تتنافس المناطق اللبنانية في ما بينها، خلال شهر الميلاد المجيد من كل عام، على إختيار أفضل وأجمل أنواع الزينة، بحيث تمتلىء الشوارع والمنازل بأشجار الميلاد، وكافة الملحقات المرافقة لها.
ومما لا شك فيه أن هذا الشهر من العام، ينتظره جميع اللبنانيون أولاً لما يحمله من معانٍ دينية مقدّسة، وثانياً لأنّه يحرّك العجلة الإقتصادية من ناحية التسوّق، وثالثاُ لأنّه ينعش السياحة الداخلية، بحيث يعمد معظم الناس إلى زيارة مختلف المناطق لمشاهدة والتمتّع بأجواء العيد.
إلاّ أن هذه الإيجابيّة لا تنعكس بالضرورة على كافة الأصعدة، لا سيما على الصعيد البيئي، من ناحية المواد والأشجار المستخدمة في الزينة، مما يشّرع السؤال التالي “كيف يمكن الإحتفال بالعيد بطريقة بيئيّة”؟
زينة من مواد قابلة لإعادة التدوير
للإجابة عن هذا السؤال توجهنا في greenarea.info ، إلى مديرة جمعية التحريج في لبنان الدكتورة مايا نعمة التي إعتبرت “أنّ هناك العديد من الطرق للإحتفال بالعيد بطريقة بيئيّة، أولها عدم قطع الأشجار، من أجل إستخدامها للزينة، إذ يمكن أن نستعيض عن ذلك بإستخدام شجرة طبيعية من المشتل، أو حتى شجرة إصطناعية”.
وقد زاد الإهتمام في الفترة الأخيرة بإنتاج زينة بيئيّة، إذ تتابع نعمة “العديد من الجمعيات ومجموعات و كذلك أفراد، يعمدون إلى صنع زينة من مواد قابلة لإعادة التدوير (recycled material)، وتتمتع في الوقت ذاته بالجمالية”.
ولهذا الأسلوب في إختيار مواد الزينة الكثير من الفوائد، بحيث توضح نعمة “بهذه الطريقة نشجّع من يسعى إلى إعتماد عملية إعادة التدوير، وخلق مصنوعات جميلة من هذه العملية. وفي الوقت عينه، لا نعمد إلى شراء مواد بلاستيكية جديدة، بحيث نزيد ونفاقم من نسبة نفايات البلاستيك والملوّثات الموجودة”.
تضيف نعمة في الإطار عينه، “يمكن إستخدام كافة أنواع الزينة سواء في المنزل أو خارجه، من مواد مصنوعة من مكونات قابلة لإعادة التدوير، فضلاً عن إمكانية إستخدام الأشكال الطبيعية في الزينة. وبالتالي نشجّع في هذا العيد الأشخاص الذين، يسعون إلى التخفيف من مشكلة النفايات الصلبة، وغيرها من المشاكل البيئيّة. فضلاُ عن إمكانية تخفيفنا من إستهلاك الكهرباء والمياه” .
المطلوب وعيّ فردي وإجتماعي
إنّ إختيار مواد للتزيين صديقة للبيئة، يتطلب وعيّ فردي وإجتماعي بالدرجة الأولى، فإلى أي مدى يملك المواطن اللبناني هذا الوعي؟ توضح نعمة في هذا المجال، “على صعيد لبنان ليس هناك الكثير من الإلتزام كما يجب، بالنسبة لإستخدام زينة صديقة للبيئة. غير أن هناك وعي أكثر من قبل الناس، والأشخاص الذين يعملون على هذا الموضوع”. تستطرد “لكننا لا زلنا بحاجة إلى الكثير للعمل عليه، إذ أنّ هناك العديد من المشاكل البيئيّة الكبيرة”.
في الجهة المقابلة، تؤكد نعمة “أن موضوع عدم التلوّث هو قرارُ شخصييُّ يتخذه الفرد، حيث أنّ هناك الكثير من القوانين على الفرد أن يطبقها من تلقاء نفسه، فالدولة مهمتها وضع القوانين ومتابعة تطبيقها، إلاّ أن قسم كبير منها تكون موجودة من ضمن ثقافة الفرد الإجتماعيىة ، الذي يقرر أن يخفف من التلوّث ويحسن الوضع البيئي في مجتمعه، وليس بالضرورة أن تكون مشرعة بالقانون. فضلاً عن دور الجمعيات في هذا الإطار، في التوعيّة وزيادة الإهتمام بالموضوع من قبل الناس”.
وتختم نعمة بالتمني ” أن يكون لدينا جميعنا، وعي بيئي كافٍ في هذا العيد، الذي نتمناه أن يعاد على الجميع، وأن لا ننتج نفايات كثيرة أو نرميها في أماكن غير مناسبة”.
الهدايا الضرورية
يتبادل الناس الهدايا خلال الأعياد والمناسبات، تعبيراُ عن محبتهم لبعضهم البعض، و يختار كثيرون الهدايا ذات القيمة المادية، على حساب القيمة المعنويّة. في هذا المجال، توضح خبيرة الأتيكيت والناشطة البيئية مع جمعية الجنوبيون الخضر، شاهيناز قهوجي لـ greenarea.info ، “أنا شخصياُ وبعيداُ عن البيئة أختار الهدايا الضرورية، ذات الأهداف التي يمكن الإستفادة منها . أما إذا أردانا أن نجمع بين البيئة و الإتيكت ، فهناك العديد من الهدايا البيئيّة المتوفرة، فمثلاُ بالنسبة إلى الشركات التي تقدم هدايا لموظفيها في الأعياد، وغالباُ ما تكون على شكل حبات شوكولا ، أقلام أو مفكرات مصنوعة من مادة الجلد، أي أنّها أمور مضرّة بالبيئة”.
تتابع ” أو قد تعمد بعض الشركات على سبيل المثال، إلى تقديم فناجين زجاجية لشرب الماء أو القهوة (mug) ، بحيث يكون إسم الشركة مطبوع عليه. وهذه الفناجين غالباُ ما لم يتم إستخدامها ، لذا يمكن أن يستعاض عنها ، بهدية على شكل فخارة صغيرة يمكن أن نزرع فيها ما نرغب، أوحتي يمكن وضع نبتة من المشتل في الفنجان الزجاجي بدل من بقاءها في وعاءٍ بلاستيكي، وبذلك تكون الهدية ذات تكلفة مقبولة ومفيدة في الوقت عينه، حتى يمكن تغير نوع النبتة وقت ما نشاء” .
إختيارات لا محدودة
تتعدد الخيارات أمام من يرغب بالهدايا الصديقة للبيئة، إذ تستطرد قهوجي ” يمكن تقدمة هدايا على شكل زهورات أو معطر مصنوع من الأعشاب الطبيعية، ومحفوظ بأكياس من القماش يوضع بين الملابس في الخزانة”. تتابع “حتى أدوات الزينة كالمكنسة التي توضع على شجرة الميلاد، فهذه يمكن إستخدامها في تنظيف المكاتب، وتعليقها خاصة وأنّ شكلها جميل. أو يمكن أيضاُ أن نهدي قارورة مياه من الزجاج، نستخدمها بشكل يومي بدل شراء قناني البلاستيك المضرّة، التي تزيد من نسبة النفايات بعد رميها”.
تضيف في السياق عينه، “يوجد العديد من الأدوات الصديقة للبيئة، التي يمكن أن نستخدمها في حياتنا اليومية. وذلك من خلال الحد من إستخدام البلاستيك في المنزل، من خلال علب المحارم وغيرها من الأدوات”.
هذا الهدف المنشود يتطلب وعيّ إجتماعي، وثقافة يتعلمها الأولاد في المدارس، هذا ما تؤكد عليه قهوجي
“يجب أن نعلم أولادنا ثقافة العيد، أي عند الإنتهاء من الشجرة يجب توضيبها، بطريقة منظمة مع المرفقات التابعة لها، وإستخدامها في مناسبات أخرى. فهناك ضرورة لنشر فكرة المحافظة على الزينة لدى أطفالنا، وفي المدارس من خلال إستخدامها في الأعوام المقبلة”. تضيف “أنصح بعدم رمي شجر الميلاد البلاستيكية، وإستبدالها بواحدة جديدة كل عام، إذ يمكن أن نحتفظ بها للأعوام المقبلة، أو حتى تصليح الأشياء، وإستعمالها في أماكن أخرى في المنزل بدل رميها”.
وتختم قهوجي بتشجيعها “على تبادل النباتات في العيد، من خلال وضعها في فخار، أو فناجين زجاجية”.
هدايا صديقة للبيئة
إزداد إهتمام اللبنانيين بالبيئة ووعيهم بأهمية الحفاظ عليها، نظراُ إلى المشاكل العديدة التي يعانون منها في هذا المجال . وقد ظهرت العديد من الأفكار والأماكن التي تعزّز، وتساعد على تحقيق الأفكار الصديقة للبيئة. وفي هذا الإطار، يقول مارك بيروتي صاحب محلات NATURE لـ greenarea.info “أولاُ لقد حاولنا هذا العام، إستخدام أشجار ميلاد طبيعية و التقليل من تلك المصنوعة من مادة البلاستيك، وهذا أمر مهم جداً، إذ أن شجرة البلاستيك تحتاج إلى إستعمال لمدة عشرين عاماُ حتى تصبح بيئيّة، بينما الشجرة الطبيعية حتى لو تم قطعها وإستخدامها لوقت محدد، فإنّها تعطينا كمية وافية من الأوكسجين خلال نموّها”.
يضيف “ثانياُ نحن نطرح صناديق تحتوي على منتوجات طبيعية، مصنوعة من قبل نساء من لبنان. وبذلك نساهم في الوقت عينه ، في تطور لبنان بطريقة مستدامة.”
تمتاز المنتوجات الموجودة عند بيروتي، بأنّها من إنتاج أفراد لبنانيين، إذ يوضح “هناك الكثير من الهدايا الأخرى، التي يعمد فنانين من لبنان، إلى صنعها من مواد قابلة لإعادة التدوير. أو من مواد كانت لترمى بالنفايات وبدل ذلك تم إستخدامها بطرق مختلفة”.
على سبيل المثال لا الحصر ، وفق بيروتي “هناك بعض الأشخاص اللبنانيين، يعمدون إلى صنع هدايا من إطارات السيارات ، وأكياس النيلون وغيرها من المواد التي يتم تحويلها إلى منتجات صديقة للبيئة”.
تسويق وتغير نمط التفكير
تتخطى أهداف بيروتي تسويق منتوجاته، وتتعداها إلى تغير نمط تفكير المجتمع ونظرته إلى أمور معيّنة، إذ يوضح “الهدف هو تغير العقلية السائدة في المجتمع، من حيث عدم إستخدام مواد مضّرة للبيئة، كمحاولة لف الهدايا بمواد بيئيّة مثل الورق أو الكرتون، ومواد أخرى قابلة لإعادة التدوير وليس مادة السيلوفان”.
كذلك يتابع بيروتي “نحاول التوضيح أن تكون الهدايا ذات هدف، كتشجيع نساء في المناطق الريفية، أو جمعيات NGOS أو حرفيين . وقد وجدنا الكثير من الأفراد، الذين يصنعون هكذا أنواع من الهدايا، ونحن نعرض منتوجاتهم في محلاتنا”.
أما عن مدى إقبال اللبنانين على هكذا أنواع من الهدايا، يؤكد بيروتي “عند شرح الأهداف الرئيسية لعملنا فإن ذلك يشجع الناس على الإقبال على منتوجاتنا. لذلك فقد عمدنا بمساعدة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP ، بالشراكة مع وزارة الشؤون الإجتماعية وبالتعاون مع جمعية أطايب الريف، على إقامة معرض marche de noel لمدة أربعة أيام لعرض هذه المنتوجات، وقد راوده حوالي 800 شخص” .
ويختم بيروتي بدعوة “الناس للتفكير بطريقة بيئيّة، خلال الموائد التي تقام في هذه الفترة، من خلال عدم رمي المأكولات، والتفكير بالأشخاص المحرومين والذين يعانون من الجوع”.