كل وزارات لبنان فاشلة في إدارتها للبلد وثرواته، وفي تلبية حاجات اقتصاده والإستجابة لمتطلبات التطور والنمو في أوضاعه، وفي العمل الذكي لإحداث تحسينات ملموسة في مستوى حياة الشعب وجودتها.
يعاني لبنان من أزمة متمادية في تأمين حاجاته من الطاقة الكهربائية. مرَّ ما يقارب الثلاثة عقود على انتهاء الحرب الأهلية، ولا يزال الشعب اللبناني يعاني من نقص حاد في التغذية الكهربائية، ما أدى إلى نشوء قطاع طفيلي، قطاع المولدات، الذي انبرى أصحابه للإستثمار على الفشل والتقصير والعجز الرسمي، حيث ترعاه سياسات الحكومات المتعاقبة، ووزارات الطاقة، بمعزل عن الإنتماء السياسي لمن تولى هذه الحقيبة. فقد تعاقب عليها ممثلون عن كل الأحزاب والحركات والتيارات والكتل تقريبا، دون إحداث أي اختراق في جدار الأزمة الثقيلة.
هل يفتقر لبنان إلى القدرة على توليد كميات كافية من الطاقة الكهربائية تلبي حاجاته المتنامية؟ أم أن المشكلة تكمن في مصلحة القوى السياسية، المكوِّنة للسلطة الحاكمة منذ مطلع التسعينات حتى اليوم، في التمنع عن وضع السياسات والاستراتيجيات والخطط، المرتكزة على دراسات وإحصاءات وقاعدة معلومات متكاملة وشاملة وعلى درجة مقبولة من الثقة، وتطبيقها بنجاح يكفل الخروج من أزمة الطاقة الكهربائية الخانقة، ليضع لبنان على سكة الإستقرار الطاقوي، الذي تتطلبه تنمية البلد واقتصاده وجودة حياة شعبه؟
إذن، نحن لا نتوجه إلى هذه السلطة بالقصور والعجز، بل بأعظم من ذلك بكثير. نتوجه لها بإدارة الظهر لمصالح البلد العليا، في تنمية اقتصاده، وتوفير فرص العمل لشبابه، وتأمين الحد المقبول من الخدمات العامة، التي تسمح لشعبه بحياة مستقرة، عبر إيجاد الحلول الاستراتيجية الناجعة لمشكلة النقص الكبير في إنتاج الكميات الكافية من الطاقة الكهربائية. وكذلك أيضا، وقف الهدر والنهب المنظم في التعاطي مع هذا الملف من قبل الحكومات ووزراء الطاقة المتعاقبين. إدارة الظهر هذه تتم لحساب مصالح فئوية، وأحيانا أضيق من ذلك، بالتلاعب بالمال العام، عبر خيارات هي أبعد ما تكون عن التخطيط الاستراتيجي السليم، وعن ممارسة رجال الدولة الأذكياء.
ماذا عن سياسات المياه في بلد تجمع الدراسات كلها، قديمها وحديثها على أنه “قصر للمياه”؟
سوف يقتصر تناولنا للثروة المائية اللبنانية في هذه المقالة على الجانب الكمي فقط، تاركين الحديث عن جوانب جودتها وسياسات حمايتها من كل أشكال التلوث المحتمل ومن كل مصادره المحتملة، إلى مقالات أخرى.
هل ترتكز سياسات حكومات لبنان حيال استثمار الثروة المائية على حقائق العلم والبحث والدراسات المعمقة لواقع لبنان الجيولوجي، والهيدروجيولوجي؟ وعلى إحصاءات موثوقة تتعلق بثروته المائية، كميات المتساقطات، وكميات تحميل أحواض المياه الجوفية، وكميات المياه السطحية المتاحة، وقدرات الينابيع المنتشرة على مساحة الجغرافية اللبنانية، وعلى مدار الفصول والسنوات؟
عند النظر والتمعن في ما تحققه استراتيجية بناء السدود، التي تعتمدها الحكومات اللبنانية، من فشل ذريع، يترافق بتخريب لموارد ومصادر وينابيع المياه في لبنان، كما حصل في نبع شاغور حمانا وسد القيسماني المتمادي في فشله. إضافة لتخريب المواقع الطبيعية ذات الأهمية البيولوجية والإيكولوجية الكبيرة والتنوع الحيوي، وخصوبة الأرض وغنى محاصيلها الزراعية، كما هي الحال في سد جنة وسد بسري. يضاف إلى كل ذلك العبث البعيد كل البعد عن الخيارات الذكية، الذي تلجأ إليه مجموعة من المهندسين المدنيين، تنفيذا لسياسات عمياء لا تبررها الحقائق العلمية، آيلة إلى التناطح مع ما شكلته الطبيعة الصخرية اللبنانية عبر ملايين السنين، والإصرار على “تبليط” بالوعات بلعا بالخرسانة وبفتات صخور العاقورة، المتربعة على قمم جرودها منذ الأزل.
ذهبت الحكومات المتعاقبة إلى وضع استراتيجية السدود، ارتجالا، أو نسخا لخيارات مورست عبر القرون في بلاد تختلف جغرافيتها وجيولوجيتها وطبيعتها وميزات ثروتها المائية عن بلدنا. وهي إن تمادت في الماضي في سياسة بناء السدود، تعود عنها الآن بعدما تحققت من مساوئها، ومن انعكاساتها السلبية الكبيرة على البيئة المحلية والكلية. نشهد كل عام إزالة عشرات السدود، حتى بلغ عددها في الولايات المتحدة وحدها أكثر من 700 سد أزيلت خلال السنوات العشرة الأخيرة.
تتجاهل استراتيجية بناء السدود إلى حد بعيد كل المعطيات العلمية المتوافرة عن موارد لبنان المائية، وعن طبيعته الجيولوجية والهيدروجيولوجية والزلزالية. هذه الاستراتيجية على تعارض أيضا مع عقلانية الخيارات المتاحة الأخرى لتأمين تلبية حاجات الشعب اللبناني والإقتصاد اللبناني من المياه العذبة، الصالحة لكل الإستعمالات المطلوبة في الزراعة والصناعة والسياحة والخدمات الأخرى، وفي توفير المياه الآمنة للإستعمال البشري ومياه الشرب.
نشهد إصرار الحكومات ووزراء الطاقة والمياه المتعاقبين على الإستمرار في استراتيجية السدود، على الرغم مما حققته السدود، التي بنيت حتى الآن، من فشل كبير في تحقيق الأهداف المتوخاة منها، لناحية كميات المياه المخزنة ونسبة الخسارة في التبخر والتسرب، والأهم من كل ذلك، لناحية الكلفة الحقيقية العالية جدا للكميات المحدودة من المياه، التي تتيحها هذه السدود.
مشاريع السدود في لبنان عالية الكلفة، حيث تقدر بعشرات، بل بعضها بمئات ملايين الدولارات. فكلفة سد جنة تقدر بمئات الملايين، وسد بسري أصبحت كلفة بنائه تقارب المليار دولار أميركي. هذه الكلفة لا تحتسب الخسارة البيئية الكبيرة، وفي التنوع الحيوي، وفي المحاصيل الزراعية، حيث أنها تدمر، بل تلغي مئات الهكتارات من الأراضي الزراعية الخصبة والمنتجة. إضافة للخسائر في القيمة التراثية والثقافية للعديد من تلك المواقع.
نحن نشهد هذا الإصرار على الإمعان في السير بسياسة السدود، في ظل الفشل المحصود، وفي ظل تجاهل سلطات المياه في لبنان، من وزارة الطاقة والمياه، ومصالح المياه في كل المناطق، والمصلحة الوطنية لنهر الليطاني، لما يعود لها من صلاحيات وواجبات في رصد ومتابعة كل موارد المياه العذبة، لتبني على ضوئها استراتيجيات وطنية ذكية، مرتكزة على معطيات العلم والرصد، وعلى بنوك البيانات وقواعد المعلومات، ووفق خيارات ذات جدوى اقتصادية وبيئية، على المدى القريب والمتوسط والبعيد.
إن غياب التخطيط الاستراتيجي السليم والذكي في مجال إدارة واستثمار الثروة المائية اللبنانية، يتيح الفرصة لقوى السلطة السياسية أن تتبنى خيارات وسياسات واستراتيجيات تؤمن لها مصالح “شعبوية”، ومصالح وفوائد فئوية وخاصة من كل نوع، على حساب الخيارات الاستراتيجية، التي تلائم واقع طبيعة لبنان ومصالحه وحاجات اقتصاده وشعبه، وتتفق مع واقع الحقائق المائية فيه.
إن الدراسات لواقع الثروة المائية اللبنانية، القديمة منها والحديثة، تشير إلى معطيات لا تبرر على الإطلاق استراتيجية السدود العبثية، بكلفاتها العالية جدا، والخسائر الكبيرة التي ترتبها على بيئة واقتصاد لبنان وماله العام. ولذلك، ندعو إلى أن تقوم سلطات المياه في لبنان، وزارة الطاقة والمياه ومصالح المياه، والمصلحة الوطنية لنهر الليطاني، بما يتوجب عليها من متابعة ورصد للموارد المائية، وبناء قاعدة معلومات متكاملة وموثوقة وشاملة كل المساحة اللبنانية، ليبنى على ضوء المعلومات هذه، سياسات استراتيجية سليمة وعقلانية تتوافق مع مصالح شعب لبنان، في حاضره ومستقبله.
إن الحقائق، التي أشار إليها تقرير “برنامج الأمم المتحدة الإنمائي” للعام 1970، والتي أكد خطوطها العامة التقرير، الذي وضعه “برنامج الأمم المتحدة الإنمائي” لصالح وزارة الطاقة والمياه في العام 2014، والممول من وكالة التنمية الإيطالية، حول تقييم موارد المياه الجوفية في لبنان. وأكد الإستنتاجات والخلاصات، التي انتهى إليها تقرير 1970، ودقق بعضها، وأغنى بعضها الآخر بمعطيات جدية جديدة ومقاربات مختلفة وحديثة.
إن هذين التقريرين الهامين، لاحظا غياب استراتيجية رصد رسمية لموارد المياه في لبنان. رصد المياه الجوفية، ورصد الأنهار، ورصد الينابيع، وتطوير وتحسين شبكة الأرصاد الجوية، وكذلك متابعة رصد مستمرة لتوفير معطيات موثوقة عن المياه السطحية ومياه الينابيع، والقيام بجردة وطنية للأبار الأرتوازية، التابعة للدولة، وتلك التابعة للقطاع الخاص، المرخصة منها وغير المرخصة.
هناك حاجة إلى رصد أحواض المياه الجوفية ومساراتها، ومتابعة دقيقة ودائمة لهذه الأحواض، في حوض المياه الجوفية الساحلي المعرض لإجهاد واستنزاف كبيرين. وكذلك في حوض شمال لبنان، وحوض الحدث-الحازمية، وحوض بيروت، وحوضي شمال البقاع المعرضين أيضا لإسراف كبير بسبب الري غير الرشيد، وتقدير دقيق لعجزها المائي، كي ترسم على ضوء ذلك استراتيجيات تنظيم وترشيد استثمار هذه الأحواض، والبحث عن سبل تغذيتها الإصطناعية لتعويض العجز، الذي تعاني منه حاليا، في ظل سياسة التسيب وإدارة الظهر، التي تمارسها الحكومات والوزارات والمؤسسات المعنية بالموارد المائية اللبنانية.
إن محطات الرصد، المحدودة أصلا، لمياه الأنهار والينابيع، قد أهملت وتعطلت خلال سنوات الحرب الأهلية، ولم يعد تأهيلها وتحديث تجهيزاتها إلا جزئيا في السنوات الماضية التي تلت الحرب. تعود مسؤولية تشغيل وصيانة وتجهيز ومراقبة هذه المحطات على كامل الأراضي اللبنانية، وقياس كل ينابيع وأنهار لبنان، إلى المصلحة الوطنية لنهر الليطاني.
مع تعيين مدير عام جديد لهذه المصلحة، نأمل أن يتم وضع استراتيجية تشغيل وصيانة محطات قياس ورصد موارد المياه، لتصحيح وضع الفقر الفظيع في بنك المعلومات حول غزارة الأنهار والينابيع في كل لبنان.
إن النقص والفقر بالمعلومات يفقد السلطة السياسية قاعدة المعلومات الضرورية لتحليلها ووضع السياسات والاستراتيجيات السليمة والصحيحة لاستثمار عقلاني للثروة المائية في لبنان.
هناك ثغرات ونقاط ضعف متنوعة في مسألة قياس ورصد غزارة المياه في الينابيع والأنهار اللبنانية، لا تنحصر فقط في نقص عدد المحطات وتجهيزها وتشغيلها وصيانتها، بل أيضا في عدم ملاءمة الأماكن الموضوعة فيها لإجراء هذه القياسات.
يقول تقرير العام 2014 أن حوالي ثلث الأراضي اللبنانية غير مغطاة بمحطات القياس، أي بنظام المراقبة المائية، في حين أن الثلثين الآخرين مغطاة بنظام ضعيف وغير متكامل للمراقبة المائية، وأن جودة نظام المراقبة تعاني من نقاط ضعف عديدة تتعلق بعدد هذه المحطات، ومواقع وضعها غير الملائمة، وطرق احتساب قراءاتها غير الدقيقة.
إن المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، المسؤولة عن تشغيل وصيانة محطات قياس المياه السطحية والينابيع، تقوم حاليا بقياس 9 ينابيع كبيرة فقط من أصل 5050 نبعا، متفاوت الكبر والغزارة، في مختلف المناطق على امتداد الأراضي اللبنانية كله. والمعلومات التي تجمعها لا تتمتع بثقة كبيرة، نظرا للثغرات في مواضع هذه المحطات، ومنهجية القياس ومواقيته، حيث يتوقف القياس في فصل الشتاء والأمطار.
إن عدم وجود قياس تسجيل مستمر، وانحصار المعلومات في إطار ضيق من الدراسات والتقارير المحدودة، يشير إلى غياب سياسة واستراتيجية وطنية للمراقبة المستمرة للموارد المائية السطحية والينابيع. في أكثر الدراسات اتساعا نرى أن ما لا يزيد عن 550 نبعا فقط تمت مراقبتها وقياسها.
من هذا الواقع، يمكننا الإستنتاج بأن قاعدة المعلومات المتوافرة عن قياسات الينابيع والمياه السطحية (الأنهار) في لبنان ضعيفة ومحدودة جدا. إن النقص الكبير في المعلومات المتاحة يشكل القصور الأكثر أهمية في فهم ميزان التقديرات الحقيقية، المرتكزة على الأحواض المائية.
من جهة أخرى، هناك غياب كبير أيضا لرصد وقياس الآبار الأرتوازية في لبنان. منها ما هو ملك للدولة اللبنانية وعددها حوالي 841 بئرا، في حين أن عدد الآبار الخاصة يصل إلى أكثر من 80 ألف بئر، ثلثها فقط (حوالي 20 ألف بئر) مرخص من وزارة الطاقة والمياه، في حين أن ثلثيها غير مرخص (60 ألف بئر)، وليس هناك أية معلومات دقيقة عنها في أي من مؤسسات سلطة المياه في لبنان.
إن هذا الواقع السائب يؤدي إلى ضعف كبير في قاعدة المعلومات المائية عند كل المعنيين بالمياه، وفي مقدمتهم وزارة الطاقة والمياه، ومصالح المياه في المناطق، والمصلحة الوطنية لنهر الليطاني.
تشير هذه التقارير، التي تتمتع بالمصداقية العلمية، ولا سيما تقرير 1970 والتقرير الأخير للعام 2014، إلى أن أحواض المياه الجوفية في لبنان المنتجة يقارب عددها 44 حوضا، منها 28 حوضا منتجا في المنطقة المتوسطية، الواقعة على الجهة الغربية لقمم سلسلة جبال لبنان الغربية وجبال الباروك ونيحا، و16 حوضا منتجا في المنطقة الداخلية أي الواقعة شرق هذه القمم.
إن الفقر بالمعلومات والنقص الفظيع بالبيانات تجعل من أي محاولة جادة لوضع استراتيجية دقيقة وعلمية لإدارة واستثمار الموارد المائية العذبة اللبنانية، السطحية منها والينابيع، وكذلك الأحواض المتجددة للمياه الجوفية، عملية صعبة ومحفوفة بمخاطر الأخطاء الاستراتيجية الكبرى، والضلال في تحديد الخيارات على المدى القصير والمتوسط والبعيد. وهذا ما هو حاصل بالفعل مع خيارات وسياسات واستراتيجية السدود الفاشلة، التي تعتمدها حكومات لبنان المتعاقبة.
هذا التقرير الجاد، والعديد من التقارير والدراسات الجادة الأخرى، ولا سيما منها تقرير العام 2014، تشير إلى أن كمية المياه السطحية المتبقية من المتساقطات المطرية والثلجية، بعد حذف كمية التبخر والخسارات المختلفة، تتراواح بين 2.1 و 3.8 مليار متر مكعب. وهذا يعني أن ما بين 4.11 و6.6 مليار متر مكعب يكون مصيرها إعادة تخزين وتغذية وتجديد المياه الجوفية، أي ما يساوي 55 بالمئة من جملة المتساقطات.
تقدر هذه التقارير أن الميزان المائي للأحواض الجوفية يتراوح ما بين 2.1 و4.6 مليار متر كعب. وهذا ما يساوي ضعفين إلى ثلاثة أضعاف كمية المياه السطحية المتاحة.
إن هذه الأرقام تؤكد ما نذهب إليه من اعتبار هذه السياسة عبثية وغير مرتكزة على معطيات علمية دقيقة عن ثروة لبنان المائية. سياسة واستراتيجية تجميع وتخزين المياه السطحية في سدود عالية الكلفة المالية والبيئية، وضعيفة القدرة على التخزين وحفظ المياه من التبخر والتسرب، نظرا للطبيعة الجيولوجية لصخور وأرض لبنان، لناحية نفاذيتها وتشققاتها وقدرتها الكبيرة على اختزان المياه الجوفية، وضعف قدرتها على حفظ المياه المخزنة على سطحها في سدود. ومن جهة أخرى لناحية الميزات الزلزالية، ولا سيما في موقع سد بسري عالي المخاطر، نظرا لوقوعه على تقاطع فالقين زلزاليين نشيطين ومتحركين.
نحن نعتقد أن سياسة الحكومات اللبنانية حيال إدارة واستثمار الثروة المائية ترتكز على الإندفاع غير المبرر علميا نحو خيار “شعبوي” من جهة، وعالي الكلفة، بحيث يترافق مع هدر كبير يتناسب مع مصالح فئات نافذة في السلطة السياسية، المتمثل بخيار السدود، التي أثبت فشله مع السدود، التي نفذت حتى الآن.
إن هذه السياسة يجب أن تخضع لنقاش وطني واسع، لاعتماد استراتيجية رصد ومتابعة القياسات المائية، للموارد السطحية والينابيع والأحواض والمسارات الجوفية، وبناء قاعدة معلومات كاملة وشاملة وموثوقة، ستؤدي حتما إلى إرساء استراتيجية مختلفة، يكون قوامها ترشيد استخدامات المياه العذبة، وصيانة الشبكات وتحديثها لمنع الهدر الكبير، الذي يتجاوز الـ 30 بالمئة كمعدل وطني عام. ومن جهة أخرى مراقبة استثمار الآبار الأرتوازية وتنظيم الضخ من الأحواض الجوفية بما يتناسب مع قدرتها على تجديد كمياتها سنويا، ولا سيما في منطقة الساحل اللبناني المكتظ بالسكان، وتوفير تغطية العجز من مصادر جوفية غنية بالمياه موجودة في مناطق أخرى. وهذا يعني بدل هدر مئات ملايين الدولارات، بل الميارات على مشاريع السدود غير المجدية، أن يتم اعتماد استراتيجة استثمار ذكي ومنظم، ومرتكز على قاعدة معلومات دقيقة وموثوقة للثروة المائية الجوفية المتجددة، وتوزيعها عبر شبكة من الأنابيب الناقلة من مناطق الغنى المائي إلى مناطق العجز والفقر المائي الجوفي. إن الموازنات المطلوبة لتحقيق هذه الاستراتيجية ستكون أقل بما لا يقاس من موازنات السدود، وأكثر جدوى وفعالية منها.