أكد التّقرير الذي صدر مؤخراً عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “الفاو” والبنك الدولي، بعنوان “إدارة المياه في النظم الهشّة”: “أن ندرة المياه في منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا يمكن أن تكون إما عاملاً مزعزعاً للإستقرار أو دافعاً يُقرّب المجتمعات بعضها من بعض”.

القوى الإستعمارية التي تُمعن في حربها على سوريا، وفي إجهاد المخزون المائي (السطحي والجوفي) للبلاد ، واستنزافه ومصادرة منابعه والسّيطرة عليها، لم تكترث بفحوى ذلك التقرير وتحذيراته، فقد استماتت، ولاتزال، في حربها للسيطرة على مناطق حوض الفرات، حيث المخزون المائي مرتفع أو مرتفع جداً (تحوي الرقة وحدها على 70 في المائة من مياه سورية)، وحيث التُرب الخصبة، والنموذجية لزراعة أهم المحاصيل الزراعية الإستراتيجية في سوريا (القمح والقطن)،  وكلّ ذلك خدمة لهدف وحيد ألا وهو لي عنق الدّولة السّورية لتسهيل الطريق أمام مخططات الكيان الصهيوني.

لم يكترث مروجو فكرة تقسيم سوريا إلى كيانات، بتحذيرات ذلك التقرير الصادر عن منظمة “الفاو”، كما لم يكترثوا قبلها بتقارير منظمة الصّحة (يتجاوز عدد المحتاجين إلى الرعاية الصحية 11.5 مليون إنسان، ثلاثة ملايين شخص منهم لديهم إصابات وإعاقات خطيرة). ولاحتى بتقارير منظمة الطفولة العالمية “اليونسيف” (ثلاثة ملايين طفل سوري خارج التعليم) .

كما لم يكترث الرئيس الأميركي السّمسار “ترامب”، بتقارير كل المنظمات الدّولية، حول الوضع الإنساني في سوريا، حيث وقّع في نهاية العام الفائت 2017 قراراً تنفيذياً للإستمرار في تسليح “قوات سوريا الديمقراطية” ورفع عددها من 25 إلى 30 ألفاً، ومثله لم يكترث الرئيس التركي “أردوغان”، عندما هدد مؤخراً بتنفيذ عمليات عسكرية جديدة في مناطق سيطرة “قوات سوريا الديموقراطية” شرق الفرات، بالجفاف وفشل المحاصيل الزراعية التي تستنزف المنطقة نتيجة العمليات العسكرية، فأدّت إلى نزوح حوالي  1,8مليون فلاح من أراضيهم، ما أحدث خللاً ديموغرافياً رهيباً.

وطبيعي جداً أن الحلفاء المستعمرون في دول الإتحاد الأوربي، الذين شجَّعوا منذ الأعوام الأولى للحرب، أبناء العشائر في منطقة شرق الفرات، على استخراج النفط من حقوله بطرقٍ غير شرعية ملوثينَ الماء والتراب والهواء السوري، لا بل وشرّعوا يومها، شرائه بكافة السّبل، لن يكترثوا بمثل تلك التّقارير، كون الإنسان السّوري لايهمهم لامن بعيد ولامن قريب، فحتّى في دعواتهم لإعادة إعمار سوريا، تراهم يدسّون السّم في العسل، بتأكيداتهم الدّائمة على إعادة إعمار البنى التحتية، دون الإشارة إلى أية مشاريع تهتم بتطوير الإنسان السّوري وتحسين نوعية حياته (الصّحة، الفنون، العلوم، العلاقات الإجتماعية، الهوايات).

 

لم ولن يكترثوا، لأنّ تصويبهم على شرق الفرات يتقاطع، مع مخطّط إسرائيلي يرمي الى للسَّيطرة على ثروات المنطقة وخاصةً المائية (من الفرات إلى النّيل)، فهم يعلمون أنَّ دير الزّور(شرق الفرات)، هي ثاني محافظات سورية من حيث المساحة (حوالي 33 ألف كيلومتر مربع)، وأنَّ معظم إنتاج سوريا من النفط يتركز في تلك المناطق، وأنّها أغنى الأراضي السّورية بالغاز الطبيعي، فهي  تضمّ أهم وأكبر الحقول النّفطية  من حيث المساحة والإنتاج ( حقل العمر النفطي الذي بلغ إنتاج النّفط فيه قبل عام 2011 نحو 300 ألف برميل يوميًا).

إنّهم يعلمون أيضاً، أنّ تلك المناطق ونتيجةً لجغرافيتها (مساحات صحراوية خالية، تمتدّ على طول الحدود السورية العراقية التي تبلغ حوالي 600 كم) ستؤمّن دائماً وبسهولةٍ مطلقة، ممرات مضمونة، و ملاذاً آمناً، لأدواتهم من المجموعات الإرهابية.

كما يعلمون أنَّ سيطرتهم على منطقة “شرق الفرات”، من النّاحية الجيوسياسية، ستساعدهم في ضرب “محور المقاومة” أعداء اسرائيل، حيث  سيقطع الطريق على فكرة تشكيل هلال يربط بين طهران وبيروت، مروراً بدمشق وقبلها بغداد.

لم ولن يكترث تجار الحروب ، بما أحاق بالشَّعب السّوري من دمار على المستوى المادي والرّوحي والمعنوي، فهم رغم أن حربهم تسببت بتغير ديموغرافي فظيع على ضفتي النّهر. وتشويه للمجتمع الريفي والمتمدن معاً، ورغم أنها غيرَّت طبيعة  العلاقات بين البشر، في ظل اختفاء الأمن والآمان، وافتقاد خطير لأدنى مقومات الحياة، في واحدة من أقدم مهود الحضارة الإنسانية في العالم، مستمرون في دعمهم لقوات سوريا الديمقراطية “قسد” ، كما للفصائل الإرهابية، التي يتذرعون بوجودها لزيادة عديد قواتهم في المنطقة، رافضين التّسليم بأنَّ مشروع تقسيم سوريا كارثي ومستحيل..

 

خِتاماً نتساءل: هل ستكون معركة “شرق الفرات” أقسى المعارك، متجاوزة في حجمها وأهميتها معارك أرياف العاصمة والمنطقة الجنوبية (درعا)، لا بل أكثر من ذلك ستكون حاسمة أكثر من معركة إدلب المنتظرة…من يعش يرّ.

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This