فجأة تحول جميع السياسيين اللبنانيين الى خبراء اقتصاد ومال، واكتشفوا أن الشأن الإقتصادي والمالي والنقدي له محل اهتمام خارج أوقات فراغهم من إدارة البلاد، حيث يفصل هؤلاء بين إدارة الدولة والسياسة والشأن الإقتصادي والحياتي !!
يتبارى معظم المسؤولين في الحديث عن الإنهيار المالي على طريقة المزاد العلني “على أونا على دووي مين بزيد”، في قلة مسؤولية غير مسبوقة، ناهيك عن مجافاتها للحقيقة والواقع اصلاً.
هذا الكلام والتأكيد لا يخفف البتة من حقيقة وجود واقع اقتصادي مأزوم، بل في مأزق يتفاقم منذ سنوات بفعل سياسات رسمية وخيارات محددة دأبت جميع الحكومات والعهود على انتهاجها، وكذلك لا يخفف البتة من حراجة ودقة الوضع المالي وازدياد صعوبة وارتفاع كلفة استمرار أحادية النموذج النقدي، في ظل العجز المتواصل عن خلق سياسة مالية واقتصادية هي أشبه بقضية حياة أو موت للبلد.
ولكن حديث الإنهيار المعمم، رسمياً اولاً ومن ثم على المستويات المختلفة، الى ماذا مرده ؟ وما الذي حصل اليوم ليرتفع الصراخ، ووفق أي مؤشرات ؟؟
الفارق كبير وجدي بين الأزمة الإقتصادية والتعثر المالي، ولبنان اليوم يملك كل حاجاته التمويلية بالنقد الأجنبي لفترة طويلة نسبياً تقدر بحوالي عام ونصف، اي حتى أواخر العام المقبل ٢٠١٩، فلماذا هذه الصحوة وتصوير الواقع كأن البلد لا يملك مستلزمات تأمين استحقاقات الغد المباشر ؟!
البلد يتعرض لحرب مالية إقليمية يرفض المسؤولون الكلام عنها، ولكل حساباته، بينما اليوم يساهمون فيها ويسعّرونها ويقدمون الخدمات لأصحابها، واللافت أنّ المستهدفين الأساسيين فيها يشاركون وكأنهم من ضمن جمهور المتفرجين !!
حين تتسابق الجهات الرسمية مداورة، وحسب مصلحة المتربعين فيها على إعلان الإفلاس، فكيف لجهة محلية او خارجية ان تنفي هذا الإفلاس في سابقة غير مسبوقة في العالم . ومعلوم أن وكالات التصنيف الدولية تعتبر التصريحات والبيانات الرسمية المتعلقة بهذا الشأن من ضمن العلامات الأهم، والتي قد تحمل طابع السرية فتدرج وتعطى طابع الأولوية المحددة.
السؤال الحقيقي المطروح: اذا كان هذا هو الواقع، من يفترض فيه أخذ الإجراءات والتدابير للحؤول دون ذلك او تنظيم هذا الإنهيار، اليست السلطات الرسمية نفسها التي تتبارى في سوق عكاظ ؟؟ أم انها تعتقد انها تستخدم هذا في حرب الحصص الحكومية !!
أما الحديث عن الفوائد وقروض الإسكان فما هي الا أوجه من غياب السياسة الرسمية والمسؤولية الحكومية وتحكم المصارف والمنافع وتجار العقارات وسيادة الخيار النقدي، وسط اقتصار اهتمام المسؤولين على منافعهم وقضاياهم الضيقة ولائحة مطالبهم التي لا تنتهي وسط استمرار كلامهم عن الإنهيار .
أيام تمضي وفرص تضيع وكلف تزداد، ولكن البلاد تختزن رغم كل هذا إمكانات للخروج من الأزمة، وما التهويل الحالي إلا تسويق جديد للحرب المستمرة على البلد، ورافعة لتسويق بيع قطاعات البلد لنفس المطبلين والمزمرين للإنهيار وأصدقائهم الذين استفادوا طوال السنوات السابقة من هذه السياسات، واليوم يتحضرون للإستفادة من الإنقضاض عليها وهذه هي طريقتهم في منع الإنهيار المزعوم !