يذكر “ستيفن لونكريك” وهو أحد ضباط الحملة البريطانية على العراق إبّان الحرب العالمية الأولى، في كتابه الشهير “أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث” أن: “الشَبَك هي طائفة إسلامية تقطن الموصل ولها صلة بجيرانها الايزيديين وهم يحضرون اجتماعات هؤلاء ويزورون مزاراتهم”، كما أن “لهم لغةً شبه كردية ولكنّها خليط ولها وضع خاص، أي غير عربية او فارسيّة او كرديّة او تركيّة”.
فماهي حقيقة “الشَبَك” العراقيين؟
يقطن الشَبَك، منذ نهاية القرن الثاني عشر الميلادي، في أكثر من ستين قرية منتشرة في سهل نينوى الخصيب )يعتبر هذا السهل الموطن التاريخي لمعظم الأقليات في العراق( وهم “الشَبَك” فلاحون مهرة وفنانون في زراعة القمح، استطاعوا العمل بظروف “السهل الخصيب” الصعبة، وامتازوا بقدرة فائقة على التّعامل الدائم مع فيضان النهرين “دجلة والفرات”، وخصوصاً في شهري أذار ونيسان. امتهنوا الى جانب الزّراعة، الرّعي وتربية الماشية، إضافة إلى ميلهم نحو العمل اليدوي، لذلك كانت حياتهم بسيطة، تميّزوا بقوتهم البدنية كونهم أبناء الطبيعة الأم، فهم يأكلون مما يزرعون ويلبسون مما يحيكون (صوف الأغنام والماعز)، يسكنون بيوتاً من الطين غير منتظمة، ورغم أنهم لم يستطيعوا من قبل الوصول الى المدارس، بسبب افتقار القرى العراقية في سهل نينوى الزراعي الى المدارس، ورغم حملات التّرهيب والتّهجير التي تعرضوا لها، إلا أنّهم كانوا دائماً مسالمين مخلصين في علاقاتهم الإنسانية، فهم مكوّن إيجابي ضمن المكوّنات العراقية العديدة، فلم يُذكر عنهم مواقف أدّت إلى زعزعة السّلم والأمن الإجتماعي في البلاد.
تتحدث غالبية “الشَبَك” باللهجة “الشَبَكية الباجلانية” القريبة من اللهجة الكورانية (تنحدر من لغات هندية إيرانية وليس من اللغة الكردية) وتحتفظ بالكثير من الألفاظ القديمة، إضافة إلى تأثرهم بالمحيط الإقليمي المتمثّل بوجود ألفاظ فارسيّة أو تركيّة أو عربية.
اختلف المؤَرِخّون، حول أصل “الشَبَك”، فهناك من اعتبرهم عشائر كرديّة، وهناك من اعتبرهم تركماناً، فيما رآهم آخرون عرباً، إلا أن أصدق الحقائق العلمية تقول أنهم آريّون.
كذلك اختلفوا حول عقيدتهم، حيث يقول البعض أنهم أصحاب ديانة خاصة قريبة من “البكتاشية” “القزلباشية”، وآخرين يقولون أنّ عقيدتهم خليطاً بين الأيزيدية والزرادشتية والمسيحيّة واليهوديّة، والبعض يرى أنّهم إحدى الفرق الباطنيّة ضمن “العلي إلهية” (تؤمن بألوهية علي بن أبي طالب) لها كتبها المقدّسة وطقوسها الدينيّة المختلفة تماماً عن باقي المسلمين.
مذهبياً، هم مسلمون ينقسمون إلى سنّة وشيعة. سنّة على المذهب الشافعي وشيعة على المذهب الجعفري الإثني عشري، لديهم كتاب مقدّس- غير القرآن الكريم – مكتوب باللغةِ التركية، يسمى “البيرق” أو “كتاب المناقب”، وعندما سعى الباحثون للحديث معهم للإستفسار عن أصولهم وديانتهم وعقائدهم، نأى الشَبَكيون عن الحديث، فهم باطنيون، كتومون لأسرارهم (مثل الكاكائيين).
عانوا على مدى العقود الطويلة، لحملات المضايقة والتّهميش والتّهجير، بين عامي 1975و 1989، فبدؤوا بالانكماش، عددياً حيث لايتجاوز تعدادهم في العالم المائة ألف شخص.
وخلال الحرب الإرهابية التي اجتاحت سهل “نينوى” خلال السّنوات الأخيرة بقيادة “داعش”، كانوا في نظر هؤلاء أكراداً شيعة، وانتماؤهم المذهبي (كردي وشيعي) كان كفيلاً بشنّ الهجمات الإرهابية على قراهم لتُنهَب وتُدَمَّر -دُمِرَت أكثر من ستين قرية لهم- وذُبِحَ الأطفال واغتصبت النّساء وخُطفن ليبعهن في أسواق النّخاسة، ووصل عدد الشّهداء منهم، حوالي ألفي شهيد، وهي نسبة كبيرة مقارنة مع عددهم القليل، فيما لايزال هناك ما يزيد عن مئتي مخطوف “شبكي” من مختلف الأعمار ومن الجنسين، لا يُعرف حتى اليوم مصيرهم.
لم تستثن الحرب التي تدعمها الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها، أياً من المكونات العرقية والدينية في سوريا والعراق، فقد أُريد من تلك الحرب تقديم خدمة للصهاينة، كي يتمّكنوا من إثبات أنّهم أقدم شعوب المنطقة وحضارتهم هي الأبقى، وذلك من خلال الزّجّ بجميع المكوّنات الأصليّة والمسالمة، الأساسية منها والفرعية، في أتون حرب إبادية طاحنة، لا تُدرك نهايتها.