كتبت هيلاري كلينتون في كتابها الأخير “خيارات صعبة”، وتحديداً في فصلهِ التاسع عشر مايلي: “سوريا، المُعضِلة الشريّرة”، لأنّ كلّ خيار في شأنها يكون أسوأ من غيره. فإذا لم نفعل شيئاً، فستقع “كارثة إنسانية” وتنتشر في المنطقة، وإذا تدّخلنا عسكرياً فسنقع في مستنقع آخر مثلما حدث في العراق، وإذا أمددنا الثوار بالسلاح فسيؤول إلى أيدي المُتطرّفين وإذا تابعنا دبلوماسيّاً فسنصطدم بالفيتو الروسي.”
كذلك اعترفت المرشحة الخاسرة في إنتخابات الرئاسة الأميركية، في ذاك الكتاب بأن الإدارة الأميركية قامت بتأسيس ما يدعى بتنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” أو ما يسمى بـ”داعش” ، لتقسيم منطقة الشرق الأوسط .
كلينتون التي سبق و رفضت وضع جماعة “بوكو حرام” النيجيريّة على قائمة المنظّمات الإرهابيّة، والتي كانت ضمن المصوّتين على قرار الحرب على العراق، تترأس، اليوم، مع زوجها الرئيس الأميركي الأسبق “بيل كلينتون” مايُسمى بــ”مؤسسة كلينتون” ، التي تقوم بشكل إعلامي فضائحي، بحملات لمكافحة المرض والفقر والتغيير المناخي (وبشكلٍ سري خبيث تدعم تجار الحروب)، والتي يمولها داعمو “الربيع العربي”، من دول الخليج العربي و بعض المنظمات والجيوش المأجورة التي قاتلت في حربي العراق الأولى والثانية، وتقاتل اليوم في حروب سوريا، اليمن وليبيا، الى جانب التحالف الدولي كمنظمة “بلاكووتر” الإجرامية، وبعض الشركات الرأسمالية عابرة للقارات كشركة “لافارج” الفرنسية.
كذلك شغلت “هيلاري كلينتون” ذات يوم منصب محامي ومديرة إداري في عملاق صناعة الإسمنت الفرنسي “لافارج” ، صاحبة الأيادي السّود في سوريا، كونها كانت تشتري النفط السوري المسروق، بموجب صفقات وقعتها مع الفصائل الإرهابية (من جبهة النصرة التي أثنى عليها، ذات يوم، وزير خارجية فرنسا الأسبق لوران فابيوس)، مقابل تزويدها بحوالي ثمانية ملايين متر مكعب من الإسمنت لتبني بها آلاف التحصينات والمنشآت تحت الأرض، “لافارج” التي كانت “ويكليكس” قد سرَّبَت وثائق تثبت دعمها القوي لــ”مؤسسة كلينتون”، الأمر الذي يتلاقى مع ما كشفه الصحافي الفرنسي اليساري، “تييري ميسان” عن أن “لافارج” قد قدمت الكثير من الخدمات لوكالة المخابرات المركزية CIA.
تلوثت أيادي كلينتون بدماء السوريين، منذ أن أثنت في بداية الحرب على سوريا، على السفير الأميركي في سوريا “روبرت فورد”، والذي وصل إلى دمشق في كانون الثاني 2011، (تماماً قبل قيام التظاهرات)، بقولها: إن فورد أثبت بأنّه “مثال لدبلوماسي مُحنّك ينفّذ مهمّته على أكمل وجه”، حين توجّه إلى حماه والتقى المتظاهرين مؤكّداً “تضامن بلاده وتعاطفها مع المُنادين بالإصلاح الديمقراطي”.
وهي التي قالت علناً، عندما قامت الخارجية الأميركية مع فريق أوباما للأمن القومي، بدراسة إمكانية تدريب “قوة سورية فاعلة على الأرض” وتجهيزها: أنّ الهدف هو ” الحصول على شريك على الأرض يمكننا العمل معه، ويفعل كل ما في استطاعته لإقناع الأسد وداعميه بأن الإنتصار العسكري مُستحيل”.
التي خاب أملها كثيراً، بإسقاط الرئيس الأسد بعدما تراجع “أوباما” عن توجيه ضربة عسكرية إلى سوريا، بعد أن تجاوزت “خطّه الكيميائي الأحمر”، ووجهت ،يومها، كل اللوم الى وزير الخارجية الأميركي الأسبق “جون كيري” لأنه أجاب على سؤال: هل من أمر يستطيع الأسد فعله لتجنّب التدخّل العسكري؟، وقال: ” يمكنه تسليم كل الأسلحة الكيميائية إلى المجتمع الدولي”.
هي ذاتها كلينتون التي لم تُعلق بكلمةٍ واحدةٍ على عملية قصف الفصائل الإرهابية، منذ أيام، لأحياء في مدينة حلب بالسلاح الكيماوي.
تسريبات “ويكليكس” العظيمة (حوالي 400 الف وثيقة عسكرية ودبلوماسية أهمها وثيقة سرية بعنوان “دقات الساعة الليبية”)، ناقضت رواية الحكومة الأميركية، حول غزو العراق، وحرب أفغانستان، وفضحت أيضاً الدور الرئيسيّ الذي لعبته هيلاري كلينتون في تدمير ليبيا، وإنتشارالإرهاب، وأنه خلال وجودها على رأس عملها كوزيرة للخارجية، استخدمت الإدارة الأمريكية ليبيا كقناة لنقل السلاح إلى الجهاديين بسوريا، كما كشفت أن واشنطن كانت على علم بأن تنظيم “داعش” الإرهابي، تقوم بتمويله حكومتي السعودية وقطر.
عندما تتكلم الدول الإستعمارية، عن كذبة حقوق الإنسان والديمقراطيات، تتناسى أن “مؤسسة كلينتون” و”لافارج” و”الخوذ البيض”ومخططات “هيلاري كلينتون”، كلها كانت أدوات فاعلة استُخدِمَت لتدمير سوريا ، ليبيا، العراق وتجويع ملايين اليمنيين، كما تتناسى أن كل البلدان التي اجتاحتها سموم “الربيع العربي” المشؤوم، تحتاج الى إعادة إعمار، البشر قبل الحجر.
قادة الدول الاستعمارية لا يختلفون في عدائهم للشعوب الفقيرة والمسالمة، وما ترامب السمسار سوى الوجه الأول للعملة الصهيونية، الخادمة لإسرائيل، التي تمثل كلينتون وجهها الثاني، ومن هنا فكلام العبقري “أسانج” لم يأت من فراغ، عندما قال ذات يوم، قبيل الإنتخابات الرئاسية الأميركية: “إن الإختيار بين “هيلاري كلينتون” و”دونالد ترامب” يُشبه الإختيار بين الكوليرا أو السيلان”.