تسود في لبنان عقلية الصفقات والمحاصصة، وهما نتاج فشل السياسات العامة، والتي غالبا ما تكون سمة لتوجهات تستحضر الفساد، وتبقي الفشل ماثلا كحالة شبه دائمة، بدليل أن الفشل إياه أنتج وما يزال منذ سنوات مزابل على “مد عينك والنظر“، وبرزت معه جماعة من سماسرة النفايات وتجارها الجشعين بينهم الكثير من حديثي النعمة، حتى أن لكل منطقة من لبنان مزابلها ومكباتها، ودائما بلون طائفي تبعا للتوزع الديموغرافي بين طوائف ومذاهب، فإن كان المثل الذي شاع منذ عشرين سنة بأن وراء كل كسارة زعيم فاسد، فيمكننا القول اليوم أن لكل طائفة مزبلة ومكب.
ثلاثة مكبات
في هذا السياق، بدا فاضحا ما هو قائم على طريق طيردبا – معركة في قضاء صور، خصوصا وأن هذه المنطقة الواسعة جغرافيالها الحصة الأكبر من المزابل عند مداخلها وأطرافها، وهي قائمة ومستمرة وسط صمت مقلق للقيمين عن هذه القرى، وكأنه لا تعنيهممشكلاتها الصحية والبيئية من قريب ولا بعيد.
ثلاثة مكبات متجاورة تطمر فيها النفايات وترص بالترابوالحصى والصخور، يقفل أعمقها بعد امتلائه، ليتم بعدها تحويلنفايات قرى وبلدات إتحاد بلديات صور مكان آخر، ويتحول المكبالى كسارة وربما لاحقا الى “أرض مزروعة بالاشجار المثمرة“! كمااشار رئيس إحدى البلديات القضاء.
هذا وقد حققت احدى المزابل في الجوار القريب عند “منطقةالرمالي“ التابعة عقاريا للبرج الشمالي في قضاء صور رقما قياسيافي “أطول المزابل“ على الصعيد الوطني، وهي تقع مباشرة على كتفقناة ري القاسمية التابعة لمصلحة الليطاني، لتهدد أمننا الغذائيبشكل مباشر، ومن بدون أدنى تحرك من القيمين لمواجهة واقع الحال،وهكذا تكون المنطقة قد حصدت قصب السبق في أطول وأعمقمكبين، فهل تتنبه لهما “موسوعة غينيس” للأرقام القياسية ليكون لبنان حاضرا دوليا من بوابة فشل إدارته لملف النفايات المنزلية الصلبة؟
دبوق: لماذا مضيعة الوقت؟
رئيس اتحاد بلديات صور وبلدية صور المهندس حسن دبوق قال في حديث لـ greenarea.me: “لا جواب لدي الآن عن كيفية حلمشكلة المكبات“، وتابع: “نحن بحاجة لخطة وطنية لمعالجة أزمةالنفايات تتولاها الدولة، فهذه الأزمة تفوق قدرات وإمكانيات البلديات،ولا يجوز ان ترمي الدولة عجزها علينا”.
ورأى دبوق أن “لا حل حاليا، ولا خيار أمامنا سوى ارسالنفايات المدينة الى المكبات لفرزها وطمرها، فعلينا يقع واجب رفعهامن الطرقات بالدرجة الأولى، ولفت إلى أنه “إذا كان لدى أحد ما حلافليتقدم به، والضغط علينا بهذا الموضوع لن يجدي بدون تقديمالبدائل”.
وأضاف دبوق: “ان الضغط على الدولة في بيروت نتجت عنهالمطامر الشاطئية (كوستا برافا وغيره)”، وتساءل: “هل المطلوب منا انننشىء مكبات عند شاطئ محمية صور الطبيعية فيما لم يجمع ايمجلس بلدي على قبول انشاء مطمر صحي في أراض عرضت منقبل رؤسائها واعضائها علينا؟“، وقال: “حان الوقت للنظر بموضوعيةاكبر الى الأزمة فنحن نغرق شيئا فشيئا، ولماذا مضيعة الوقتوانتظار الغرق الكلي؟”، ورأى أن الحل بحاجة لخطة متكاملة وليسلمعالجة جزئية ولا حل اذا لم يتضمن (الفرز، التدوير والطمرالصحي) على الأقل لسنوات مقبلة“.
وتابع دبوق بأن “معمل عين بعال يتم توسعته وتطويره وسيكونجاهزا خلال شهر ونصف الشهر أو شهرين، وهو أيضا لن يستوعبربع كمية النفايات التي تنتج عن الاتحاد، لذلك المنطقة بحاجة حاليالمعمل ثان والأزمة ستستمر ايضا الى ما بعد افتتاح معمل عينبعال“، مشيرا ايضا الى “ضرورة ترشيد الاستهلاك للحد من كمياتالنفايات ونشر الوعي البيئي لطرق الاستخدام وضرورة ايجاد قوانينصارمة وضرائب“.
الهيئة الشعبية البيئية في صور
ومجلس اتحاد بلديات صور في جلسته المنعقدة بتاريخ29/6/2018 قد قرر في ظل أزمة النفايات وما سيشكله تراكمها منخطر على الصحة العامة وتدمير لموسم السياحة وقطع ارزاقالمواطنين، الموافقة على اعتماد حل باستخدام العقار 159 منطقةالعباسية بموافقة صاحبه كمطمر للنفايات المنزلية والعوادم الناتجةعنها، مع اعتماد فرز المواد القابلة للتدوير قبل الطمر.
الهيئة الشعبية البيئية في صور التي انطلقت مؤخرا وتولت مهمةالتصدي للمكبات المنتشرة في المنطقة، ردت على هذا القرار عبرصفحتها في “فيسبوك“ فكتبت: “للتذكير فقط أقفل معمل عين بعالعلى أساس العودة للعمل به بعد شهرين، وها قد مضى أحد عشرشهرا وما زال متوقفا عن العمل“.
وأضافت: “قبل أن تكون من واجبات الاتحاد إيجاد مطمر،فمن واجبات الاتحاد إيجاد حلول كاملة لمشكلة القضاء، وهذا ما لمنراه ابدا منذ بدء العمل البلدي في القضاء. جل ما تفعلونه هو إيجادقطعة جميلة من الارض، تحولونها الى كارثة بيئية وعند امتلائهاتنتقلون الى مكان آخر دون الالتزام بأدنى شروط الطمر“.
وأردفت الهيئة: “وبحجة الموسم السياحي ورفع النفايات منالشارع لرفع الضرر عن الناس وعدم وجود خطة وطنية، تنتقلون الانالى العقار 159، انتم تعلمون أن لا خطة وطنية وعلى كل بلديةواتحاد حل مشكلته بنفسه، وتنسون النفايات دون تخطيط ودراساتوعند مجيء الصيف تدعون الحاجه لإيجاد مطمر“.
لإعلان حالة طوارىء بيئية
وختمت الهيئة: “ندعوكم لإلغاء هذا القرار وإعلان حالة طوارىءبيئية واعتماد خطة الفرز كل في عقاره بشكل يدوي أو آلي، وتشغيلمعمل عين بعال فورا مهما كلّف ذلك من مال الشعب، وندعوكم الىجعل مشكلة النفايات اولوية الى حين الوصول الى بر الأمان، صحتناأهم من أي شيء“.
والجدير بالذكر ان الهيئة الشعبية أعلنت بعد جملة تحركاتومباحثات ولقاء مع المجلس البلدي في برج الشمالي أنها ستقومبالتوجه الى وزارة البيئة لطلب إرسال لجنة خبراء من قبلها للكشفعلى المكب المقفل، والمطالبة بضرورة إزالة النفايات المطمورة خلافاللقانون ومعالجتها، حرصا على رفع الضرر البيئي الذي سيتسببههذا المكب لسنوات عدة وتحسبا لإنفجاره، ودعم كل الأهاليوالمتضررين الواقعة منازلهم وأرزاقهم بالقرب من المكب، ورفع دعوىقضائية وصولا لمحاسبة كل من هو متورط في هذه الكارثة البيئيةلتلافي مثل هكذا كوارث تجاوزات مستقبلا“.
وأكدت الهيئة على متابعة تطورات مكب شرناي – العباسية، أيفي العقار 159بعد ان قرر الاتحاد اللجوء اليه، والطلب بنقله الىمكان آخر بعيدا عن الناس ودعم مشغله لناحية الوصول إلى فرزافضل من خلال الالتزام بشروط وزارة البيئة.
ودعت إلى اعتماد كل بلدية على نفسها من ناحية الفرز اليدويأو الآلي مع البدء بخطة الفرز من المصدر“.
د. قديح: الإدارة المتكاملة
خبير الكيمياء والسموم ومستشار greenarea.info الدكتور ناجي قديح، قال: “مفتاح الحل يبدأ بالفرز من المصدر وهذا ما سيسهل الأمر، فلا حل بغير الادارة المتكاملة للنفايات، فهي سليمة بيئياً، آمنة صحياً، معقولة من ناحية الكلفة ومطبقة لا مركزياً على مستوى اتحاد البلديات والمناطق“.
وأضاف: “إن اتحادات البلديات لديها القدرة الكافية والامكانية الكافية لحل المشكلة، والمطلوب منها اتخاذ قرار جريء بوضع الخطة للادارة المتكاملة والبدء بالفرز من المصدر لفصل العضوي عن غير العضوي، وان لم تنطلق الخطة من هذه المسلمات سيبقى الحال كما هو عليه، أي إغلاق مزبلة وافتتاح اخرى في مكان آخر، وانتظار الحكومة لإيجاد الحلول غير وارد في المدى المنظور، في ظل الحكومة الحالية التي صرفت مئات الملايين من الدولارات في ملف النفايات،والتي تخطط لاستنزاف الناس للذهاب الى خيار المحارق التي تعتبر الاسوأ والاكثر خطورة“.