كما هو معروف، إن الإتفاقيات الدولية هي ساحة من ساحات الصراع بين الدول على مصالحها الاقتصادية. إتفاقية ميناماتا بشأن الزئبق، التي تهدف إلى حماية البيئة والصحة العامة من مخاطر الزئبق، الملوث الكوني عالي السمية والإستقرار والثبات والتراكم الحيوي. واحدة من أكثر حلقات تنازع مصالح الدول تتصل بمراقبة التجارة الدولية بالزئبق، وهنا يكمن لب الخلافات حول القضايا، الإجرائية حينا، والتقنية والتنظيمية والمالية أحيانا أخرى.
احتدمت النقاشات الساخنة في جلسات القاعة العامة بين الرئيس، ومن خلفه الولايات المتحدة وكندا والدول المؤيدة لهما من جهة، وإيران وروسيا وسوريا ومعها كوبا وفنزويلا وبعض البلددان النامية، من جهة أخرى، بشأن احترام معايير واحدة في سير الأعمال والمناقشات واتخاذ القرارات، ولا سيما في مسألة الآلية المالية، ومذكرة التفاهم بين الإتفاقية ومرفق البيئة العالمي GEF، الذي يمثل الجهة المتحكمة بتمويل المشاريع المرتبطة بالإتفاقية.
من القضايا التي تم التوافق عليها في الجلسات المطولة حتى ما بعد منتصف ليل أمس، كان التوافق على مشروع قرار يتعلق بالتخزين المؤقت للزئبق، وهذا واحد من القضايا التقنية الشائكة في الإتفاقية. وكذلك مشروع القرار بشأن التعاون بين سكرتارية إتفاقية ميناماتا والإتفاقيات الكيميائية الثلاثة، بازل وروتردام وستوكهولم.
وفي المجال التنظيمي، تم التوافق على انتخاب رئيس ونواب رئيس المؤتمر الثالث القادم. إنتخب الرئيس ممثل زامبيا من المجموعة الإفريقية ، وعن إقليم آسيا والباسفيك، تم انتخاب ممثلي الأردن وإيران.
من القضايا الشائكة، والتي اخذت نقاشا حاميا في مجموعة الإتصال التقنية، تتمثل بوضع عتبات النفايات Waste Thresholds. هذا التعبير يعني، ما هو حد تركيز الزئبق في النفايات لاعتبارها نفايات ملوثة بالزئبق؟ وبالتالي تتطلب إدارتها على اعتبار أنها نفايات خطرة وفق إجراءات إدارة خاصة. من المعروف، أن النفايات في اتفاقية ميناماتا تقسم إلى ثلاثة فئات، نفايات الزئبق المكونة بأكثريتها الكمية من الزئبق، والنفايات المحتوية على الزئبق، أي نفايات الأجهزة والمنتجات التي تحتوي على الزئبق، والفئة الثالثة هي النفايات الملوثة بالزئبق. إن تصنيف هذه الفئات الثلاثة يتطلب وضع عتبات لتركيز الزئبق في النفايات، وخصوصا للفئة الثالثة. بشأن هذه المسألة، تم التوافق على إنشاء “مجموعة الخبراء التقنية” لتقوم بالعمل في الفترة الفاصلة حتى المؤتمر الثالث، وتبرعت اليابان بمبلغ لتمويل عمل هذه المجموعة.
جرى التوافق أيضا على خيارات تساعد الدول الأطراف لمراقبة التجارة الدولية بالمنتجات المحتوية على الزئبق، وذلك عبر إضافة رمز رقمي على نظام الترقيم المنسق لمنظمة الجمارك الدولية Harmonized Codes System يميز بين المنتجات نفسها المحتوية على الزئبق وغير المحتوية على الزئبق، وذلك لأن نظام الترقيم المنسق المعمول به حاليا لا يميز بينها.
فيما يتعلق بمسألة النظر بتعديل المرفقين (أ) و(ب)، كان موقف الإتحاد الأوروبي مستغربا إلى حد كبير، حيث أصر على تأجيل البحث بهذا الأمر إلى المؤتمر الثالث، معتبرا أنه من المبكر البحث في تعديلها الآن. هذا الموقف مستغربا، لأن تعديل المرفق (أ)، النقطة 2 يتعلق بتعديل الموقف من الملغم الزئبقي (الحشوة المعدنية) المستعمل في طب الأسنان، بحيث يتم إقرار الوقف النهائي لاستعال الملغم الزئبقي عند الأطفال ما دون الخامسة عشرة وعند الأمهات الحوامل والمرضعات مع نهاية 2020. يأتي الإستغراب من أن البرلمان الأوروبي كان قبل أشهر قد أقر قرارا بهذا المضمون لبلدان الإتحاد الأوروبي. كيف أنك تأخذ القرار عندك وترفضه للآخرين؟ هذا ما أثار سخطا كبيرا عند ممثلي المنظمات غير الحكومية والبلدان النامية. إذن، يمنعون الملغم الزئبقي عند الأطفال والأمهات الحوامل والمرضعات في بلدانهم، ويبقون على استعماله في البلدان النامية….هذه السياسة التي تفتقر لاعتماد المعايير الموحدة، والتي تخفي نية تحويل البلدان النامية إلى مستقبِلٍ لكميات الزئبق، التي سوف تخرج من الإستعمال في البلدان المتقدمة، وهذا بالطبع يتعارض، من حيث المبدأ والمضمون والأخلاق، مع روح إتفاقية ميناماتا.
النقاش يستمر ساخنا، ولكن يبدو أن الدول النافذة قررت تأجيل كل القضايا الهامة إلى المؤتمر الثالث، الذي تقرر عقده أواخر شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2019.