تحولَ البشر في سوريا، بفعلِ الحرب، الى سلعٍ تُباع وتُشرى، فانتشرت تجارة الأعضاء البشرية، وبيع الأطفال والنساء في أسواق الرقِ، وجُنِدَ الشبان كعبيد في جيوش الإرهاب، كما تقلصت مساحة الغابات في سوريا بشكل كارثي (أُحرقت عام 2012 نحو خمسة ملايين شجرة، في اللاذقية وحدها)، وتعرضت معظم مصادر المياه للتلوث، ومثلها أيضاً تلوثَ التُراب والهواء، لاسيما في المناطق التي سيطر عليها الإرهابيون، كما دُمرت بفعلِ الحرب المحميات الطبيعية ونُهب ما تبقى فيها من حيوانات هي في طور الإنقراض (الدب البني السوري)، في حين أُحرقت مئات آلاف الهكتارات من المزروعات الموسمية المروية (أقماح وأقطان وخضار…وغيرها)، كل ماسبق ذكره صنفه مؤخراً علماء المناخ في جامعة “أكسفورد” ضمن الأسباب الرئيسية للإحتباس الحراري الذي يصيب كوكب الأرض، وشدد العلماء أنه في حال لم يتم تدارك هذه الأسباب فإن البشرية ستتعرض مع حلول عام 2035 بالفعل لكارثة حقيقية، تزول بفعلها دولٌ وتفنى أمم.
لن تهتم الدول الإستعمارية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية، التي تسببت بدمار حقيقي في البيئة السورية، أو تلتفت الى تحذير “أكسفورد” ذاك، وهي التي تختّرع الحروب وتموِّل الفصائل الإرهابية حول العالم، بهدف تدمير الشعوب ونهب ثرواتها وخلق أسواقٍ جديدةٍ للسلاحِ، فهي من حوّلَ وبحجة “الربيع العربي”، منطقة “الشرق الأوسط” إلى أكبر سوق لتجارة السلاح، مابين عامي 2011-2017 (ذهب أقل من نصف المبيعات الأمريكية بقليل إلى الشرق الأوسط، واستوردت السعودية وحدها حوالي 20 في المائة من السلاح الاميركي لترسلها فيما بعد الى الإرهابين في سوريا واليمن ). وذلك بحسب “المعهد الدولي لأبحاث السلام في استوكهولم”.
ثم أنه من السذاجة أن ينتظر العالم من بريطانيا،أن تهتم للتحذير الذي أطلقته “أكسفورد”، كونها مدت منذ بداية الحرب على سوريا المجموعات الإرهابية بالأسلحة الثقيلة والخفيفة، لا بل ودربتها بشكلٍ علني (اعترف وليام هيغ، وزير الخارجية البريطانية سنة 2012، أن بريطانيا قدمت المساعدات “العملية وغير الفتاكة” للمتمردين السوريين، وتعهد بزيادة هذه المساعدات)، فعلى الرغم من أن الحكومة البريطانية ألغت مؤخراً قسماً كبيراً من تلك الإمدادات، بعد إنتصارات الجيش العربي السوري المتلاحقة، مُعلنةً إيقاف تمويل بعض برامج المساعدات في مناطق يسيطر عليها الإرهابيين في سوريا، مؤكدةً أنها ستوقف فقط تمويل المشاريع الغير إنسانية، إلا أنها أعلنت أنها أنفقت مايزيد عن حوالي مئتي مليون دولار أميركي، على البرامج الإنسانية في سوريا خلال السنة المالية 2017-2018″ من خلال صندوق “النزاع والأمن والإستقرار” المفارقة هنا هو أن جميع تلك المساعدات أُحيطت بسرية تامة (200 مليون للمساعدات الإنسانية “السرية” ومليار ونصف قيمة أسلحة ومعدات لتأجيج الحرب في سوريا).
ومن البديهي ألا ينتظر العالم من “هولندا” التي كشف وزير خارجيتها، ستيف بلوك،عن علاقتها المتينة بالإرهاب في سوريا، حين برّرَ في رسالة إلى البرلمان، قرار الطلاق النهائي مع الجماعات الإرهابية في سوريا، وحرمانهم مما تسميه دولته بــ الدعم المادي “غير الفتّاك” بأنه جاء “نتيجة استعادة النظام السوري مساحات شاسعة من البلاد وتقلّص المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المعتدلة”، معتبراً أن المساعدات التي بلغت قيمتها أكثر من 70 مليون يورو لم تعط الثمار المرجوة (إستفاد 22 فصيلاً مسلحاً بالإضافة الى جماعة “الخوذ البيضاء” من برنامج المساعدات الهولندي “غير الفتّاك” وذلك بحسب صحيفة “تراو” الهولندية).
هل تتنظر البشرية أي إهتمام حقيقي للخطر الذي يداهم كوكبنا (بحسب أكسفورد) من الدول التي تكذب على برلماناتها وعلى العالم، حين تسمي دعمها للارهابيين بأنه دعم “غير فتّاك” وذلك على الرغم من أن نتائج التحقيقات التي أجرتها النيابة العامة الهولندية مع مئة مقاتل عائدين من سوريا، تؤكد أن هولندا زودت العام الماضي “الجبهة الشاميّة” المصنفة من قبل “منظمة العفو الدولية” كحركة سلفية، جهادية تسعى لإقامة الخلافة، بشاحنات بيك آب، ملابس عسكرية، هواتف تعمل بالأقمار الصناعية، كاميرات وأجهزة كمبيوتر … إلخ، و على الرغم من كل مقاطع الفيديو التي
نشرتها المجموعات المسلحة على صفحاتها على “يوتيوب” والتي أظهرت إستخدام الارهابيين للسيارات والشاحنات التي زودتهم بها الحكومتين الهولندية و البريطانية، في ميادين النزاع مع الدولة السورية.
لا تنتظروا من بريطانيا وهولندا وكل ورثة الممالك الإستعمارية القديمة، أن يهزهم قيد شعرة تحذير علماء المناخ وصراخهم الذي بدأ منذ بداية هذا القرن، فهولندا مثلها مثل بريطانيا، عضو مؤسس في الإتحاد الأوروبي الذي شرَّعَ شراء البترول السوري المسروق (استخرجته المجموعات الإرهابية “النفيّطة” بطرقٍ بدائيةٍ تسببت بتلوث الماء والتراب والهواء في المناطق الشمالية والشمالية الشرقية من سوريا) .وهي وريثة إمبراطورية إستعمارية غزت، في القرن السادس عشر الميلادي، وبالتعاون مع الإنكليز ً معظم بلدان القارة الأفريقية، واندونسيا وجزر الانتيل وغيرها، ونهبت ثرواتها الطبيعية (الذهب والألماس وغيرها) عبر شركة الهند الشرقية والغربية الهولندية، هذا عداك عن أنها ارتكبت المجازر بحق السكان الأصليين (مذابح هولندا بحق قبيلة “الخوي خوي”) واستعبدتهم ( كانت تخطف الرجال والنساء وترسلهم كعبيد الى أميركا و أوروبا) .
ختاماً أسمح لنفسي أن أستعير من الصحافي الأميركي “بوب وودوارد”، تسميته لــ”البيت الأبيض” في كتابهِ الأخير “خوف: ترامب في البيت الأبيض”، بــ “القرية المجنونة”، لأُشبه الدول الإستعمارية بعالم “ديزني” حيث الأبقار تنتخب وتُنتخب، والدببة تقود الجيوش، فيما تحفظ الذئاب أمن القطيع، وحيث التمساح يلبس رجل دين، والثعلب رئيس منظمة دولية، وحيث تضع الحمير خططاً لإعادة إعمار الكوكب الأخضر….كم هو مختل هذا العالم الذي سينتهي في 2035 إن لم تتعظ الدول الإستعمارية..ولن تتعظ.