من المتعارف عليه في لبنان، بلد السياحة والإنفتاح أن نصف ساعة كافية لتنقّلك من البحر إلى الجبل! وما اجمل هذه الميزة في بلد تغرق شوارعه في أوّل “شتوة” ويختنق مواطنوه في سيّاراتهم لدى إقفال مسلك واحد!
لا تسلم الجرّة في كل المرّات فلسان حال المواطنين اليوم “زحمة يا دنيا زحمة” ..
نعم، كرم الطبيعة بات نقمة اللبنانيين، ففي أوّل هطول للامطار تجمّعت المياه على الاوتوسترادات وحبست الناس في سياراتها لساعات، وقد تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي، صورا تظهر الكورنيش البحري للرملة البيضاء وهو يفيض بالمياه، وذلك بسبب الأمطار الغزيرة بالإضافة الى أمواج البحر التي وصلت الى الطريق.
لا نزال في بداية النهار، وبحسب ما أشارت إليه نشرات الطقس فإن المنخفض الجوي سيبلغ ذروته بعد ظهر اليوم، الأمر الذي قد يعدنا برؤية المزيد من المناظر المائيّة الخلاّبة التي ربما تصل إلى منازلنا… والدولة “معذورة” طبعاً فنحن في فصل لم يعهد تساقط الأمطار وبالتالي فإنها المرة الأولى التي يفاجئنا الطقس بهطولات كثيرة!! أما بالنسبة إلى المسؤولين فهم على أهبة الإستعداد منذ الصباح الباكر لتفادي تأزّم الأوضاع وهم مستعدون بكامل إرادتهم للإعتذار من الشعب اللبناني عن الأضرار النفسية أولاً وبعدها المادية واعدين إياهم بالتعويض الكريم!!
مظاهر الشتاء لم تكف اليوم كي تجعل كل لبناني أسير البهدلة، فتعاونت مع تدابير أمنية قام بها الامن الداخلي لمناسبة إجراء التدريبات اللازمة لاحتفال عيد الإستقلال على جادة شفيق الوزّان، الامر الذي زاد الطين بلّة فتحوّلت بيروت إلى أكبر موقف عمومي للسيارات في العالم!
فقد شهدت مداخل بيروت صباح اليوم زحمة سير كثيفة ما ادى الى توقف السير كليا على المسلكين الغربي والشرقي للاوتوستراد، بدأت من الكرنتينا باتجاه جونية بسبب سقوط شاحنة عن جسر انطلياس واكتملت بالتمارين التي يقوم بها الجيش اللبناني تحضيرا للعرض العسكري بعيد الاستقلال، وسرعان ما انتقلت إلى طرقات داخلية اخرى ليكتمل المشهد… سيّارات متوقفة لساعات، أشغال معطّلة، علاجات مؤجّلة، خلافات مستجدّة وولادة في السيارة!
بين بهدلة الأمطار واستهزاء المعنيين بضرورة نشر ابلاغ الشعب اللبناني على نطاق واسع عبر الإذاعات والتلفزيونات وبشكل متكرّر بتدابير يجريها الامن العام بهدف “الإحتفال بعيد الإستقلال” صدحت أصوات بعض السياسيين المعنيين في شؤون اللبناني، فطالب وزير الغعلام ملحم رياشي بمعاقبة صاحب الشاحنة ليكون عبرة لكل من لا يكشف على شاحنته دورياً، أما عضو “حزب الكتائب اللبنانية” النائب الياس حنكش، فعلّق في تصريح على مواقع التواصل الإجتماعي قائلًا “هيدا يلّي كان بعد ناقص، وبسبب تدريبات لعيد الإستقلال؟”، مناشدًا وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال نهاد المشنوق وقوى الأمن “التحرك فورًا لتحرير المواطنين”.
بدورها، علّقت النائب بولا يعقوبيان على الموضوع نفسه، سائلةً “عرض واستقلال؟ من يصدّق بعد أنّه يعيش في دولة؟ يكفي ذلًّا وإهانة للناس”، متمنيةً على قائد الجيش اللبناني “إلغاء التدريبات لأنّ بالجيش فقط لم يكفر اللبناني بعد. إفتحوا السير الآن”.
أما رئيس حزب “التوحيد العربي” وئام وهاب، فأشار في تصريح عبر وسائل التواصل الاجتماعي الى أنه “أول مرة تحتفل دولة في العالم بكذبة إسمها الإستقلال على أساس الناس “مش كافيها إلي فيها” فقرروا إذلالها بإستعراضات من أجل ما يسمى عيد إستقلال كأنهم لا يعرفون أن إنجازات الإنتداب أكثر بكتير من إنجازات الإستقلال”.(..)
هو مشهد يتكرّر دائماً وغضب المواطنين بات أسهل من ان يمرّ مرور الكرام، وفي حين أن الطقس يتحسّن صباح غداً السبت، اعلنت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي انه لمناسبة عيد الاستقلال وإقامة احتفال مركزي لهذه الغاية في جادة شفيق الوزان ــــ وسط بيروت، ستُقام تمارين تحضيرية على العرض العسكري، اعتباراً من الساعة السادسة والنصف صباحاً من أيام الجمعة، السبت، الاثنين والأربعاء 16-17-19 و21/11/2018.
لذلك، سيتم إقفال الطرقات المؤدية إلى الجادة المذكورة وتحويل السير وفقاً لما يلي:
السير القادم من شارع إبن سينا/نفق فينيسيا، بإتجاه شارع اللواء فرنسوا الحاج.
من نفق جورج حداد بإتجاه الجميّزة أو الصيفي/بيت الكتائب.
من تمثال المغترب بإتجاه جادة شارل الحلو/ شارع ويغان.
تحويل السير القادم من شارع فخر الدين (نفق فينيسيا) بإتجاه فندق “السان جورج”، وذلك ابتداءً من فندق “مونرو”.
من اليوم وغداً وما بعده أفضل ما يمكننا هو سماع أغنية الفنان زياد الرحباني ” قوم فوت نام وصير حلام إنو بلدنا صارت بلد”