لما كان مشروع قانون الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة يدَّعي لنفسه أنه تطبيق لقانون حماية البيئة رقم 444 للعام 2002، كان من الأحرى بوزراء البيئة، الذين تعاقبوا على هذه الحقيبة منذ ذلك التاريخ، أي منذ 16 عاما بالتمام والكمال، أن يجهدوا على وضع المراسيم التطبيقية لهذا القانون الهام، التي تبلغ حوالي 72 مرسوما. قانون حماية البيئة هذا لو قدر له أن يأخذ طريقه إلى التطبيق الفعلي لكنا أمام وضع بيئي أقل تدهورا وخرابا، وأخف تلويثا في كل الأوساط مما نعانيه اليوم من حالة كارثية.
يعود تاريخ وضع المسودة الأولى لمشروع قانون إدارة النفايات إلى أواخر العام 2003 وبدايات 2004، حيث تباطأت كل الحكومات المتتالية في إحالته إلى مجلس النواب. وعندما وصل إلى هناك، أخذت اللجان النيابية وقتها ببطء شديد لبحثه ومناقشته، حيث كان يقبع لشهور وسنوات ضائعا في ملفات المجلس النيابي، ليعود للظهور والتدوال عندما تدعو الحاجة إلى السيطرة على ما شهدته إدارة النفايات في لبنان من أزمات متلاحقة، وصولا إلى احتلالها الأخبار الأولى في كبريات وسائل الإعلام العالمية، عدى عن العربية والوطنية.
وهناك في اللجان النيابية، والحق يقال، خضع لعدد كبير من التعديلات الجوهرية، التي أودت به إلى الصيغة الأخيرة، التي أقرت دون نقاش في جلسة اللجان النيابية المشتركة منذ أيام، وهي صيغة لا يزال لنا عليها الكثير من الملاحظات الجوهرية، المتعلقة بالشكل، وبدقة المصطلحات العلمية المستعملة، وبالمضمون لناحية سياسة الإدارة التي يتبناها مشروع القانون ويدفع الأمور دفعا نحوها، ألا وهي اعتماد المحارق كخيار مركزي لإدارة النفايات.
نحن نسجل إيجابية عامة على الخطاب السياسي البيئي الرسمي حيال ملف النفايات، بما فيها ما هو وارد في صيغة مشروع القانون، وكذلك في عدد من محاولات وزارة البيئة مؤخرا لوضع استراتيجية لإدارة للنفايات الصلبة في لبنان، وهي التسليم، أخيرا وبعد انتظار طويل، بضرورة اعتماد الرؤية المتكاملة لإدارة النفايات. وهذا ما كان يدعو إليه البيئيون في كل مراحل نشاطهم، وكنا ندعو إليه دائما منذ عقود من العمل البيئي في مجال السياسات البيئية والعمل الاجتماعي المدني والأهلي، ولا نزال.
ولكن مع الأسف الشديد، نرى أن استخدام مصطلح “الإدارة المتكاملة” بقي ملامسا للشكل، ولم يتوغل في رؤية الإدارة المتكاملة السليمة بيئيا والآمنة صحيا ومعقولة الكلفة، والمرتبطة بمفاهيم التنمية المستدامة والآثار الاقتصادية والاجتماعية الإيجابية، لناحية تطوير المجتمعات المحلية وتوفير فرص العمل، والتي ترى في النفايات موارد ذات قيمة، علينا اختيار الطرق والمسارات الإدارية المؤدية إلى استرداد فعال، نوعيا وكميا، لقيمة هذه الموارد. وليس إخضاع مسارات الإدارة إلى ضرورات تحضير مكونات النفايات لغاية حرقها. وهنا تكون المحارق غاية هذه السياسة ومرادها، وتكون كل التفاصيل الأخرى خدمة لها وتحضيرا للوصول إليها.
نقدم ملاحظاتنا المتعلقة بالشكل وبدقة استخدام المصطلحات، وكذلك تلك المتعلقة بالمضمون كخيارات لسياسة الإدارة المتكاملة ومناقشة أهدافها ومضامينها والدلالة على تعارضها مع مستلزمات التنمية المستدامة والحماية البيئية والصحية والحفاظ على المال العام.
في المادة الأولى المتعلقة بالتعريفات، نسجل الملاحظات الجدية التالية:
– النفايات الصلبة: غريب كيف يمكن أن تكون النفايات الغازية أو السائلة نفايات صلبة؟ وغريب أن يتضمن تعريف النفايات الصلبة تلك السائلة والغازية. وبعد ذلك، أن يستدرك واضع النص ويستثني الانبعاثات الغازية في الجو والمياه المبتذلة. نحن نوافقه استثناء النفايات المشعة من هذا التعريف، نظرا لكونها تخضع إلى إدارة منفصلة ومستقلة ومختلفة تماما. ولا نرى ضرورة لشمل النفايات السائلة والغازية في التعريف وبعد ذلك أن تستثنى منه. فالنفايات الصلبة من حيث تعريفها لا تشمل بالأساس الإنبعاثات الغازية والتدفقات السائلة.
– النفايات غير المنزلية: يتضمن التعريف في آخره العصارة الناتجة عن إدارة النفايات الصلبة. فالعصارة هي ناتجة عن النفايات الصلبة المنزلية. وهي تتولد حتما، إن هذه النفايات خضعت لإدارة ما، أي عمليات معالجة ما، أم لم تخضع. وهي ليست وليدة عمليات المعالجة بل ناتجة عن وجود مكونات عضوية في النفايات الصلبة المنزلية، تصل في لبنان إلى نسبة حوالي 55 – 60 بالمئة، وهي تحتوي على أكثر من 60 بالمئة ماء. وبالتالي من الأسلم منهجيا أن تنضوي العصارة تحت تعريف النفايات الصلبة المنزلية وليس غير المنزلية.
– النفايات الخطرة: يستند تعريف النفايات الخطرة في مشروع القانون هذا إلى القانون 387 الصادر في 4 كانون الأول 1994، وهو القانون الذي أجاز للحكومة إبرام اتفاقية بازل. وهو في الواقع لا يحتوي على لوائح تصنف النفايات، الخطرة منها وغير الخطرة، بل يتضمن النص الكامل لاتفاقية بازل وملاحقها كما كانت عليه في العام 1994. ولقد عرفت اتفاقية بازل منذ ذلك التاريخ عددا كبيرا من التعديلات طاولت لوائح النفايات المصنفة خطرة وغير خطرة، والكثير من أنظمتها والتزاماتها. من المفيد أن يتم وضع لائحة وطنية بالنفايات الخطرة تستند إلى خصائص وميزات الخطورة، التي تعتمدها اتفاقية بازل، ويتم تحديث هذه اللائحة كلما دعت الحاجة، لكي تتلاءم مع التعديلات والتدقيقات، التي تجرى دوريا على اتفاقية بازل. وذلك لكي يكون واضحا للبنانيين لائحة النفايات، التي تصنف خطرة وفق التشريعات والقوانين اللبنانية.
– النفايات الخامدة أو “العوادم” Inert materials: أولا، فيما تسمونه، وتسميه العامة “عوادم”، نحن لا نوافق على هذا المصطلح نظرا لعدم دقته، ونفضل تسميتها بـ”المتبقيات”، وذلك باعتبارها متبقيات عمليات فرز النفايات وتدويرها ومعالجتها وتصنيعها، وهي ليست بالضرورة موادا خامدة أو خاملة. وثانيا، يتضمن هذا التعريف مغالطات علمية فظة، حيث يقول: “كذلك تعتبر من النفايات الخامدة الجزيئات الناعمة للرماد الذي لا يصنف رماد متطاير”. هذا القول غير صحيح علميا، فالجزيئات الناعمة لا تصنف أبدا نفايات خامدة لأنها جزيئات ناعمة، بل بالعكس، من المعروف لدى أصحاب العلم أنه كلما صغر حجم الجزيئات، كلما زادت تفاعليتها ونشاطها الكيميائي، وبالتالي نشاطها السمي، وكذلك كلما سهل دخولها إلى عمق الجهاز التنفسي، واجتيازها للحواجز في الأجزاء العليا من الجهاز التنفسي لتبلغ الرئتين والحويصلات الرئوية، وهذا بالتأكيد ما يزيد من خطورتها على الصحة العامة. من المعروف أن بعض الجزيئات الصغيرة ومتناهية الصغر تسبب أمراضا سرطانية في الرئتين بغض النظر عن نشاطها الكيميائي (مثل ألياف الأزبستوس)، بل نظرا لخصائصها وميزاتها الفيزيائية، وحجمها على رأس هذه الميزات. ويتابع كاتب النص مغالطاته لبديهيات علمي الكيمياء والفيزياء وعلم السموم الكيميائي وعلم التلوث الصناعي حين يقول في تعريف المواد الخامدة أن “الجزيئات الناعمة للمعادن التي يمكن أن تمر من خلال منخل (مصفاة) صغير الحجم تصنف أيضا نفايات خامدة. هذا غير صحيح علميا على الإطلاق، والصحيح أن صغر حجم القطع المعدنية يزيد من تفاعليتها، وذلك بكل بساطة لأن صغر حجمها يزيد من مساحتها السطحية التفاعلية. والكثير من المعادن الثقيلة يتمتع بميزات سمية عالية على البيئة والصحة البشرية. ومن المعروف أيضا، أنه كلما صغر حجم الجزيئات المعدنية كلما زادت مخاطرها على البيئة والصحة العامة.
يبدو أن واضعي النص يقصدون تهريب بعض الانطباعات عبر تعريفات هذه المصطلحات، لإيصال معلومات خاطئة تهدف إلى تبرئة مخلفات المحارق من المخاطر الحقيقية التي تمثلها على البيئة وخصوصا على الصحة البشرية، عبر محاولة تهريب الإنطباع على أنها “خامدة”، وبالتالي لا تشكل أي خطر على سلامة البيئة وأمان الصحة العامة. وهذا طبعا استهتار بعقول اللبنانيين وسلامة حسهم ومعارفهم العلمية. ومن جهة أخرى، يصبح أكثر وضوحا أن همَّ التخفيف قدر الإمكان من مخاطر المحارق، التي يحلو لهم تسميتها بـ”التفكك الحراري”، يرافق كتبة النص منذ المادة الأولى وتعريفات المصطلحات لمشروع القانون هذا.
- الرماد المتطاير Fly Ash: في هذا التعريف يجري محاولة تهريب الإنطباع بأنها مواد تحتوي على “نسبة معينة” من المعادن الثقيلة والمواد السامة بقصد الإيحاء أنها نسبة ضئيلة. والحقيقة أنها تحتوي على نسبة عالية جدا من المعادن الثقيلة والمواد السامة، وهي مكونة من جزيئات متناهية الصغر، وبالتالي عالية الخطورة على البيئة والصحة البشرية، وهي مصنفة عالميا نفاية خطرة، وينبغي التعامل معها على هذا الأساس.
- الحمأة Slag: وهنا أيضا نلاحظ محاولة زج معلومات غير صحيحة بهدف تكريس الإنطباع الخاطيء أن ما ينتج عن المحارق هي مواد غير مضرة، بل ربما يتهيئون للقول أنها نافعة! وهذه بالطبع محاولات بائسة مقصودة لتضليل الرأي العام. حيث يتم زج عبارة “وهي مواد غير مضرة” في متن تعريف المواد التي تنتج عن حرق النفايات في المحارق، التي يستلذون بتسميتها “تفكك حراري”. والحقيقة أن “عبارة مواد غير مضرة” غير صحيحة علميا على الإطلاق، بل بالعكس، هي مواد مضرة جدا وتحتوي على معادن ثقيلة سامة وترسبات لمواد كيميائية عالية السمية.
- إدارة النفايات الصلبة: نلاحظ دائما عدم الدقة باستعمال المصطلحات وشرح العمليات، التي تسمى مجتمعة “إدارة النفايات الصلبة”. ويظهر عدم الدقة مع عبارة “والتخلص من النفايات الصلبة”، بدل التخلص من متبقيات عمليات الفرز والتدوير والمعالجة والتصنيع.
- جمع النفايات: يعطي عنوان مشروع القانون انطباعا أنه يتعلق بـ”الإدارة المتكاملة” للنفايات الصلبة. والإدارة المتكاملة من حيث المبدأ تعني الترابط بين المراحل بحيث تخدم كل مرحلة المراحل التي تليها. ووفق هذا الفهم لقواعد الإدارة المتكاملة، ينبغي أن يكون نظام جمع النفايات ملائما لعمليات الفرز والتدوير والمعالجة التي ستليه، وأن لا يعتمد الشاحنات التي تضغط النفايات و”تخبصها” بعضها ببعض، وهذا ما يتعارض كليا مع أهداف عمليات الفرز والتدوير والمعالجة، التي تلي الجمع والنقل إلى مراكز الفرز والمعالجة.
- فرز النفايات: يكتفي التعريف بذكر فرز القسم “الممكن استرداده” من النفايات، في حين أنه يمكن القول بفرز القسم الممكن معالجته واسترداد قيمة الموارد التي تتكون منها النفايات.
- معالجة النفايات: يفضل تفصيل عمليات “التفكك البيولوجي” بحيث تشمل التسبيخ الهوائي للمكونات العضوية للنفايات و الهضم اللاهوائي، الذي يتولد عنه بيوغاز غني بالميثان يستعمل لإنتاج الطاقة. نلاحظ على مدى نص مشروع القانون تجاهل كامل لعملية الهضم اللاهوائي باعتبارها عملية متوافقة بيئيا لتحويل النفايات العضوية إلى بيوغاز لإنتاج الطاقة، كبديل استراتيجي عن حرق النفايات بغاية استخدام طاقتها الحرارية، المنخفضة أصلا في النفايات اللبنانية، لتوليد الطاقة.
- التدوير Recycling: هو يعرف ببساطة بعملية الاسترداد المادي للموارد التي تتكون منها النفايات.
- التسبيخ Composting: عملية “التحلل البيولوجي الجرثومي” وينبغي إضافة الهوائي، أي بواسطة جراثيم تعيش وتنشط في وسط غني بالهواء (بالأوكسجين).
- التفكك البيولوجي: مرة أخرى نلاحظ تعريفا ملتبسا، ربما يهدف إلى طمس خيار الهضم اللاهوئي المولد للبيوغاز الذي يستعمل لإنتاج الطاقة، كبديل استراتيجي مقبول بيئيا للمحارق المرفوضة بيئيا وصحيا. هذا التعريف الملتبس جرى وضعه لتبرير حرق المكونات العضوية بعد معالجتها أو تجفيفها. الأصح أن نقول التفكك اللاهوائي، لأن التفكك البيولوجي يشتمل على الإثنين معا، التفكك الهوائي أي التسبيخ، واللاهوائي المولد للبيوغاز. والهضم اللاهوائي هو عملية تفكك المواد العضوية بواسطة جراثيم تعيش وتنشط في وسط فقير جدا أو خال من الهواء (الأوكسجين)، حيث تذهب تفاعلات التفكك باتجاه تخليق البيوغاز الغني بالميثان، الذي نستعمله لاحقا لإنتاج الطاقة.
- التفكك الحراري: هذا المصطلح المحبب لدى دعاة المحارق، حيث يموِّهون أنفسهم خلفه هربا من السفور بتأييد المحارق والدعوة إلى اعتمادها، هذه التقنية الذاهبة إلى الزوال، نظرا لتأثيراتها الضارة الكبيرة على البيئة والصحة البشرية، والمترافقة بتعقيدات تقنية كبيرة بحثا عن التخفيف من هذه المضار والتقليل من آثارها القاتلة. هذا المصطلح من حيث دلالاته العلمية، هو عملية تفكيك المواد، وليس فقط النفايات، بالحرارة العالية، حيث نميز التقنيات التالية التي تسمى كلها “تفكك حراري”: الحرق الذي يتم في وسط غني بالأوكسجين. والبيروليز الذي يتم في وسط فقير و خال من الأوكسجين. والتغييز الذي يتم في وسط فقير إلى متوسط المحتوى من الأكسجين. والبلازما، وهي ليست عملية حرق ولا بيروليز ولا تغييز، بل تحويل المواد إلى حالة من الوجود الفيزيائي تسمى بلازما بتعريضها لدرجات حرارة عالية جدا بين 5000 إلى 10000 درجة مئوية. هذه التقنيات كلها مترافقة بمخاطر كبيرة على البيئة والصحة العامة، باعتبارها تولد ملوثات غازية وجزيئية عالية السمية، معروفة بتسببها للسرطانات والأمراض المزمنة الأخرى. ويتولد عنها أيضا رمادا متطايرا عالي السمية، يصنف نفاية خطرة ويتطلب إدارة معقدة للتخلص السليم بيئيا وصحيا منه.
- تحضير النفايات: إن العمليات التي يذكرها نص مشروع القانون تحت هذا العنوان هي في الحقيقة عمليات معالجة النفايات. إن تعريف مصطلح “تحضير النفايات” هو ملتبس أصلا، ويلجأ واضعو النص إلى استعماله للإيحاء بأن غاية إدارة النفايات هي حرقها، وبالتالي كل العمليات التي تسبق عملية الحرق هي عمليات تحضير لهذه العملية. وفق هذا الفهم تصبح عمليات معالجة النفايات العضوية وكل العمليات التي يرونها ضرورية مثل فرمها وتجفيفها تحضيرا لعملية الحرق، التي هي في نهاية المطاف غاية الإدارة التي يتبناها مشروع القانون هذا.
- التخلص من “عوادم” النفايات الصلبة: سبق وأشرنا إلى اعتبارنا مصطلح العوادم غير دقيق علميا. والأصح استعمال مصطلح “متبقيات” عمليات الفرز والتدوير والمعالجة والتصنيع.
- نفايات منتج ثانوي: هذا التعريف ملتبس أيضا، حيث أنه لا يميز بين مخلفات عمليات التسبيخ والهضم اللاهوائي، وهي متبقيات غير خطرة، وبين الرماد المتطاير ورماد القاع الذي يتولد عن المحارق (أو ما يتلذذون بتسميته تفكك حراري)، وهي متبقيات خطرة. إن هذا الجمع غير مبرر علميا، حيث يساوي بين المتبقيات الخطرة وغير الخطرة، ويطمس ضرورة التمييز في طرق التخلص النهائي منها. وهذا بالطبع خطأ منهجي كبير، نعتقد أنه مقصود من قبل واضعي نص مشروع القانون.
- الإدارات المحلية: يشتمل هذا التعريف على مصطلح “تنظيمات اللامركزية الإدارية”، وهذا المصطلح ليس له تعريف قانوني بعد.
- المادة 2: مبدأ الإدارة المتكاملة للنفايات المنزلية الصلبة: هنا أيضا نلاحظ تجاهل الهضم اللاهوائي باعتباره تقنية مقبولة بيئيا لتحويل المكونات العضوية من النفايات المنزلية الصلبة اللبنانية إلى بيوغاز يستعمل لإنتاج الطاقة النظيفة نسبيا. هذه المكونات العضوية، التي تصل نسبتها إلى 55 – 60 بالمئة من مجمل النفايات الصلبة المنزلية هي من أعلى النسب في العالم على الإطلاق، وهي تحتوي على حوالي 60 بالمئة ماء. هذا المحتوى العالي من الماء يتوافق مع تقنيات الهضم اللاهوائي، ويتعارض كليا مع خيارات الحرق، وكل تقنيات ما يحلو للبعض تسميته “تفكك حراري”. نحن نعتقد أن هذا التجاهل على امتداد نص مشروع القانون، ومحاولة طمسه تحت مصطلح “استرداد الطاقة” يهدف إلى تجهيل هذا الخيار واستبعاده لصالح خيار الحرق وتعميم المحارق، الذي يشكل غاية مشروع القانون هذا ومبتغاه. إن نفايات لبنان المنزلية الصلبة هي فقيرة بالقيمة الحرارية، وهي لا تصل إلى الحد الأدنى الذي يسمح بالتفكير باعتماد الحرق كوسيلة لإنتاج الطاقة، حيث أن الميزان الطاقوي لنفايات لبنان، إذا ما احتسب بدقة وعلمية وموضوعية، هو ميزان سلبي، وفي أحسن الأحوال متعادلا. خاصة إذا ما حرصنا على الإسترداد المادي لموارد الورق والكرتون والبلاستيك الغنية بالقيمة الحرارية، وإذا احتسبنا كمية الطاقة الضرورية لتبخر كمية الماء الموجودة في النفايات اللبنانية وتجفيفها لتصبح قابلة للإشتعال من حيث المبدأ. إذا قمنا بهذه الحسابات بعلمية وموضوعية وواقعية، وليس بتضخيم مفتعل للأرقام وتوضيب القياسات لتتلاءم مع حاجة خيار الحرق، كما فعل مستشار الحكومة “رامبول” في دراسته المقدمة لمجلس الإنماء والإعمار، سوف نرى أن الحديث عن استرداد الطاقة أو الترويج والتطبيل لـ”من نفايات إلى طاقة” وإيهام الناس بترياق استرداد الطاقة من النفايات ما هو إلا أكذوبة فاقعة يسوقونها للناس على خلفية حرمان الشعب اللبناني المستمر من حقه بالتنعم بتيار كهربائي بعيدا عن الانقطاع والتقنين وتحكم المولدات الملوثة براحته وقوت عيشه. يقولون أنهم سيولدون الكهرباء من محارق النفايات، نقول لهم نعم سوف تولدون كهرباء عالية الثمن والكلفة المالية والبيئية والصحية والإجتماعية. هذه الطاقة التي ستولدونها ما هي إلا في الحقيقة والواقع ناتجة عن كميات الفيول الهائلة التي ستضطرون إلى إضافتها في غرفة الإحتراق، لتساعد على اشتعال نفاياتكم المخضبة بالمياه من جهة، ومن جهة أخرى لتأمين الإحتراق على درجات حرارة عالية تفوق الـ800 درجة مئوية، كشرط حد أدنى ضروري لعملية احتراق كامل، وإلا إذا كانت حرارة الاحتراق أقل من هذا المستوى تكون المحرقة “وجاقا” منتجا لكميات هائلة من الغازات والجزيئات الملوثة عالية السمية البيئية والبشرية ومسببة لأكثر الأمراض المزمنة خطرا على الصحة العامة. لهذا كله يجري طمس تقنية الهضم اللاهوائي واستبعادها وخلطها مع الحرق (التفكك الحراري) تحت مصطلح ملتبس واحد هو “استرداد الطاقة” على الرغم من الإختلاف النوعي بين التقنيتين.
- المادة 3: مباديء التخفيف وإعادة الاستعمال والتدوير: التخفيف من كميات النفايات المتولدة هو من أهم مراحل الإدارة المتكاملة للنفايات، ويتحقق عبر سياسات تحفيز وقيود مالية واقتصادية (ضرائب ورسوم) على إنتاج واستيراد بعض السلع، التي تولد نفايات بكميات كبيرة وصعبة التعامل معها. ومن جهة أخرى، عبر تشريعات لأنظمة استرجاع بعض المنتجات من قبل منتجيها أو مستورديها بعد انتهاء عمر استخدامها، وهذا لا يتحقق إلا عبر سياسات تضعها الحكومة. في كثير من المواقع في نص مشروع القانون يجري التعرض لمسألة التخفيف، وكأنها من مسؤولية البلديات والمجتمع الأهلي والمواطنين وهذا الفهم هو ملتبس وغير صحيح على الإطلاق، فالتخفيف يتحقق عبر سياسات ومراسيم وقرارات تؤخذ على مستوى الحكومة والوزارات المعنية والمجلس النيابي، ويكون دور منظمات المجتمع بكل أنواعها دورا مساندا ومساعدا على نشر الوعي وتعديل السلوكيات الاستهلاكية وتسهيل تطبيق تلك السياسات والمراسيم والقرارات. إن رمي هذه الكرة عند المجتمع المدني وإعفاء الحكومة والمجلس النيابي من مسؤولياتهما هو خطأ كبير ورمي للكرة في غير موضعها الصحيح.
- في الفقرة 2 من هذه المادة، يجري الحديث عن التخلص من المتبقيات بطريقة سليمة بيئيا، هنا نرى بدل هذا التعبير العام، لا بد من الوضوح التام والابتعاد عن اللبس حيث علينا اعتماد الطمر الصحي النظامي للمتبقيات غير الصالحة بعد التدوير والمعالجة.
إنه مشروع قانون المحارق بكل ما يعتريه من أخطاء وشوائب وفضائح وتضليل. إنه مشروع قانون يبدو أنه من صنع سماسرة المحارق ومروجيها. بئس التشريع البيئي في لبنان عندما ينحدر إلى هذا المستوى الوضيع الوضيع، والخطير الخطير….وأكثر الدلالات صلافة إقراره دون نقاش في جلسة للجان النيابية المشتركة…فلمن نرفع شكوانا؟