رغم الأضرار الكبيرة والتخريب المستمر، يبقى لبنان غنيا بتنوع بيئته ساحلا وجبلا، يزخر بثراء طبيعته، ما يضاعف مسؤولية الدولة حيال التحديات التي تهدد هذا التنوع وهذا الثراء، وإن كنا نعلم أن هذا الأمر لم يرقَ ليصبح في سلم أولويات الحكومة المقبلة، وأن الحال سيظل على ما هو عليه إلى أن يقتنع المسؤولون أن البيئة هي ملاذنا الأخير، وأن لبنان غني ليس بنفطه المكتشف، وإنما بديمومة الحياة، فهي الأبقى بتجددها، وغير قابلة للنضوب إذا أحسنا رعايتها وحمايتها.
هذا ما يتأكد من خلال مبادرات فردية، كان من المفترض أن تكون الدولة من أطلقها في مسار ثابت وعام، وضمن استراتيجية تنموية تشمل كافة المناطق، عنوانها تعميم السياحة البيئية كنمط حياة بدأ يعم دول العالم، حتى أن دولا “فقيرة” من حيث التنوع البيولوجي، تمكنت من أن تحجز لها مكانا على قائمة السياحة المستدامة، كالإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين، وبتنا نشهد فيها سياحة رصد الطيور المهاجرة وسياحة المحميات الطبيعية الصحراوية والشاطئية.
ثروات البحر
ما يثير الاهتمام في هذه الفترة من كل عام، حركة السلاحف على الشواطىء الرملية في مناطق لبنانية عدة، فهذا موسم تكاثرها، ما يؤكد كم يختزن بحرنا من ثروات، لا بد من حمايتها بما يؤمن استمرارها وديمومة حياتها، خصوصا وأن الشواطىء بدأت تضيق لصالح مجمعات خرسانية لا تراعي الأثر البيئي والسياحة البيئية إلا في ما ندر .
وهنا تلح بعض الأسئلة، فإن خسرنا ما بقي من هذه الشواطىء، فأية سياحة نسوق؟ وكيف نواجه “ثقافة الاستثمار” دون فسحات طبيعية؟ وماذا عن الضرر الناجم عن فقدان الكثير من الأنواع ومن بينها سلاحف البحر وهي تمثل حلقة أساس في التوازن الإيكولوجي؟
البيئة استشراف ومسؤولية
قبل ثمانية عشر عاما، أطلقت الناشطة البيئية منى خليل مشروع المنصوري في قضاء صور لحماية سلاحف البحر، وأسست “البيت البرتقالي” Orange House ليكون مدى حيويا لهذه الكائنات الرائعة، لتؤكد اليوم أن البيئة استشراف ومسؤولية،
احتفالية
وتتوالى الاحتفاليات بإطلاق صغار السلاحف، منذ مطلع الشهر الحالي إلا أن إحتفالية أمس كان لها وقع مختلف على قلوب جميع من حضر، ومن تابع عبر وسائل التواصل الإجتماعي ، فالحضور لم يقتصر ناشطي البيت البرتقالي والحمى وزواره والمهتمين في مجال البيئة، بل ضم حشد من أهالي المنصوري ومواطنين مع أطفالهم، حضروا من مختلف المناطق اللبنانية وفرق من كشافة الرسالة، الى جانب اعلاميين وصحافيين ومصورين حضروا لتوثيق الحدث ، كما لم تقتصر عملية الإطلاق على نوع واحد من السلاحف البحرية، بل شملت حوالي ال 100 سلحفاة من النوعين الذين يعيشان في لبنان ( السلحفاة ذات الرأس الكبير – والسلحفاة الخضراء) فبحسب السيدة منى خليل ل greenarea.info” إن هذا الحشد الذي تجاوز ال 250 شخص هو مصدر سعادة لها “ثم قالت:” أكثر ما سر قلبي اليوم وجود أهالي المنصوري بيننا لأنه شاطئهم وعليهم المحافظة عليه وحمايته، وعن حضور الأطفال أضافت هم امتدادنا ،وهم جيل المستقبل الذي يهمنا ان نعمل على تثقيفه وتعريفه على عالم السلاحف، وكيفية حمايتهم وحماية الشواطئ.
خليل: إحترام الطبيعة
كما وجهت خليل رسالة الى كل اللبنانيين مواطنين ومسؤولين للمحافظة على البحر والشواطئ اللبنانية وحماية الكائنات البحرية، وعلى وجه الخصوص السلاحف المهددة بالإنقراض عالميا .
وشددت خليل على ضرورة احترام الطبيعة الأم، لتفيض علينا بخيراتها، وذكرت خليل بأنها حمت الشاطئ منذ 18 عاما واليوم على الجميع البدء بتحمل المسؤولية، ومتابعة ما بدأت به، ثم ختمت:” بأن صغار السلاحف التي أطلقت اليوم، سوف تعود الى الشاطئ بعد 25 عاما على الأقل أي بعد سن البلوغ لتضع بيوضها في المكان الذي إنطلقت منه، في مسار دورة حياة قد بدأتها هذه الكائنات قبل ملايين السنين، وعليه إن الاهتمام بهذا المكان ومراعاته ،هو الضمان لعودة هذه الكائنات ولديمومتها، وبالتالي هو ضمانة لبقاء لبنان على الخارطة العالمية للسلاحف البحرية “.