فرَّ، كنتيجةٍ حتمية للحربِ الدائرةِ في سوريا، منذ ثمان سنواتٍ، أكثر من ثلاثة ملايين سوري، إلى البلدان المجاورة،  فيما نزح حوالي سبعة ملايين داخل سوريا. و فاقَ عدد المُحتاجين للمساعدات الإنسانية ال13مليون إنسان، في حين أصبح أربعة من كل خمسة سوريين يعيشون في فقر مُدقِع، حيث دخلت في نفق إقتصاد الحرب المخيف، بفقدانها مكتسبات أربعة عقود من التنمية البشرية.

واضطر أبناء الشعب السوري من كل مناطق البلاد التي طالتها المجموعات الإرهابية المدعومة من قبل دول الإستعمار الجديد، والممولة بأموالٍ خليجية، الى الهجرة عبر البحار، فمات منهم من مات في عرض البحر، فيما إعتُبِرَ من وصل الى أصقاع الأرض كلاجئين، وأطلقت الدول الإستعمارية في الآونة الأخيرة على من يصل الى حدودها، مصطلح المهاجرين غير الشرعيين، فبدأ تذمر العديد من الدول من السوريين الذين أجبروا على تركِ أراضيهم ومصانعهم والهروب من أتون الحرب.

يهجرونهم ومن ثم يطلقون عليهم مصطلحات عنصرية لا تمت للإنسانية بصلةٍ، كما فعلت الولايات المتحدة، وتفعل، بفقراء المكسيك الذين يحاولون الفرار من بلادهم بحثاً عن لقمة العيش، وعن حياة كريمة، علماً أنَ بلادهم كانت من أغنى دول العالم (تعد المكسيك أكبر دولة منتجة للفضة، و عاشر أكبر مصدر للنفط في العالم) وكما فعلوا بأبناء جنوب السودان ومالي والنيجر وباقي الدول الإفريقية بعد أن نهبوها (أغنى بقاع الأرض بالثروة المائية وبالمعادن الثمينة كالذهب والألماس).

يشنون الحروب على أمم الأرض، وينهبون ثرواتها، محولين إياها إلى أسواقٍ كبيرةٍ لمنتجاتهم، جاعلين منها تابع أبدي للرأسمالية العالمية، التي تقودها الولايات المتحدة ودول الناتو الأخرى، يُهجرون عِنوةً شعوبها الأصلية والتي كانت صاحبة حضاراتٍ عريقةٍ، لقرون وقرون، (هُجّرَ جميع الهنود الحمر من الولايات العشر المكسيكية التي احتلتها الولايات المتحدة الأميركية، و هُجّرَ السريان والآشوريون والكلدان من سوريا، وكذلك الأمر بالنسبة الى القبائل الأفريقية) جاعلينَ منها أيدٍ عاملةٍ رخيصةٍ، تعامل معاملة العبيد.

فبعد أن أجبرت الولايات المتحدة الأميركية، المكسيك، على توقيع معاهدة “غوادالوبي هيدالغو” والتي اختلست بموجبها أكثر من 1,360,000 كم² من الأراضي المكسيكية، وقع البلدان بعدها في عام 1970 إتفاقية تضع ضوابط ومعايير محددة حول تشييد أي أبنية على الحدود بين البلدين، غير أن الرئيس الأميركي “السمسار” أصَرَ على مشروع بناء جدار عازل بين البلدين بطول 1600 كيلومتر. بحجة الحد من الهجرة غير الشرعية، وأكد أنه سيضغط على حكومة المكسيك لتدفع كامل تكلفة بناء الجدار التي قدرَّها (كَاذِباً) بثمانية مليارات دولار (جاء في تقرير أصدرته وزارة الأمن الوطني أن الكلفة ستتراوح بين 21و25 مليار دولار).

سيمر الجدار( الترامبي)  في مناطق من غنية بالتنوع البيئي والنظم الإيكولوجية، مدمراً إياها، حيث سيمنع الحيوانات من الوصول إلى موائلها وممرات هجرتها، وسيقطع آلاف الهكتارات من الأشجار والنبات، تماماً كما فعلوا عندما بدؤوا ببناء جدار الفصل العنصري حول الضفة الغربية في فلسطين.

ومنذ أيامٍ معدوداتٍ، إقترح ترامب على وزير الخارجية الإسباني، أن تبني إسبانيا جداراً على طول حدود الصحراء الكبرى، الموطن الأصلي للأمازيغ( يكثر فيها حقول البترول ويشقها نهر النيل وانهار كبيرة اخرى)، بهدف الحدّ من وصول المهاجرين الأفارقة، أبناء البلدان الغنية “المنهوبة”، الهاربين من أنياب الفقر والعوز.

ربما لا يعي ترامب أن إسبانيا ليست من بين الدول التي تعود إليها ملكية الصحراء الكبرى(الجزائر، ليبيا، مصر، تونس، المغرب، موريتانيا، مالي، السودان، تشاد و النيجر)  لكنه يعرف تمام المعرفة أن جميع جدران الفصل، التي تدمر النظم البيئية وتُهجر الشعوب، حول العالم كانت نتيجة حتمية لحروبٍ شنتها، أو لعبت دوراً أساسياً فيها، بلاده من خلال تأجيج الصراعات العرقية والطائفية، ابتداءً من الجدار الفاصل بين الكوريتين والجدار بين اليونان ومقدونيا مروراً “بالسياج الملغم” الذي يقسم الهند وباكستان وصولاً الى جدار “نيقوسيا”، الذي يقسم جزيرة قبرص إلى نصفين، وجدار الفصل العنصري المضروب حول الضفة الغربية في فلسطين.

ويعرف ترامب وحلفاؤه تمام المعرفة أن العقوبات الإقتصادية التي تُفرض علينا في سوريا.إنما هي نوع آخر من الجدران الإستعمارية. وأن حرمان الشعب السوري من الأمن و الأمان…هو جدار آخر يفصلنا عن الحياة.

وأن فقدان  مقومات الحياة، وتحول الإنسان السوري الى مجرد رقم.. هو أيضاً جدار إستعماري يفصلنا عن الإنسانية.
وأن قتل العلماء والمبدعين وتسهيل هجرة العقول،  وحرمان ثلاثة ملايين طفل من حق التعلُّم….إنما هو جدار يفصلنا عن رُكب الحضارة.

يعلمون ذلك، ويمعنون بشن الحروب علينا، للضغط على الشعب السوري كي يُهاجِر، يُسهلون هجرة الأدمغة والشعوب الأصلية لسوريا( الدليل الحي الوحيد المتبقي الذي يثبت أن بلادنا هي مهد الحضارات) يُخربون الحياة ويستعبدون الشعوب ومن ثم يتحدثون عن مؤتمرات لإعادة إعمار الأمم وأخرى للحديث عن حقوق الإنسان والديمقراطيات…طامتنا الكُبرى أن هناك من يصدقهم.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This