“مات النهر وعاشت المؤتمرات المنقذة”، والليطاني على حافة النزع، فهل تنقذه ورش عمل وتوصيات؟ وهل تسلك المشاريع المخطط لها طريقها إلى الحياة؟
قبل يومين انعقد مؤتمر “مشروع القناة 800: التحديات وسبل الاستفادة” الذي نظمه “المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق” بالتعاون مع اتحادي بلديات بنت جبيل وجبل عامل يومي 27 و28 الجاري، ونوقشت خلاله السبل الآيلة لرفع مستوى الاستفادة من المشروع اقتصاديا وخدماتيا واجتماعيا.
هذا “المشروع – الحلم” الذي تنفذه “شركة الخرافي” في لبنان يمشي اليوم بوتيرة تتجاوز في سرعتها عملية رفع التلوث عن مجرى نهر الليطاني وبحيرة القرعون أضعافا مضاعفة.
كان يفترض أن يؤمن هذا المشروع – إذا رفع التلوث وعولجت أسبابه – المياه اللازمة للتنمية الزراعية، ويخلق فرص عمل لسكان أكثر من 100 قرية في ثلاث محافظات، ويساهم في تفعيل الاقتصاد من أجل مستقبل أخضر ويحقق التنمية المستدامة في لبنان.
تغيرات جيولوجية
بالنسبة إلى الليطاني اليوم تصرف الأموال وستصرف مليارات الدولارات على مشاريع من المنبع حتى المصب، تحمل عناوين لافتة للانتباه وبراقة لكن لا ثقة بجدواها، فمشروع قناة 800، المشروع الحلم لمليون فقير شارفت مرحلته الأولى على الانتهاء غير ان حجم التلوث في بحيرة القرعون لن تسمح في البدء بهذه المرحلة، هذا ما أعلن عنه في المؤتمر، وهذا يعني أنه سيضاف الى تكلفة المرحلة الأولى 300 مليون دولار ستؤمن من “سيدر” للمرحلة الثانية، وقد تدفن جميعها تحت الأرض كمنشآت لن تعمل في ظل التحديات التي تواجهها بحيرة القرعون من تلوث وانخفاض في مستويات التخزين.
وبحسب المهندس في “جهاد البناء” قاسم حسن، فإنه بعد الاطلاع على تفاصيل المشروع لا شك اننا حاجة لإعادة تقويم المرحلة الثانية لقناة 800 قبل البدء بتنفيذها خصوصا وان المرحلة الأولى، بحسب رؤيته، لا حياة فيها، وعليه شدد على ما طرحه مسبقا الباحث في المجلس الوطني للبحوث العلمية الدكتور أمين شعبان في توصيته خلال المؤتمر نفسه بدراسة جيولوجية وهيدروجيولوجية جديدة وان لا تبنى المرحلة الثانية على دراسات قديمة، فواقع البحيرة اليوم مختلف تماما عن الأمس فقد تراجعت نسبة المياه فيها من 700 الى ما لا يزيد عن 320 مليون متر مكعب.
وأشار الى ان التغيرات المناخية تلعب دورا سلبيا، الا انه من خمسينيات القرن الماضي لم تتراجع كمية المتساقطات بأكثر من 30 بالمئة وواقع اليوم سببه الحفر العشوائي للآبار واستباحة حرم النهر والينابيع والتعدي على مناطق التغذية، شعبان لم يتوقف عند التوصيات فقد صرح عن سبب إضافي قد يكون بمثابة كارثة بحد ذاته اذا تم التأكد منه عبر دراسات لقاع البحيرة، وتمثل بأن البحيرة أصبحت متصدعة وتعاني من شقوق نتيجة التفجيرات المستخدمة في المقالع
والكسارات التي تنهش الجوار بشكل يومي والتي تسببت بتغيرات جيولوجية، وبتسرب 25 الى 30 مليون متر مكعب من البحيرة عبر التشققات وساهمت بانخفاض معدل المياه فيها.
تلوث وتعديات
قد لا يخفى على أحد أنه الى جانب هذه الاشكاليات برزت في العقود الأخيرة تغيرات واضحة في البنية الاجتماعية والزراعية التي يفترض أن تستفيد من المشروع، وهذا ما أشار اليه النائب علي فياض، اذ قال ان المجتمع المحلي حول البحيرة لا يستفيد منها والزراعة تركزت مؤخرا على التبغ والزيتون وهما زراعتان لا تحتاجا لوفرة المياه، وبناء على هذا الواقع رأى فياض اننا امام تحد متمثل بالتحول في قطاع الزراعة وفق خطة وطنية.
ولم يتوان فياض عن عرض التحديات التي تواجه المشروع 800، بدءا من التلوث الذي يسابق الوقت وتراجع نسب المياه في البحيرة مرورا بنعي نبع العليق ونهر الحجير نتيجة الاذونات والترخيص التي أعطيت للحفر، وصولا الى التمويل للمرحلة المقبلة.
ولا يخفى على النائب فياض أنه في محمية وادي الحجير تحديدا، تم حفر بئرين ارتوازيتين بمخالفة صريحة لكل القوانين وقانون إنشاء المحميات، اذ قال: “تم منح الأذونات بطريقة عشوائية دون الالتزام بالشروط البيئية والكل متواطئ”.
كما وصرح فياض بأنه تلقى خبر وقف ضخ المياه من محطة الطيبة بعد أن تبين أن مياه الشفة التي يوفرها المشروع لعشرات البلدات في النبطية ومرجعيون وبنت جبيل تحتوي على نسب خطيرة من مادة الفينول، الناجمة عن عصر الزيتون والتي تخلفها عبر زيبار الزيتون وترمى في مجرى النهر وتسبب مع اختلاطها بالكلور مواد مسرطنة.
كما أن مؤسسة مياه لبنان الجنوبي قررت، بحسب فياض، بعد التحاليل التي أجرتها وقف الضخ الى حين توقف مصادر التلوث ومعالجة المياه، في هذا المجال أيضا لم توفر المصلحة الوطنية جهدها بتسمية وتحديد المعاصر الملوثة ولا بتقديم شكوى ضدها أمام القضاء، ولكن دون ملاحقة الملوثين ومحاسبتهم أو وقف تعدياتهم.
بعد بكير!
فيما ممثل وزارة الصناعة في المؤتمر دعا الى اجراء دراسة للتخلص من زيبار الزيون، موضحا ان لبنان يفتقر لطرق المعالجة الصحيحة، واعتبر الملوث الأكبر يتمثل في المسالخ وبأن الوزارة أصدرت قرارا بخصوصها وعلى البلديات المساعدة بالتعميم.
مشيرا الى لغط كبير حول المؤسسات الصناعية والتلوث، كما وأشار الى أن الوزارة تعمل أيضا على اصدار قرار بخصوص مناشير الصخر، فيما علق النائب فياض بهذا الخصوص “بعد بكير”، وأضاف حاليا نعمل على معالجة مشكلة معامل الألبان والأجبان، وأكد أن المهل معطاة من وزير البيئة وهي تساعد أصحاب المصانع على تسوية أوضاعهم، فيما عاد وأشار النائب فياض بأن المهل طويلة الأمد وهناك مداخل قانونية للتراجع عنها وهذا ضروري.
مقاضاة الملوثين
لم نسمع إلى اليوم عن تحرك فعال لمقاضاة الملوثين الصناعيين الكبار وغيرهم، فيما نشطت المصلحة أيضا بإصدار قرار يجب الاحتذاء به بمنع مصلحة الصفقات ولجان الشراء من التعامل مع كافة المصانع والمؤسسات غير الملتزمة بيئيا والمصنفة كملوثة لنهر الليطاني، والمؤسف ما فجره
الدكتور ناصر نصرالله ممثلا لجمعية عبد العال للتنمية المستدامة بأنه في العام 2000 قام بتقديم دعوات على المعتدين وجاء الرد بعد 18 سنة أي في العام 2018 لحضور محاكمات الذين تم الادعاء عليهم.
وأكد نصرالله على ضرورة إدارة الحوض من قبل جهة واحدة وأن تكون المصلحة الوطنية لنهر الليطاني (أم الصبي وبيو) وتكون معنية حاليا ومستقبلا بالمتابعة ورفع التلوث والتعديات وأن تنشأ في المصلحة وحدة فنية متوفرة في البقاع وعلى امتداد النهر للتخلص من التلوث.