تتمتع البيئة العالمية، بالكثير من الظواهر التي لا تشكّل جمالية مطلقة فقط، بل لها العديد من الفوائد من ناحية التنوع البيولوجي والتنمية المستدامة. لذلك تجهد المنظمات المعنيّة أولاً إلى تحديد مواقع هذه الظواهر، وثانياً إلى المحافظة عليها بشتى الوسائل.
ومن هذه الظواهر التي تجهد منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو)، إلى حمايتها من خلال إدراجها على القائمة، الحدائق الجيولوجية العالمية وهي مواقع للتراث الجيولوجي، في مناطق جغرافية محدّدة، يتم فحصها ودراستها من قبل المتخصصين، وتحظى بالحماية. كذلك يستفاد منها في التعليم والتنمية المستدامة.
تعزيز التنوع البيولوجي
تمتاز الحدائق الجيولوجية بفوائدها البيئية، فهي مناطق تعزز التنوّع الجيولوجي، من خلال المبادرات التي تقودها المجتمعات المحلية للإرتقاء بالتنمية المستدامة الإقليمية، ولاسيما من خلال السياحة المستدامة. كما تساهم هذه الحدائق في أنشطة الرصد والتوعية، فيما يخص تغير المناخ والكوارث الطبيعية، ويساعد عدد كبير منها المجتمعات المحلية، في إعداد إستراتيجيات التخفيف من حدة الكوارث.
في الجهة المقابلة، تتيح هذه الحدائق الفرصة للمواقع المعينة، وسكانها المحليين لتسليط الضوء على تراثهم الجيولوجي والبشري، وتعزيز أنشطة التوعية بهذا التراث. كما تتيح لهم الفرصة لتبادل الخبرات والممارسات الجيدة مع المواقع الأخرى، في إطار شبكة الحدائق الجيولوجية العالمية.
محمية الصحراء البيضاء
تتوزع أماكن الحدائق الجيولوجية، وتنتشر في دول العالم، و للمنطقة العربية أيضاً حصّة منها. فقد إختار أعضاء المكتب الإقليمي لليونيسكو، الخاص بالدول العربية، بإجماع الآراء، محمية الصحراء البيضاء في محافظة الوادي الجديد المصرية، لتكون أول حديقة جيولوجية مصرية في القائمة الدولية.
والصحراء البيضاء هي محمية طبيعية، بموجب قرار صادر عن مجلس الوزراء المصري في عام 2002، وتبلغ مساحة المنطقة المحمية فيها حوالي 3010 كيلومترات مربعة، فيما تبلغ مساحتها الإجمالية نحو 6 آلاف كيلومتر مربع. وتقع في الجزء الشمالي الغربي من منخفض الطباشير في واحة الفرافرة، التي تقع على بعد 570 كيلومتراً جنوب غربي القاهرة.
وقد تم إختيار هذه المحمية، نظراً إلى الظواهر البيئيّة المتنوعة التي تحتويها، فمن أبرز ما تتضمنه هو احتواؤها على مجموعة من الكثبان الرملية، والوديان التي تضم غطاء نباتي يحتوي، على معظم الأحياء البريّة التي تعيش في المنطقة، كما تحتوي على آثار وأدوات ترجع إلى عصر ما قبل التاريخ، ويوجد فيها بقايا من مقابر وكهوف نادرة ومومياوات قديمة.
مناطق عربية أخرى
تتضمن المناطق العربية، الكثير من الظواهر المماثلة، التي يمكن أن تصنّف تحت تسمية “الحدائق الجيولوجية”،وهذا ما تسعى إليه اليونيسكو. فمنذ العام 2001 تعمل على مساعدة الدول على إنشاء متنزّهات جيولوجية عالمية، تلبيةً لحاجة الدول إلى حفظ قيمة التكوينات الجيولوجية، ذات الأهمية العالمية التي تدّل على التطور التاريخي للأرض. وتتضمن المتنزّهات الجيولوجية العالمية التابعة لـ “يونيسكو” 127 موقعاً، موزعة في 35 بلداً في أوروبا والصين.
في الجهة المقابلة، يعمل مكتب «يونيسكو» الإقليمي للعلوم في الدول العربية في القاهرة، على إيجاد بيئة حاضنة لإدراج الإرث الجيولوجي وقيمته، ضمن جدول أعمال الجهات المختصة وخطط العمل الوطنية، إضافة الى تعزيز قدرات الدول العربية على إنشاء متنزّهات جيولوجية في المنطقة.
ومن هذه المناطق على سبيل المثال، الحارات البركانية في المملكة العربية السعودية، وادي دجلة والغابات المتحجرة ، ووادي موجب ووادي الرام في الأردن، فضلاً عن المتنزّه الجيولوجي العالمي “مغون”، في المغرب وهو الأول والوحيد في المنطقة العربية.
لا تزال الظواهر الطبيعيّة، تشكّل الحل الأمثل لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، والحفاظ على التنوّع البيولوجي. لذلك يبقى الأمل في إستمرارية عمل هذه المنظمات، لتحديد وإكتشاف أكبر عدد ممكن من هذه المحميات بهدف المحافظة عليها.