وجّهَ أحد المتظاهرين الفرنسيين، من شارع الشانزليزيه، تحية إلى سوريا، وأردف قائلاً:”نحن لم نرسل لكم الإرهابيين، ولم نرسل لهم السّلاح، إنها حكومتنا”. نقول له: ياصديقي، إنّ السوريين عموماً يعلمون أنّ في فرنسا شعباً حضارياً عريقاً، تقوده حكومة إستعمارية تسير في ركب الرئيس الأميركي الذي يسعى إلى تدمير العالم.
ونعرف أنّ حكومة بلدكم، ساهمت وشجعت، ولا تزال، في نهب ثروات بلادنا بالتّعاون مع بريطانيا وبلاد السّمسار الأميركي”ترامب”. فقد أثنى وزير خارجيتكم السّابق “فابيوس” على إرهاب جبهة النّصرة التي كانت تبيع نفطها إلى الشركات الفرنسية العاملة في المنطقة ولا تتعرّض لها، وفي مقدمة تلك الشركات جاءت “لافارج” عملاق إنتاج الإسمنت، عندما قال: “إن النّصرة تنجز شغلاً جيداً في سوريا”، واليوم لا تزال المخابرات الفرنسية، تساهم بالتّنقيب عن الآثار في منطقة منبج وجوارها، فتنهب ما تستطيع وتخرّب الباقي.
كما أنّ الشّعب السوري على علمٍ، بأنّ حكومة بلدكم تُصدّر أسلحة إلى السّعودية، لتقتل بها، يومياً، أطفال سوريا واليمن، فبحسب المعلومات الواردة في تقرير للإتحاد الأوروبي عن صادرات الأسلحة لعام 2017، مَنَحَت فرنسا 172 رخصة تصدير بمبلغ يصل إلى حوالي 15 مليار يورو، منها حوالي مليار ونصف مليار يورو من التصدير الفعلي، وهو ما يمثّل أغلبية واضحة بالنسبة للصادرات الأوروبية للأسلحة إلى الرياض، إذ تصل نسبة فرنسا وحدها إلى 60 في المائة من صادرات السلاح الحقيقية إلى مملكة الرّمال.
ولم يكن السّوريون، بحاجة إلى تصريحات رئيسكم إيمانويل ماكرون، يوم كان مرشحاً للرئاسة، ليدركوا أنّ الإستعمار الفرنسي في الجزائر كان “جريمة وحشية ضد الإنسانية”، فبحسب كتاب “التكنولوجيا النووية” لجوزيف إي. أنجيلو، أجرت فرنسا خلال ستة أعوامٍ فقط( 1960 -1966)، حوالي 17 تجربة نووية في الصحراء الجزائرية، 4 منها فوق الأرض في رقان بولاية بشار، و13 في باطنها في عين إكر في ولاية تمنراست.
وأنّ فرنسا كانت الدولة الغربية الأولى التي اعترفت بالكيان الصهيوني”اسرائيل” عام ١٩٤٩، وينمو بينهما منذ ذلك الزمن تعاون عسكري(تعاون يرجع في أساسه إلى ارتباط الولادة الصهيونية فلسفياً بالفكر الإستعماري) يتسبب في قتل الشعب الفلسطيني، يومياً، وبما أن لبلدكم الفضل الأكبر في بناء قوة إسرائيل النووية( مفاعل ديمونا مثالاً) كرهاً بجمال عبد الناصر، نصير الثورة الجزائرية ضد فرنسا، فقد تطورت تلك العلاقات لدرجة أنّ شيمون بيريز، كان يمتلك مكتباً له في قلب وزارة الدفاع الفرنسية، أيضاً هذا نعرفه تمام المعرفة.
ونعلم أيضاً أن حكومتكم ذاتها، استخدمت كذبة “التدخل الإنساني” في رواندا، لتُساعد تيار الراديكاليين “الهوتو”، الذين سعوا إلى تصفية “التوتسي”في ارتكاب مجازر الإبادة الجماعية عام 1994، حيث قُتل ما يقارب المليون إنسان، والتي فضحها مؤخراً “غيوم أنسل”، في كتابه “رواندا، نهاية الصمت، شهادة ضابط فرنسي“ .
كما لم نكن يوماً ننتظر إعتراف الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك بنهبِ القارة الأفريقية وإفقار شعبها حين قال: “يجب أن نكون صريحين، ونعترف بأن جزءاً كبيراً من الأموال في بنوكنا قادمة تحديداً من استغلال القارة الأفريقية”.لنعرف أنّ حكومة بلادكم لا تزال تُلزِم 14 دولة أفريقية، من خلال اتفاق استعماري، على وضع 85% من احتياطاتها الأجنبية في البنك المركزي الفرنسي تحت سيطرة الوزير الفرنسي للرقابة المالية (ذاته المسؤول، مؤخراً عن قرارات رفع الضرائب الشهيرة).. وأن كل القادة الأفارقة الذين رفضوا تلك السّياسة الإستعمارية، كانوا إمّا يقتلون أو يتحوّلون إلى ضحايا إنقلابات عسكرية، نفذها أعضاء سابقون في الفيلق الأجنبي الفرنسي.
ويعلم السوري المُتابع، أنّ فرنسا الحكومة وليس الشعب، هي من جعلت هاييتي تدفع منذ عام 1804 وحتى 1947 (تقريبًا قرن ونصف من الزمان) مبلغ يفوق العشرين مليار دولار، فقط مقابل الخسائر التي تكبدها تجار العبيد الفرنسيين مقابل إلغاء العبودية في هاييتي وتحرير العبيد فيها.
وأنه في حروب “بيفر”، والتي يطلق عليها أيضاً حروب “الإيروكواس” التي نشبت بهدف احتكار تجارة الفراء، قد أُبيدت معظم هذه القبائل، بأيادٍ فرنسية، تماماً كما فعل المستعمرون الإنكليز(أجداد ترامب) والإسبان مع الهنود الحمر .
أخيراً يا صديقي ابن الشعب الفرنسي، أيّها الفقير البروليتاري، لن ننسى أنّه لا يزال يقبع في سجون حكومة بلاد الحرية(الكاذبة) المناضل اللبناني جورج إبراهيم عبدالله، رغم ثبوت براءته.
نعرف كل ذلك ويؤلمنا، فالجراح التي تركتها حكومة بلدكم بالتحالف مع حكومات الدول الإستعمارية الأخرى، عميقة ومؤلمة، مر عليها ثماني سنين، لكنها لم تكسر عزيمة الشعب، فنحن ورثة حضاراتٍ، ولسنا مجموعة قبائل تُبَع، تخنع للذل والهوان.