تزامن بالأمس حدثان خرقا الجمود السياسي في عطلة نهاية الأسبوع، الأول تمثل في تظاهرة شعبية نظمها الاتحاد الوطني لنقابة العمال والمستخدمين والحزب الشيوعي اللبناني، رفعت شعارات واضحة من “لا للدولة الفاشلة” مرورا بـ “كفى خطابات مذهبية”، وصولا إلى “إعادة النظر بحكم الدولة المنهوبة والفاسدة”، وتوازيا كان ثمة مسير نظمته “مبادرة وعي” مع “المصلحة الوطنية لنهر الليطاني” تحت عنوان حماية الليطاني ومواجهة الفساد.

الحدثان يؤكدان جملة من الأمور، أهمها:

1-الفساد ليس قدرا ويمكن مواجهته، وأن الحياة تأنف الركود ولا يمكن أن تظل الدولة مستباحة مرافقها ومؤسساتها، ولئن كانت المواجهة صعبة، والأحلام الكبيرة لا تتحقق بين ليلة وضحاها، والطريق طويل وما زال الكثير من النضال يدَّخره الناس والقوى الرافضة للذل والمهانة إلى أوقات عصيبة مقبلة، لكن تيقَّنا بالأمس أن ثمة نبضا، وفي النبض حياة، وفي الحياة دائما فسحة ليقول الناس “لا” ويعبروا عن وجع وتحد.

y

2-التحركات المطلبية والشعبية بدأت، ومن يتخلف يكون في مكان ما داعما للفساد، أو ساكتا عنه، وبغض النظر إن كان التحرك الأول (تظاهرة بيروت) جاء بـ “سترات حمراء”،

فالأمور لا يمكن مقاربتها بعيدا من هموم الناس، من انعدام فرص العمل وتفشي البطالة وتراجع القطاع الاقتصادي إلى ملفات الفساد وآخر تجلياتها في موضوع الليطاني.

3-أي تحرك يترك صدىً، وهذا إيذان للسلطة بأن الأمور بلغت حدا ما عاد بالإمكان مواربته والقفز فوقه، فثمة شعب يعاني ومهدد بلقمة عيشه وصحته ومستقبله، والتحرك، أي تحرك لا يأتي من فراغ، وإنما هو نتاج تراكم معاناة.

4-في موضوع الليطاني ومع التحرك لمواجهة الفساد وتسليط الضوء على ما شهدناه ليل أمس الأول في قصر العدل في مدينة زحلة، بدأ النواب الذين دبت فيهم حمية استثنائية كي لا يتكدر خاطر نافذ ومسؤول على صلة بتلوث النهر، التراجع وتقديم أعذار، وهذا يعني أن الأمور ما عادت تعالج كما كان الحال من قبل، وما عاد بالإمكان تمرير صفقات وتغطية في العتم.

في المقابل، يبقى السؤال المطروح اليوم، هل ستتمكن الدولة من إعادة ترتيب أمورها بدءا من تشكيل الحكومة إلى ضبط الفلتان في المؤسسات والإدارات ومواجهة الفساد؟

هذا السؤال لا يمكن الإجابة عنه بعيدا من تصورات مبدئية، فالواقع القائم اليوم صار مشحونا بلغط كبير، والدولة في مأزق، وهذا مؤشر يفضي إلى أن الأوضاع سائرة نحو الكثير من التعقيد والتأزيم، وما عبر عنه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من أننا ماضون نحو “المهوار” يؤكد أن التحديات تضغط أكثر، ولا سيما في جانبها الاقتصادي، كما أن الموضوع الأهم في هذه اللحظة الصعبة يظل متمثلا بالقدرة على حماية الدولة كناظم للحياة السياسية والدستورية.

وفي المحصلة، جاء التحركان بالأمس وتزامنهما صدفة، للتحذير من أنه بات من الضروري ملاقاة أزماتنا بحد أدنى من المسؤولية، وهما بالتأكيد لن يحدثا تغييرا جوهريا سريعا، فالنضال لا يحسب بمحطات عابرة، وإنما بمراكمة رأي عام في مسار نضالي طويل، وهذا ما

يحتم المواجهة كخيار وحيد متاح، ووفق الأطر القانونية وتحت سقف الدولة، وما شهدنا في تظاهرة “السترات الحمراء” في بيروت وما شهدناه أيضا من تحرك لاستعادة الليطاني من الملوثين، يتأكد أن المواجهة واحدة، وإن تعددت أشكالها.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This