ذات الأسلوب وذات الوسائل وذات الكذب الذي حوَّل، أواخر القرن الفائت، دول أميركا الوسطى، الى مقبرةٍ، بحجةِ “محاربة الإرهاب”، يُدمّر اليوم سوريا واليمن كما دمر قبلها العراق، فأسلوب التدخل المباشر وغير المباشر(بحجة نشر الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان)، والوسائل المحليّة والدوليّة هي ذاتها في كلّ الحروب الإستعمارية، التي تسبّبت في دمار الأمم، وتشريد الشعوب وتهجيرها، كما مكنّت وصول الشركات الرأسمالية من السّيطرة على مفاصل الإقتصاد، في دول العالم الثالث، وروّجت لتجارة السّلاح، حول العالم .
المفارقة هنا هي أنّ الحقائق أثبتت، وجود إرتباط وثيق بين المساعدات الأميركیة والإساءة إلى حقوق الإنسان في أميركا اللاتینیة، حیث تتلقّى الدّول التي تحتلّ المراتب الأولى في إنتھاك حقوق الإنسان أعلى المساعدات (بحسب دراسة موسّعة نشرها “لارس شولتز”الأكاديمي المتخصص في حقوق الإنسان)، وهذا ما حصل تماماً في كولومبيا، والتي كان الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، يتباهى بمديح نظامها قائلاً: “إن كولومبیا لبّت معاییر واشنطن لحقوق الإنسان”، رغم أنه كان لھا أسوأ سجل في حقوق الإنسان في النصف الغربي للكرة الأرضیة، كيف لا وقد حوّلتها الإستخبارات الأميركيّة، في تسعينيات القرن الفائت، الى أوّل وأكبر سوق للسّلاح الأميركي.
ذاتها الإستخبارات الأميركية، تستخدم اليوم ملف الخطر الإيراني ، وإنتشار الإرهاب، كفزاعة لإيهام دول الخليج بأنّها ستؤمّن لها الحماية مقابل النّفط، وعليه فقد فتحت لها في مملكة الرمال، أكبر وأوسع سوق لتصريف منتجاتها من السّلاح (كشفت بيانات وإحصائيات موثقة، صادرة عن معهد “استوكهولم الدولي لأبحاث السلام” (سيبري)أن السعودية تصدّرت قائمة المستوردين الدوليين للسلاح الأميركي منذ العام 2010) وبموزاة ذلك بدأ مسلسل الإبتزاز الدائم لآل سعود، بحجة حمايتهم من المدّ الشّيعي، وبذلك تضرب ثلاث عصافير بحجر واحد،تنهب ثروات الخليج، تُدَمِر سوريا وبعض البلدان العربية(العراق، اليمن، ليبيا، تونس وغيرها)، وتضعف المقاومة الوطنية خدمةً للكيان الصهيوني.
عندما يتكشّف للعالم أن الإستخبارات الأميركية كالـ CIA والـ DEA وقوات “دلتا”، كانت على علاقة مباشرة ووثیقة بقوات الكونترا في نيكاراغو وتجار المخدرات في كولومبيا، وأيضاً بقوات الكوماندوس الإندونیسیّة التي ارتكبت المجازر في “تیمور الشرقیة”، وبإنقلابات تشيلي والأرجنتين، كما كان للإستخبارات الفرنسية والبريطانية، اليد الطولى في الإنقلاب في مالي، وتشجيع النزاعات الإثنية والعرقية في جنوب أفريقيا، النيجر، رواندا وجنوب السودان، فإنّه من نافلة القول أنّ كل هذه القوات الإستخباراتيّة على علاقة مباشرة ووطيدة بالحرب التي تشن على سوريا، منذ سبع سنواتٍ (بذات الأدوات).
وما تلك الحرب إلا إستمرار لنهج إستعماري قديم، كان الرئيس “جون أدامز” قد شجّع عليه، عندما أيّد َفي العام 1818 الأسلوب الإرهابي في التعامل مع “الهنود الحمر” و”الزنوج”، ونتيجة متأخرة لتصريحات إدارة الرئيس “رونالد ريغان” التي قال فيها: “ينبغي تركيز الحرب على منطقتين حيث الجريمة أشد وهما أميركا الوسطى والشرق الأوسط ” ولتصريحات المجرم “كولن باول” وزیر خارجیة الولایات المتحدة الأسبق حين قال : إنّ الإتحاد السوفیتي الذي كان یمثل “إمبراطوریة الشر” لم ینته ، بل ھو حاضر الآن في دول شریرة جدیدة”، وقصد حينها كلاً من كوریا الشمالیة سوريا، العراق، لیبیا وإیران( دول غنية بالثروات).
ذلك لأن ذات الأجهزة المخابراتية،التي دعمت في تسعينيات القرن الفائت، جیش الكونترا في نیكاراغوا، تدعم اليوم الفصائل الإرهابية المتواجدة في سوريا، وكما تولّت شركات أميركیة خاصة مؤلفة من ضباط أمیركیین بموجب عقود موقعة مع البنتاغون، تخريب وتسمیم التربة في كولومبيا، فهي اليوم وظفت ضباطاً في “شرق الفرات” و”التنف” لتدريب قوى إنفصالية (قسد) ومجموعات إرهابية، على مهاجمة (الأهداف اللينة) كالمراكز الصحية،المدارس، التعاونيات الزراعية، وتهجير الفلاحين من أراضيهم، بغية تدمير تقالید الزراعة، كما تشجع أبناء العشائر في تلك المناطق، على عمليات إستخراج النّفط بشكلٍ بدائي، عدا عن الفظائع التي ترتكب بحق الإنسان في تلك المناطق من قتل وسحل واختطاف وتنكيل.
الإستخبارات الأميركية، التي تأتمر بأمرها الحكومة الأميركية، سمحت بالإعلان عن مبلغ المئة مليون دولار (المرتبطة بقضية الخاشقجي) التي أرسلتها الحكومة السعودية بيد وزير الخارجية الأميركي “مايك بومبيو” إلى واشنطن، واشترطت عليهم أن يشيروا الى أنّ هذه الأموال إنّما أُرسلت لاستخدامها في “جهود تحقيق الإستقرار في سوريا”.
ربما يقصدون إستقرار قوى الحرب والدمّار في سوريا، أو ربما إستقرار الموت في المنطقة، وكل ذلك يصب في إستقرار”إسرائيل” وأمنها، فكما عملت حكوماتهم جاهدةً على جعل كولومبیا سكين في خاصرة فنزویلا، يعملون اليوم لإزالة السكين السورية من خاصرة “إسرائيل”.