لا نعرف إلى الآن ما هي المعايير التي استندت إليها وزارة البيئة لتمديد موسم الصيد، وما الذي استجد لإعادة أنواع من الطرائد على القائمة المسموح صيدها، بالرغم من أن قرار الحظر جاء بالاستناد إلى آراء ودراسات ميدانية وعلمية لخبراء مشهود لهم بالمصداقية، وهم من ذوي الكفاءة العلمية ليس في لبنان فحسب، وإنما على مستوى الشرق الأوسط والعالم.
ومن ثم لم تبين وزارة البيئة ولا “المجلس الأعلى للصيد البري” ما هي الاعتبارات التي دفعتهما إلى رفع الحظر عن صيد طيور “الترغل” وعصفور “التيان”، فضلا عن أنه لإعادة إدراج نوع على القائمة المسموح صيدها، يتطلب سنوات عدة من الدراسة والمتابعة للتيقن من أن هذا النوع تخطى مرحلة التهديد والخطر.
مافيات تجار الأسلحة
هل ثمة من صادر وزارة البيئة ومعها المجلس الأعلى للصيد البري؟
يبقى هذا السؤال مشروعا ومشرعا على الكثير من الأسئلة أيضا، فقرارات الوزارة والمجلس بدت وكأنها صادرة عن نقابة تجار أسلحة الصيد، لا عن هيئتين مسؤولتين منوط بهما حماية التنوع الحيوي في حدود تؤمن ديمومة هذا التنوع، ومن ثم هل هناك موجب لتمديد موسم الصيد لنحو شهرين إضافيين، أي نحو 60 يوما؟ ومتى تتكاثر الطيور؟ وكيف نؤمن استعادة الطيور شبه المنقرضة، ومن بينها “الترغل”؟
لا نملك حتى اللحظة إجابات واضحة ومحددة، بانتظار أن تسهب وزارة البيئة في شرح الحيثيات التي استند إليها “المجلس الأعلى للصيد البري”، خصوصا وأن الأخير غدا منذ زمن بعيد وكأنه خاضع في حدود معينة لمافيات تجار الأسلحة، باستثناء عدد قليل من أعضائه ممن يعتبرون أن المجلس يمثل إطارا لتصويب الأمور وعقلنتها، فإذا به يضرب عرض الحائط بما خلصوا إليه من نتائج أفضت إلى تبنيهم قائمة بالطيور المسموح صيدها وبأعداها بالنسبة لكل صياد.
بيان مشترك
في هذا السياق، جاء الرد سريعا من قبل بعض الجمعياتالبيئية، من خلال بيان مشترك فندت فيه ما اعتور قرار الوزارة والمجلس من مغالطات، رأت فيه أن “قرارات المجلس الأعلى للصيدالبري بالنسبة لموسم الصيد وتحديد الطرائد، تعيد لبنان عشرين سنةالى الوراء، بدل التقدم باتجاه تطبيق الصيد المسؤول، وحسن انفاذقانون الصيد البري رقم 580 الصادر عام 2004″.
وقال البيان:: “تبين وفق المعطيات المتداولة ان المجلس قد وافقعلى قرار فتح موسم الصيد 2018- 2019 بدءا من منتصف آبولغاية أواخر شهر شباط 2019، أي بزيادة 60 يوما عن موسمالصيد 2017- 2018 الذي بدأ في منتصف أيلول وانتهى في أواخركانون الثاني. كما ان المجلس، وفي سابقة خطيرة، عدل في لائحةالطرائد والثديات المسموح صيدها ليضم اليها طائر الترغل المهددبالانقراض، وطائر التيان الذي يفيد المزارع لما يأكله من حشرات، مايفتح المجال واسعا أمام ابادة جميع الطيور الصغيرة المغردة، والتيتعاني في الأساس من الصيد الجائر وغير القانوني على مدارالعام“.
وأضاف: “وبدل ان تأخذ وزارة البيئة العبرة من نتائج فتح أولموسم للصيد، والبحث في الأسباب التي أدت إلى تراخي الضابطةالعدلية في انفاذ القانون على أوسع نطاق ومراقبة أعداد الطيورالمصطادة وأنواعها وقمع آلاف المخالفات للقانون عبر الصيد اثناءالليل واستخدام الدبق واجهزة المناداة والانوار والشباك والدخان، وقتلآلاف الانواع من الطيور المقيمة والمهاجرة، ها هي من جديد ترضخلمطامع ورغبات تجار الخرطوش وأسلحة الصيد بتحقيق المزيد منالأرباح والاستمرار في تشريع إبادة الطيور عبر استهلاك ما يقاربأربعين مليون طلقة صيد تؤدي إلى قتل ما يزيد عن 2.6 مليون طائرسنويا. ناهيك عن ضعف وارتباك أجهزة الوزارة المعنية في اصداررخص الصيد ضمن المهل المحددة، ما أدى إلى تقدم 16 ألف صيادمن أصل عشرات الآلاف للحصول على رخص الصيد القانونية التيتجيز الصيد ضمن الموسم وبحسب الأصول المرعية الاجراء“.
توجيهات رئيس الجمهورية
ونبهت الجمعيات إلى ان “القرارات المتخذة من قبل المجلسالأعلى للصيد البري ستلحق ضررا كبيرا بالطيور التي تبكر أو تتأخربالتكاثر. فشهر شباط على السواحل في لبنان يوازي شهر نيسانفي الجبال، وبالتالي تكاثر الطيور يبدأ في هذا الشهر في المناطقالدافئة نسبيا. وأيضا شهر آب يعتبر من ضمن موسم التكاثروخصوصا للطيور التي تبيض مرتين في لبنان مثل طيور الترغلوغيرهها“.
وأعلنت تبنيها لـ “الرأي العلمي الصادر عن خبير الطيورالبروفسور غسان جرادي، والموجهة إلى جمعية حماية الطبيعة فيلبنان“، داعية المجلس إلى “التراجع عن القرارات التي اتخذها،وتثبيت موسم الصيد ضمن المهلة المحددة سابقا، والتي تستند إلىالرأي العلمي لخبراء الثديات والطيور، وليس إلى مطامع أصحابالمصالح بجني الأرباح على حساب لبنان وطبيعته وسكانه“. كما دعتالى “تعديل لائحة الطرائد المسموح صيدها عبر تقليصها وحذف طائرالترغل والتيان والصلنج والحجل من هذه اللائحة، كما انه منالضروري ان يستند تحديد أعداد الطرائد المسموح صيدها في كلرحلة صيد إلى معطيات علمية تحدد تكاثرها وعلاقتها بباقي عناصرالنظام البيئية وسلسلته الغذائية، وهو ما نعتقد انه غير متوافر، لذلكيجدر تحديد اعداد الطرائد وفق مواقع نشاطها والمعطيات المتاحة،وان لا يترك صيد أي طريدة بدون تحديد الكمية كما هو حال الخنزيرالبري حاليا، لأن هذا الإجراء غير سليم“.
وختمت بدعوة المجلس إلى “ان يلتزم بتوجهات رئيس الجمهوريةالعماد ميشال عون الذي دعا إلى اعلان معاهدة سلام بين الانسانوالطبيعة، وإلى المحافظة على الطيور المقيمة والمهاجرة، والذي لاقىترحيبا اقليميا ودوليا غير مسبوق“.
الجمعيات الموقعة على البيان
أما الجمعيات التي وقعت على البيان، فهي: جمعية حمايةالطبيعة في لبنان – بيردلايف لبنان، التحالف اللبناني للمحافظة علىالطيور، التجمع اللبناني لحماية البيئة، الحركة البيئية اللبنانية، جمعيةالثروة الحرجية والتنمية، الجنوبيون الخضر، جمعية طيور لبنان،ومركز الشرق الأوسط للصيد المستدام.
محاربة الفساد
في هذا السياق، وبالاستناد إلى دعوة رئيس الجمهورية المواطنين لمساعدة ومؤازرة الدولة في محاربة الفساد، نضع كل هذه الملاحظات في عهدته، لتكون له الكلمة الفصل، وأن يبني تصورا بالاستناد إلى تصورات الخبراء في مجال الطيور البرية.
أما إذا أصبح القرار نافذا، فهذا يعني أن وزارة البيئة هي من نعت الصيد المستدام، وأعادت تكريس الفوضى وتزيينها بقرارات لصالح حلقة كبيرة من المستفيدين!