عندما تعرض الجرائم بحق الطبيعة وكائناتها على أنها إنجازات، وتوثق بالصور والفيديوهات تباهيا، فإننا حتما أمام آفة اجتماعية خطيرة، خصوصا عندما تضرب بعرض الحائط جميع القوانين التي تحمي تلك الكائنات وكل المناشدات للتوقف عن استهدافها.

في لبنان حيث تعد ممارسة الصيد من الثقافات القديمة، على اعتبار أن موقعه الجغرافي يعد ثاني أهم معبر للطيور المهاجرة حول العالم، وفي ظل غياب التوعية لسنوات طويلة نتيجة الحروب التي عاشها البلد وما خلفته تبعات غياب الدولة، انتشرت ظاهرة الصيد بالطرق العشوائية، وبأساليب عدة مخالفة للقوانين، ومع عودة الدولة، وبعد ان اتخذت وزارة البيئة القرار بفتح موسم الصيد وما يتبعه من تحديد الطرائد والأعداد، لم يلتفت لهذه الخطوة إلا قلة قليلة من الصيادين الذين أرادوا ترتيب أوضاعهم وفقا للقانون، وما عدا ذلك باتت وسائل التواصل الاجتماعي منصات، تنتشر فيها توثيقات لصيّادين يتعمدون وبلغة التحدي والجهل عرض مجازرهم بحق الطيور وغيرها، كرد على الآراء العلمية والبيئية المخالفة لقرار فتح موسم الصيد الذي أصر عليه وزير البيئة، ولم يسلم الأخير نتيجة قراره هذا من توجيه أصابع الاتهام اليه على

أنه مسؤول عن هذه المجازر، ولو كنا في بلد متقدم لاقتضى محاسبته، لمخالفته الآراء العلمية وفتح الموسم بدون خطة او خارطة طريق تضمن تطبيق القانون وملاحقة المخالفين.

إجراءات خجولة

هذا بالإضافة الى أن الإجراءات التي اتخذتها الوزارة بحق المعتدين خلال الموسم السابق والحالي تعتبر خجولة جدا مقارنة مع حجم المجازر المرتكبة وفداحة المشاهد المصورة، وهذا ما يجب على وزارة البيئة أن تلحظه على اعتبار أن التهاون بتطبيق القوانين والملاحقة بما تقتضيه أهمية الحالات لم يتم بالسرعة المطلوبة وعلى أكمل وجه، مما سمح ويسمح بتغطية المعتدين واعطائهم المجال للتهرب والهرب من المسؤولية والإفلات من المحاسبة، الأمر الذي يشجع على إرتكاب مزيد من التمادي والتعدي ومزيد من القتل وتدمير البيئة.

بدورنا في “جمعية Green Area الدولية”، وبعد ما ذكرناه من بعض ما ارتكب من مخالفات لقانون الصيد ومجازر وقتل طيور وحيوانات برية مختلفة، كنا قد تقدمنا بشكاوى لدى وزارة البيئة بحق مرتكبيها، وإلى اليوم لم نسمع ولم يردنا أي رد بأنه تم استدعاء أي منهم الى التحقيق أو إتخاذ إجراء بحقهم، وتضمنت الشكاوى، واحدة بحق عامل أجنبي في لبنان أقدم على ذبح سلحفاة بحرية، وكنا قد طالبنا بالإسراع لتوقيفه والتحقيق معه قبل مغادرته الأراضي اللبنانية، إلا أن سفره جاء ليصفعنا ببطء، وسط الإجراءات الإدارية الرسمية المخجلة في ظل تجاوزات تتطلب حزما وشدة، على الأقل لحفظ ما تبقى من ماء وجه القانون.

تقرير

ولا ننسى أن نلفت الانتباه أيضا الى السمعة الدولية السيئة التي طاولت لبنان بعد المجازر المرتكبة والتي صنف فيها كمعبر لموت الطيور بحسب التقرير الذي أصدره التجمع الدولي في أبو ظبي قبل أيام، والذي يصف فيه دولا من بينها لبنان كـ “مذنبين وجناة رئيسيين بحق الطيور الى جانب إيطاليا / مصر، سوريا، في إشارة الى الصيد غير المشروع الذي يودي بحياة 12 الى 38 مليون طير سنويا، وكشف التقرير عن أن ربع الطيور المهاجرة قد تواجه خطر الإنقراض في نهاية المطاف بسبب الصيد غير المشروع، فقدان التغذية الحيوية وأسباب التكاثر للزراعة والمبيدات والممارسات البيئية السيئة.

مجزرة الحجل

في هذا السياق وصلنا في greenarea.info فيديوهات وصور عدة استهدفت على وجه الخصوص طير الحجل الذي تم إزالته من لائحة الطيور المسموح صيدها، ومناشدات لمعاقبة المعتدين نظرا لضرورة حماية ما تبقى من أعداد لهذا النوع، نضعها مجددا برسم المعنيين عسى ان نجد آذانا صاغية مستعدة للقيام بواجباتها.

فيديوهات عدة عرضها أحد المواطنين على صفحته في “فيسبوك” موثقا رصده وملاحقته للحجل وقنصه، متخطيا كل الاعتبارات ليعود ويحذف الفيديوهات، على الأرجح بعد تحذيرات وردته وعنون إحدى الصور بـ “يسعدلى مساكن/ صيد الحجل لعيون الشباب الطيبة/ الجنوب مزارع شبعا”، ما يؤكد انه اصطاد طرائده من الحجل في لبنان وفي اوقات مختلفة، والجدير بالذكر هنا ان الصيادين المخالفين للقوانين، لم يتوانوا عن المفاخرة بما ارتكبوا واستحدثوا من طرق للتهرب من الملاحقة في حال حدوثها، بنسب الصور الى أوقات سابقة وسنوات خلت وأماكن خارج لبنان.

الصيد بالفخ

كما عرضت (ز.ك) فيديو مقززا لصيد حجل بالفخ، وهذا ما يعتبر من الوسائل الممنوعة في الصيد، والمؤسف في هذا الفيديو أن الطرائد التي وقعت في الفخ كانت عبارة عن أنثى حجل وأربعة من فراخهاـ وقد كتبت (ز.ك) على الفيديو “صيد الحجل اشراف وتنفيذ (م.ك)”.

كبة حجل

وكذلك الأمر بالنسبة لفيديو وصلنا يستعرض فيه أحد الأشخاص وهو المدعو (أ.ع) إحدى طرائد الحجل، ويخاطب أحدهم ويقول له “هيدا أول واحد إستفتاحية”، ويتابع مفاخرا بأنه “أبو كعب (حجل)، وصورلي الكعب، هيدا عمره تلات أو أربع سنين بعد بدي جيب كم واحد، بدي دقن وآكلن كبة حجل، وبدي صير قوص الصحون بالحجار شالقن وصيبن، بس آكل كبة الحجل”.

وآخرها صور عرضها المواطن (ي.أ.إ) أمس على صفحته في “فيسبوك” لرحلة صيد في راشيا مع شابين من نفس العائلة تخللها عرض للحجل المستهدف في هذه الرحلة، هذه النماذج من الفيديوهات والكثير من الصور التي تم توثيقها وتدين الكثير من مرتكبي هذه المخالفات والمجازر ستبقى وصمة عار على جبين كل من تقع عليه المسؤولية ولم يتحرك.

عيتاني

تعتبر طيور الحجل (الشوكار) من الطيور المقيمة والمفرخة في لبنان، لا سيما في المناطق الجبلية الجردية ما بين 1000 و1200 متر فوق سطح البحر، وهذا النوع يتميز بحجمه المتوسط ويكون الذكر أضخم من الأنثى، كما أن ألوانه زاهية ويحيط بعينيه خط أسود بارز، صدره مخطط باللون الرمادي، ومنطقة البطن لونها برتقالي، الرجلان والمنقار حمراوان، أما ريشه فرمادي وبني، والأنثى من هذا النوع تضع في عش مبني على الأرض ما يقارب العشرين بيضة، ومنعا للالتباس، في لبنان نوع آخر من الحجل يعرف بـ (الحجل الصخري) وهو نادر جدا، يشبه إلى حد كبير الحجل البلدي، لكنه ليس من طيور لبنان الأصلية، وقد استقدم من الخارج عام 1994″.

وقال عيتاني: “يشكل الحجل إرثا وطنيا في لبنان، ولكن أعداد بدأت بالانخفاض بسبب الصيد الجائر، من استعمال الشبك والشرك وملاحقتها وصيدها بسيارات الدفع الرباعي، كما أنه من أسباب نفوق الحجل بأعداد كبيرة، تسميم برك المياه ضد الثعالب واستخدام الحبوب المسمَّمة من قبل المزارعين بعد تفاقم انتشار القوارض، التي سببها استهداف الإنسان للمفترس الطبيعي لها من طائر البوم والطيور المهاجرة”.

وأضاف: “مشكلة ثانية واجهت الحجل اللبناني هي استقدام طائر الحجل الصخري الذي يختلف جينيا مع الحجل اللبناني، فما حدث أن النوعين تزاوجا وقد نتج عن ذلك إضعاف البنية الجينية للحجل اللبناني، الأمر الذي دفع وزارة البيئة الى اصدار قرار يقضي بمنع استقدام أنواع غريبة عن البيئة اللبنانية وإطلاقها في الطبيعة”.

وأشار عيتناني إلى أن “صيد الحجل يعتبر جزءا من تراث لبنان، خصوصا وأن صيده صعب ويتطلب مرونة ولياقة بدنية للسير في الجرود الصخرية العالية ومهارة في الصيد، نظرا لطيرانه السريع وتحركه بخفة، ما جعل من صيده موضع تفاخر واعتداد بين الصيادين”، ولفت إلى أن “ما نراه اليوم لم يعد صيدا، مع استخدام الشبك والشرك والتحايل على الطيور ومطاردتها بسيارات الدفع الرباعي”.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This