أثار الجدول، الذي يقال أنه صادر عن مركز البحوث الزراعية، حول تلوث مياه البحر من العبدة حتى الناقورة بكل أنواع الملوثات الجرثومية والكيميائية، العضوية وغير العضوية، ولا سيما بالمعادن الثقيلة السامة مثل الزئبق والزنك، حالة من الذعر والارتباك الواسع، والمتابعة الحثيثة عند الصحافيين ووسائل الإعلام، وكذلك عند الكثير من الأهالي.
عدد كبير جدا من الصحافيين سارعوا إلى الإستفسار عن حقيقة هذا الجدول، وعدد أكبر من الأهالي، وخصوصا العائلات، التي عبرت عن قلقها الشديد حيال مخاطر التلوث، التي أشار إليها الجدول، على صحتهم وصحة أطفالهم عند ارتياد البحر والشواطيء والمسابح.
في هذا الجو من الهلع، كان يفترض بالمسؤولين في الوزارات المعنية، وفي المقدمة منها وزارة الصحة ووزارة البيئة ووزارة الأشغال والنقل المسؤولة عن الشواطيء، أن يأخذوا دورهم في إظهار الحقيقة للناس، وتدليلهم على المناطق الأكثر تلوثا ليتم تفاديها، والمناطق الأقل تلوثا والأكثر أمانا ليتم اطمئنان الأهالي لارتيادها.
كنا ننتظر من المركز الوطني للبحوث العلمية، وخصوصا معهد علوم البحار في البترون، المعني مباشرة برصد مستويات التلوث في مياه البحر على طول الشاطيء اللبناني، أن يصدر تعليقا رسميا على ما تناولته وسائل الإعلام من جدول مثير للجدل والشكوك الكبيرة حول مصداقيته العلمية.
إن الجدول، الذي تناولته وسائل الإعلام، وجرى تبادله بشكل واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، يفتقر للجدية العلمية لناحية الشكل والمضمون. وهو لا يشبه التقارير العلمية التي تدرس عادة مستويات التلوث البيئي، في وسط من الأوساط، وفي هذه الحالة مياه البحر. يكون التقرير العلمي عادة معززا بشرح منهجية البحث، والطرق المعيارية المعتمدة في أخذ العينات وحفظها، والطرق المعارية للتحليل المخبري، التي اعتمدت لدرس مستوى تراكيز المؤشرات المختلفة، الجرثومية، والكيميائية، مع ذكر إسم المواد والمركبات الكيميائية، التي خضعت للتحليل، بما فيها المعادن الثقيلة المعروفة بسميتها البيئية والبشرية. وكذلك على التقرير العلمي أن يذكر مستوى التراكيز بدقة، مع ذكر وحدة القياس لكل ملوث. ومن جهة أخرى يجب أن يتم تحديد دقيق لمكان أخذ العينة، والمعايير التي حكمت اختيار هذا المكان، ويجب دائما أن تكون هذه المعايير على علاقة مع هدف الدراسة ومنهجية البحث، أو عملية الرصد التي تم القيام بها.
كل هذه الميزات كانت مفقودة كليا في الجدول الذي تم تدواله. وهذا ما يدفعنا للشك بأنه صادر عن مرجع بحث علمي موثوق، ويتمتع بالمصداقية العلمية الكافية.
من جهة أخرى، لا نرى مبررا أن يتم نشر هذا الجو من القلق والذعر على مستوى الأهالي، وخاصة أن أحدا من المسؤولين لم يبادر إلى القيام بالحد الأدنى من واجباته للتعامل مع هذه الحالة، لينير المواطنين بشأنها ويوجههم لكي لا يبقوا ضحية الارتباك والقلق من جهة، وضحية التعرض لمستويات عالية من التلوث أثناء تفتيشهم عن بعض ساعات الراحة والاستجمام لهم ولأطفالهم.
أتوجه بكل احترام للسيدة، التي اتصلت بنا بالتلفون معبرة عن قلقها، وطالبة منا مساعدتها بتقديم التوصيات، لكي تكون مطمئنة على صحة أطفالها عند ارتياد المسابح البحرية، أو عند تعبئة حوض السباحة البلاستيكي في البيت، بهدف حمايتهم من أي تعرض للتلوث الجرثومي أو الكيميائي.
ولتعميم الفائدة، من الضروري التأكد من مصدر المياه التي نملأ الحوض بها. فالمياه المالحة آتية من البحر، وبالتالي هي تحمل باقة الملوثات الموجودة فيه. واستعمال الكلور يؤمن تعقيمها من الملوثات الجرثومية.
وفي كثير من الحالات تكون الآبار الأرتوازية مصدر المياه العذبة لملء الأحواض، وبعض هذه الآبار أيضا يمكن له أن يكون معرضا لتلوث جرثومي، ولذلك، إن اللجوء إلى تعقيمه يشكل خطوة ضرورية للإطمئنان لناحية هذا النوع من التلوث.
يتم تعقيم المياه العذبة بإضافة 100 مليلتر من محلول “ماء جافيل” Eau de Javel لكل متر مكعب واحد من المياه، أي بمعدل نقطة واحدة لكل ليتر من المياه. هذه الكمية من المحلول الكلوري كافية لتعقيم المياه لتصبح آمنة للسباحة، ولا داعي أبدا لزيادة هذه الكمية.
من المفيد أن نعرف أن زيادة كمية المحلول الكلوري عن معدلها يمكن أن يكون لها أضرارا، وبالتالي علينا الإلتزام بالمعدل المذكور دون زيادة أو نقصان. (نقطة واحدة لكل ليتر، كل 10 نقاط تساوي مليلتر واحد، وبالتالي حسب كمية المياه المراد تعقيمها يتم احتساب كمية محلول “ماء جافيل” لإضافتها).
إن الحذر ضروري، ولكن الإستسلام للقلق والذعر والإرتباك هو غير مبرر. علينا اختيار الأماكن الأكثر أمانا ونظافة لارتيادها حفاظا على صحة أطفالنا، مع متابعة كل أنشطتهم الصيفية، على شاطيء البحر ولدى زيارة الأنهار وفي المناطق الجبلية.