أُنجزت صفقة الأسلحة التي أعلنتْ عنها الولايات المتحدة الأميركية، مؤخراً، مع السعودية، والتي تتمثّل بشراء الرّياض نظام للدفاع الصاروخيّ (44 قاذفة صواريخ ثاد إلى جانب معدّات عسكرية) بقيمة 15 مليار دولار، بعد اتصال هاتفيّ بين الرّئيس “دونالد ترامب” والملك “سلمان بن عبد العزيز“.
تمّ ذلك باتصال هاتفي، في حين أنّ الأمم المتّحدة تسعى منذ سنوات الى إقناع “ملك الرمال” بوقف غارات التحالف التي تُشنُّ على اليمن غير “السعيد”، ولإنهاء حرب استمرت ثلاث سنوات، وتسببت في أسوأ أزمة إنسانية في تاريخ البشرية.
في مكالمة هاتفية دفعوا 14 مليار دولار، في حين أعلنت منظمة “أنقذوا الأطفال”، ومقرها بريطانيا، أنه خلال ستة أشهر فقط (في الفترة بين أبريل/ نيسان 2015 وأكتوبر/ تشرين الأول) لقي نحو 85 ألف طفل يمني دون سن الخامسة حتفهم، ربما بسبب سوء التغذية الحاد.
سيدفعون 14 مليار دولار، فيما لا تزال الأمم المتحدة تُحذر من أن ما يصل إلى 14 مليون يمني باتوا على حافة المجاعة (ألف دولار حصة كل يمني من الصفقة).
وفي حين أعلنت منظمة الطفولة العالمية “اليونسيف”، أن أكثر من 60 ألف طفل في مدينة الحديدة الساحلية في اليمن، حُرِموا من الدراسة، بسبب القتال في المدينة وما حولها، وأن العنف أجبر أكثر من ثلث المدارس على إغلاق أبوابها.
ستدفع السعودية ثمن تلك الصواريخ، التي لا يعرف أحداً من ستحارب بها، أو أي خطر ستدفعه عنها تلك الصواريخ، مبلغاً يساوي تقريباً، ضعف ميزانية سوريا لعام 2019، سوريا، التي دمرت الحرب القذرة، التي يموّلها ملوك الخليج، إقتصادها وشردّت أهلها وشوّهت كلّ أشكال الحياة فيها، سوريا التي وبحسب “يونيسيف”، يوجد فيها نحو 5.3 مليون طفل في سوريا بحاجة إلى المساعدة (تقرير شهر نيسان 2018).
لا أحد يعرف ضدّ من ستوجه تلك الخردة الأميركية القاتلة، ولكن ما هو جليّ وواضح هو أنّها ستقدّم خدمة ذهبيّة للكيان الصهيوني، وأنّ المملكة بذلك تدفع أخطاراً كثيرة عن “إسرائيل” ووجودها، وذلك باعتراف الرّئيس السمسار “ترامب” الذي قال لصحيفة “واشنطن بوست” : ” هناك سبب واحد للبقاء في المنطقة هو إسرائيل… نحن نتحدث عن جزء خطير وعنيف في العالم، وكانت السعودية حليفاً عظيماً بالنسبة لنا، وبدونهم، ستواجه إسرائيل الكثير من المتاعب، فنحن بحاجة إلى موازنة مع إيران”.
مُعترفاً بالدور الذي تلعبه أموال الخليج للوقوف في وجه كل أعداء اسرائيل وفي مقدمتها إيران وسوريا حيث قال: “السعوديون ينفقون مبالغ هائلة من مليارات الدولارات، وإذا نظرت إلى سياستهم تجاه إيران، والعديد من البلدان الأخرى، فهو أمر مهم بالنسبة لنا”.
“ترامب” الذي هدّد مملكة الرّمال، قائلاً:”عليكم أن تدفعوا كي نستمر في حمايتكم”، ردَّ عليه، ذات مرة، ولي العهد السّعودي “محمد بن سلمان” في حوار نشرته وكالة “بلومبرغ”، قائلاً: “إنّ بلاده لن تدفع في الوقت الراهن أي شيء مقابل أمنها”، وأكد حينها أنّ الرياض تشتري الأسلحة من الولايات المتحدة ولا تأخذها مجاناً” عندها اخترعت المخابرات المركزية الأميركية CIA كذبة مقتل الصحافي السعودي، “محمد الخاشقجي” ليبدأ مسلسل آخر من الإبتزاز، والتّهديد، فالأمير الصّغير السّاذج (بن سلمان)، الذي تهتزّ أركانه في كلّ مرّة تظهر أدلّة اكثر عن تورطه في مقتل الخاشقجي يدفع، اليوم، للمخابرات الأميركية والتركية، كي لا يكشفوا عن المزيد من الوثائق التي تثبت تورطه في “جريمة المنشار” الشهيرة، ولكن المفارقة الكبرى هي أنّ “ترامب ”ذاته بدأ يدافع عن “بن سلمان” بقوله: “لم يجدوا حتى دليلاً صغيراً للشك بأنّ لولي العهد الأمير محمد بن سلمان أي دور أو علاقة في جريمة الخاشقجي، ربما فعل ذلك، وربما لم يفعل لكنّ الأمير ينكر ذلك. والمحيطون به ينكرون ذلك أيضاً المخابرات المركزية في تقريرها لم تجزم بأن ولي العهد أمر بقتل الخاشقجي، لكن بالمناسبة أنا لا أقول إنهم لم يذكروا أنّه لم يفعل ذلك، لكنهم لم يؤكدوا”.
لم يعد هناك أدنى شكّ في أنّ السّياسة الخارجية الأميركية، هي سياسة استعماريّة بجدارة، تقوم على تجارة الحروب ونهب الأمم. سياسة إرهابية تنشر الفقر والجهل و المجاعات التي تحصد حَيَوّات ملايين الفقراء، سياسة تتجاهل القوانين والأنظمة الدولية وتعمل على تدمير شرعية النظام الدولي، سياسة سمتها البارزة ترتكز على سلوك ترامب وقراراته الفجائية البعيدة عن المنطق، غير أنّها سياسة مفضوحة لدى كل شعوب الأرض، ما عدا ملوك الخليج العربي.
ويبقى السؤال هنا، هل تستطيع الحكومة الأميركية ومعها دول التّحالف الإستعماري ومن ضمنها مملكة الرمال، أن تعترف بمسؤوليتها عن الحرب الإجرامية التي تُشن منذ ثمان سنوات على بلدنا، وأن تتخلى عن دعم الحركات الإرهابية والإنفصالية المتواجدة على الاراضي السّورية، وأن تتخلى عن عدوانها الإقتصادي المستمر الذي أدى الى تدمير الإنسان، وتفكر بإعادة إعمار البشر والحجر في سوريا؟.
هل تستطيع فِعلَ ذلكَ، أم أنّها تخاف على مسخها المدلّل “إسرائيل”؟.