تشكّل وسائل النقل، أحد أهم القطاعات الرئيسية في الدول، ولها دوراً فعّالاً في نمو وتطوّر المجتمعات. في المقابل فإن لهذا القطاع أيضاً، تداعيات مباشرة على البيئة، فهو يعتبر أحد أكبر مصادر التلوّث، خاصة تلوّث الهواء، وما ينتج عنه من ثأثيرات تطال كافة أفراد المجتمع نتيجة الإنبعاثات الصادرة عنه.
إذ ينبعث عن وسائل النقل 23 في المئة، من مجمل الغازات المسببة للإحتباس الحراري المرتبطة بالطاقة، ويمكن أن تصل إنبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، الناتجة عنها حتى 40 في المئة بحلول سنة 2040.
لذلك فمن المتوقع في سنة 2040 أن تكون 40 في المئة، من مبيعات السيارات الجديدة هي لسيارات كهربائية، وبحلول هذه السنة أيضاً ستشكل السيارات ذاتية القيادة، 25 في المئة من مجمل السوق العالمية.
23٪ من الإنبعاثات
يلعب قطاع النقل العام، دوراً بارزاُ في تحديد مستوى تطوّر المجتمعات، إذ له أهمية بالغة في الحد من الفقر، وتعزيز الرخاء، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، لأن النقل يأتي في صميم التحديات التنموية الكبيرة. أما بالنسبة إلى تأثيراته البيئيّة، فوفق البنك الدولي فإنّ النقل يمثل نحو 64٪ ، من الإستهلاك العالمي من النفط، و27٪ من إجمالي استهلاك الطاقة، وينتج 23٪ من إنبعاثات ثاني أكسيد الكربون، المرتبطة بالطاقة في العالم. ومع زيادة وسائل النقل، من المتوّقع أن يزداد أثر هذا القطاع على البيئة بشكلٍ كبيرٍ.
فضلاً عن سرعة توّسع المدن وزيادة وسائل النقل، إذ سوف تضم المدن نحو 5.4 مليار مقيم، بحلول عام 2050، أي ما يعادل ثلثي عدد سكان العالم المتوقع. وبالتالي سيتضاعف عدد المركبات، على الطرق إلى ملياري مركبة أيضاً بحلول عام 2050.
أما بالنسبة إلى التأثيرات الأخرى، فإن هذا القطاع يسبّب بتلوث الهواء، حيث يرتبط التلوّث الناتج عن النقل البري، بالسيارات بمجموعة كبيرة من الحالات الصحيّة، بما في ذلك أمراض القلب والأوعية الدموية وأمراض الرئة. وفي كل عام، يمكن أن يُعزى نحو 185 ألف وفاة مباشرةً، إلى التلوّث الناتج عن المركبات.
93% من الأطفال يتنفسون التلوّث
تطال تداعيات وسائل النقل البيئيّة، كافة الفئات الإجتماعية إلاّ أنّ الأكثرها ضرراً هم فئة الأطفال. وفي هذا الإطار، توضح منظمة الصحة العالمية، أنّه كل يوم يتنفس حوالي 93% من الأطفال، في العالم الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة (1.8 مليار طفل)، هواءً ملوثاً إلى درجة أنه يعرّض صحتهم ونموهم لخطر شديد. و تشير تقديرات منظمة الصحة إلى أن، 600.000 طفل ماتوا في عام 2016 ، بسبب إصابات حادّة في الجهاز التنفسي، السفلي ناجمة عن تنفس هواء ملوّث.
ويؤثر تلوّث الهواء أيضًا على النمو العصبي والقدرة المعرفية، ويمكن أن يؤدي إلى الإصابة بالربو وسرطان الأطفال. أما الأطفال الذين تعرضوا لمستويات عالية من تلوّث الهواء، قد يكونوا أكثر عرضةً للأمراض المزمنة مثل أمراض القلب، والأوعية الدموية في وقت لاحق من حياتهم.
ومن بين الأسباب التي تجعل الأطفال، عرضة لآثار تلوّث الهواء بشكل خاص، أنّهم يتنفسون بسرعة أكبر من الأشخاص البالغين، وبالتالي فإنهم يمتصون كميات أكبر من الملوثات.
وبالإضافة إلى ذلك، فإنهم يقضون أوقاتهم على مقربة من الأرض، حيث تبلغ تركيزات بعض الملوّثات ذروتها، في وقت لا تزال فيه أدمغتهم وأجسادهم في طور النمو.
تلّوّث داخلي وخارجي
لا يقتصر خطر التلوّث الذي يطال الأطفال، على الخارج فهم أيضاً معرضون له داخل منازلهم ، بحيث يعد المواليد الجدد، والأطفال الصغار أكثر عرضة لتلوّث الهواء داخل المنازل، حين يُستخدم بإنتظام الوقود والتكنولوجيات الملوّثة في الطبخ والتدفئة والإضاءة.
وفي هذا المجال، توضح الدكتورة ماريا نيرا، مديرة قسم الصحة العمومية، والمحددات البيئية والإجتماعية للصحة في منظمة الصحة العالمية “إنّ تلوّث الهواء يعيق نمو أدمغة أطفالنا، ويؤثر على صحتهم بطرق متعددة أكثر مما كنّا نظن. ولكن، هناك العديد من الطرق المباشرة للحد من إنبعاثات الملوّثات الخطيرة”.
نظراُ إلى مخاطر التلوّث تدعم منظمة الصحة العالمية تنفيذ مجموعة من التدابير، السياسية المتعلقة بالصحة مثل تسريع التحوّل إلى الوقود، والتكنولوجيات النظيفة في الطبخ والتدفئة، وتشجيع إستخدام وسائل نقل أنظف، فضلا عن الإسكان والتخطيط الحضري الموفّريْن للطاقة.