يوم سلّمت فرنسا، الدولة المنتدبة، بمنح لبنان الإستقلال التام في 22 تشرين الثاني عام 1943، خلّد اللبنانيون ذكرى حكومة الإستقلال الوطني التي ناضلت وشعبها لإطلاق سراح رئيس الجمهورية في حينها بشارة الخوري ورئيس الحكومة رياض الصلح من الإعتقال في قلعة راشيا.. ففرحوا واحتفلوا بأبطال واستقلال حقيقيين دون أن يدركوا ان الآتي أعظم!!
نعم، هي فرحة استقلال بعد انتداب دام 23 عاماً نتج عن الحرب العالمية الأولى وسقوط الامبراطورية العثمانية وبحسب تقسيمات اتفاقية سايكس-بيكو، التي تم تأييدها لاحقًا بقرارات من عصبة الأمم التي صدرت عام 1920 والتي أجازت نظام الانتداب على المناطق العثمانية المتفككة بحجة المساعدة في إنشاء مؤسسات للدول الجديدة.
لا يزال لبنان حتى اليوم يحتفل بذكرى الإستقلال في 22 تشرين الثاني من كل عام، لكن نكهته اختلفت بعد 75 عاماً من الحروب الداخلية والمعارك على كراسي ومقاعد رئاسية أو نيابية أو حكومية تفقد استقلال لبنان قيمته وتهدم كل معاني البطولة التي تحلّى بها الرؤساء في تلك الحقبة.
هي احتفالات منقوصة، ليس فقط بسبب غياب الحكومة، فالبلد ماشي والنصب ماشي، بل لأن البلد بكل مكّوناته البشرية، المعنوية، المادية والنفسية يتراجع يوماً بعد يوم ، والمواطن اللبناني بات يفقد معنى الحياة في ظل توارث سياسي يستمر منذ 30 عاماً مع ما يرافق هذا الامر من وعود كاذبة !
ففي تقييم بسيط لواقع البلد، لا يأت رئيس جمهوريّة بلا موافقة الدول الصديقة عربياً وعالمياً، لا يمكن التوافق على رئيس حكومة إلا بأمر من السعودية وأميركا، كما لا يمكن تحريره إن اختطف إلا بمساعدة فرنسية ودولية. مستحيل تشكيل الحكومة من دون الأخذ بخاطر كل من نصّب نفسه مسؤولاً عن فئة من الشعب اللبناني كما أعلن تبعيته لبلد تبنّاه لينفّذ أجندته غير المعلنة في لبنان وإبقائه على حاله كضمانة له في حال فشلت مشاريعه في بلدان أخرى!
أما عن حال المواطن، فحدّث من دون حرج، أي استقلال يعيشه في ظل احتكار الأغنياء وأصحاب رأس المال للقمة عيشه، أي استقلال قد يفيده في ظل وجود غريب في بلده يخترق أعماله ومهنه ولقمة عيشه، كيف يكون هذا الإستقلال والمواطن اللبناني عبد لتجّار المال من أصحاب مدارس ترفع الأقساط السنوية، إلى زيادة مستترة ومباشرة للضرائب العامة دون تفرقة بين فقير وغني، كيف يحيا العاطل عن العمل استقلال بلده في ظل نسبة بطالة تخطّة ال36 في المائة وعيش أكثر من نصف المجتمع اللبناني تحت خط الفقر !
كيف يعيش اللبناني الإستقلال وهو يرزح تحت عبودية السياسة في تقرير مصيره ومصير عائلته، في حين أن ارتفاع أسعار الأدوية يجعل من الصعب تأمينها لبعض الحالات، ويموت البعض البعض الآخر على أبواب المستشفيات! والوزارات المعنية تشتشري فيها الفوضى الإدارية بالدرجة الاولى حيث لا قانون استشفاء جيّد ولا يستردّ المضمون أمواله إلا بعد معاناة وكلل وملل ومرور أشهر عديدة، عدا ميسوري الحال المتعاقدين مع شركات تأمين تتقاضى الكثير مقابل خدمات قد تكون محدودة في عمر معيّن.
كيف نستذكر الإستقلال والقضاء اللبناني لا يزال حتى اليوم يتّبع قوانين مرّ عليها الدهر دون تحديث، الأمر الذي ينتج عنه قرارات عرضية وغير عادلة يترك المجرمين يسرحون ويمرحون بدلاً من أن يكونوا عبرة لغيرهم !
كيف نحتفل بالإستقلال والوعود بكهرباء 24/24 لا تزال سارية المفعول إلى أجل غير مسمّى، والمياه غالباً مقطوعة، والطرقات دوماً تفيض في الشتاء وتتحوّل إلى بحور وأنهر تأسر اللبنانيين لساعات في حين أن الحكومات تتقاذف المسؤوليات ومنذ دهر من الزمن!!
كيف نعيش نعمة الإستقلال وكل مرور لموكب شخصية سياسية على الطريق يزرع الرعب في نفوس المواطنين الذين إن لم يفتحوا الطريق له يظهرون أسلحتهم ويكيلون الشتائم، في وقت افترشت النفايات شوارعنا وتعدّت على بحورنا واستقرّت في هوائنا، وكل مسؤول طرف في مشكلة أو صفقة!
كيف نصدّق أن استقلالاً حدث في حين أن اللبنانيين يرزحون تحت ثقل مختلف هذه الضغوطات ويعيشون من قلّة الموت.. لذلك نتفاجأ بأي استقلال يحتفلون وأفكار العهر السياسي تستميتهم والكراسي تستهويهم والمواطن اللبناني والوطن آخر همّهم!!