تواجه البيئة خطراً متزايداُ بسبب عدّة عوامل وأسباب، مهما كثرت تبقى في النهاية نتيجة عبث اليد البشرية. وتتعرض كافة الموارد البيئيّة لهذا الخطر، منها الغابات التي عانت وما تزال من الهدر. على الرغم من بعض التقارير، التي تؤكد نمو مساحتها في مناطق معيّنة، إلاّ أنّ ذلك لا يلغي الخطر الذي يحيط بها.
غابات المتوسط تتزايد ولكن
وفي هذا السياق، أكد تقرير جديد حول حالة غابات البحر المتوسط، أصدرته منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) ومركز بلان بلو (Plan Bleu) ، إن مساحة الغابات في منطقة البحر المتوسط، إزدادت بنسبة 2 في المائة بين العامين 2010 و2015. حيث بلغت هذه الزيادة 1.8 مليون هكتار، أي ما يعادل مساحة جمهورية سلوفينيا.
لكن في الوقت عينه، حذّر التقرير من أن الغابات في منطقة البحر الأبيض المتوسط، قد تأثرت بشكلٍ كبيرٍ بالتدهور، وأنّها معرضة للخطر بشكلٍ متزايدٍ بسبب تغير المناخ، وإرتفاع عدد السكان وحرائق الغابات، وشح المياه.
وتجدر الإشارة، إلى أنّ التقرير المذكور، يغطي 27 بلداً هي ألبانيا، الجزائر، البوسنة الهرسك، بلغاريا، كرواتيا، قبرص، مصر، فرنسا، اليونان، إسرائيل، إيطاليا، الأردن، لبنان، ليبيا، جمهورية مقدونيا اليوغوسلافية السابقةـ مالطا، موناكو، الجبل الأسود، المغرب، فلسطين، البرتغال، صربيا، سلوفانيا، إسبانيا، الجمهورية العربية السورية، تونس، وتركيا.
الخسارة الأكبر في البلدان الأوروبية
تتركز النسبة الأكبر من الغابات في المنطقة المتوسطة، وحسب التقرير بلغت مساحة الغابات في البلدان المتوسطية حوالي 88 مليون هكتار، أي مساحة فرنسا وإيطاليا، أي أنّها تمثل إثنين في المائة من مساحة الغابات العالمية.
و بشكلٍ عامٍ، كانت الزيادة في مساحة الغابات أكبر قليلاً، في شمال البحر المتوسط عنها في الجنوب، ولكن على مستوى البلد الواحد، فإن الخسارة الأكبر في مساحة الغابات، كانت في البلدان الأوروبية (كانت أكبر خسارة في مساحة الغابات بين الأعوام 1990 و2015 في البرتغال والبوسنة والهرسك وألبانيا).
فضلاً عن أنّ هناك 80 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة – بما في ذلك الغابات – في منطقة البحر المتوسط.
وللغابات أهمية بيئيّة كبيرة، فهي تخزن أكثر من 5000 مليار طن من الكربون، (حوالي 2 في المائة من الكربون العالمي للغابات)، مع زيادة بلغت 1.65 مليار (2 في المائة سنويا)، بين الأعوام 1990 و2015.
وفي حين يحترق أكثر من 400,000 هكتار من الغابات كل عام، فإنّ ما لا يقل عن 339 نوع (16 بالمائة)، من أنواع الحيوانات والنباتات في الغابات المتوسطية مهددة بالإنقراض.
أسباب تدهور الغابات المتوسطية
تعاني غابات العالم من أخطارٍ عديدة، وهي تختلف من منطقة إلى أخرى. فكما ذكر تقرير الفاو، ينجم تدهور الغابات في شمال المتوسط، غالباً عن هجر الأراضي وحرائقها، في حين تعاني الغابات في الجنوب الشرقي، من الإفراط في إستغلال خشب الوقود والرعي الجائر والضغط السكاني.
تفصيلياً فقد تضاعف عدد سكان منطقة المتوسط، بين الأعوام 1960 و2015، ليصل إلى 537 مليون نسمة، ومن المتوقع أن يرتفع إلى 670 مليون بحلول العام 2050. وفي حين كان هناك تغير ديموغرافي طفيف في الشمال، أدى النمو السكاني السريع في الجنوب الشرقي، إلى استغلال مفرط للموارد الطبيعية.
في الجهة المقابلة، ما تزال حرائق الغابات تشكل تهديدًا كبيرًا، وعلى الرغم من تناقص عدد الحرائق في الشمال والشمال الشرقي في العقود الأخيرة، فقد إزداد عدد الحرائق الأكبر (التي تؤثر على أكثر من 500 هكتار). كذلك يتنبأ التقرير بإستمرار هذا الإتجاه، أي حرائق أقل عدداً ولكن أكبر حجماً.
التهديد الرئيسي
ولا تقتصر الأسباب عند هذا الحد فمن ناحية أخرى، يبقى تغير المناخ التهديد الرئيسي، لجميع الغابات المتوسطية، إذ سيغير الإرتفاع في درجات الحرارة، وعدم إنتظام هطول الأمطار وفترات الجفاف الطويلة، من إنتشار وتوزّع الغابات والأشجار، على مدار السنوات القادمة.
فعلى سبيل المثال، عندما تحاول الأشجار مقاومة الجفاف، فإنها تستنفد مخزونها من الكربون وتنتج كميات أقل من الكربوهيدرات والراتنجات، التي تعتبر ضرورية لصحتها. وقد أدى هذا إلى تراجع أو سقام أشجار البلوط، الشوح، التنوب الزان، والصنوبر في إسبانيا وفرنسا وإيطاليا واليونان، وأرزيات الأطلس في الجزائر.
فضلاُ عن تأثير المياه والتربة، حيث يضر النقص في المياه، وتعرية التربة بالغابات المتوسطية بشكل خاص، لأن تربتها أرق وأضعف من التربة في المناطق الأخرى. إضافة إلى وجود أكثر من 300 نوع من حيوانات، ونباتات الغابات المتوسطية مهددة بالإنقراض.
تجدر الإشارة إلى أنّ منطقة المتوسط، تعد ثاني أكبر منطقة في العالم، من حيث التنوّع البيولوجي، فكما تواجه الغابات ضغوطاً متزايدة، كذلك الأمر بالنسبة لحيوانات ونباتات هذه الغابات.
في حين تحتوي الغابات في إسبانيا وإيطاليا واليونان وتركيا والمغرب، على أكبر عدد من الأنواع المهددة، (26 بالمائة في إسبانيا، 24 في المائة في إيطاليا، 21 في المائة في اليونان، 17 في المائة في تركيا، 15 في المائة في المغرب)، الأمر الذي يجعل من مهمة الحفاظ على الغابات حاجة ضرورية وملّحة.