذية الروح الطائفية، ويشجعون المافيات ويحررون تجارة السلاح والمخدرات، فتصبح البلاد “بهواً” خلفياً لهم، لذلك يقول الشعب السوري، إن إعادة الإعمار…هو حق حصري للدول الصديقة.