معركة استعادة نهر الليطاني من الملوثين والعابثين مستمرة بخطى علمية وعملية، وفي مسار ثابت رغم الكثير من المعوقات، غير المنفصلة عن سنوات طويلة من الإهمال والتسيب، بمعنى أن تركة الفساد كبيرة، وثمة أمور معقدة تتطلب معالجات جذرية، وتتطلب تضافر الجهود والتكامل بين الوزارات والمؤسسات الرسمية المعنية و”المصلحة الوطنية لنهر الليطاني”، لكن ما يبدد هواجس المواطنين أن ثمة إجراءات وتدابير أخذت طريقها إلى التنفيذ، ما يعني أن الأمور تسير على الطريق الصحيح.

وإذا كانت بعض الإجراءات محكومة بتداخل الصلاحيات، فالأمر يتطلب تنسيقا أكبر مما هو قائم اليوم، إلا أن ذلك لم يحل دون تفعيل عمل المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، وسط مواكبة يومية لأدنى التفاصيل، وفي ظل ورشة عمل لا تهدأ، ما يعزز الثقة بأن مواجهة الفساد ممكنة، وأن الأمور لم تعد سائبة، ما ساهم حتى الآن في بلورة أجواء إيجابية يُنتظر أن يتم توظيفها أكثر مع تشكيل حكومة جديدة.

 

قناة ري القاسمية

وفي هذا السياق، وفي إطار متابعة greenarea.info لإجراءات استعادة الليطاني نطل على ما هو قائم اليوم، وما هو المطلوب غدا.

فمع بداية العام عادت الفرق الفنية في “المصلحة الوطنية لنهر الليطاني” إلى مباشرة رفع التعديات عن حرم قناة القاسمية التابعة التابعة لمشروع ري القاسمية في منطقة الشبريحا برج الشمالي – العباسية، بمؤازرة أمنية بناء لإشارة القضاء المختص تبعها زيارة ميدانية تفقدية من مدير عام مصلحة الليطاني سامي علوية.

المستشفيات أيضا تلوث

وفي سياق متصل، تقدمت “المصلحة الوطنية لنهر الليطاني” بإخبار أمام النيابـــة العامة التمييزية بحق 18 مؤسسة صحية ومستشفى في الحوض الأعلى لنهر الليطاني، وهي: (مستشفى رياق، البقاع، الميس، شتورة، تعنايل العام التخصصي، الأطباء، خربة قنافار، حامد فرحات، خوري العام، دار الحكمة، ابن سينا، الططري، دار الأمل الجامعي، تمنين العام، الياس الهرأوي الحكومي، اللبناني الفرنسي، تل شيحا، دار الأمل الجامعي)، لإقدامها على تفريغ وتصريف النفايات الصلبة والسائلة عن نشاطهم دون معالجة إلى نهر الليطاني وروافده، على نحو يؤدي إلى تفاقم الامراض القاتلة، مما يتسبب بجرائم تلويث البيئة المنصوص عنها في القانون رقم 77 الصادر في 13 نيسان (أبريل) سنة 2018 قانون المياه وفي قانون حماية البيئة في لبنان رقم 444/2002 وفي القانون رقم 64/1988 الصادر في 12 آب

(أغسطس) سنة 1988 المحافظة على البيئة ضد التلوث من النفايات الضارة والمواد الخطرة وفي المادتين 747 و748 من قانون العقوبات، من خلال الامتناع عن تطبيق احكام المرسوم رقم 13389، تاريخ 18/9/2004 المتعلق بتحديد أنواع نفايات المؤسسات الصحية وكيفية تصريفها)، بالإضافة إلى التعدي على الأملاك العامة وهدر المال العام.

علوية: تحديد الأولويات

في هذا السياق، أشار رئيس “المصلحة الوطنية لنهر الليطاني” الدكتور سامي علوية بالنسبة إلى العوائق التي تواجه الخطة التي أقرت بموجب القانون 63 إلى ان “المشكلة أساسا متمثلة في أمرين اثنين، أحدهما سببه غياب آلية لتطبيق القانون 63 حول الاعتمادات، إلا أنه لم يطرح آلية لإنفاق هذه الاعتمادات أو الاجراءات أو تحديد الأولويات، كما نص القانون على مجموعة من التدابير لحماية حوض الليطاني، الا انه لم يخصص اعتمادات مباشرة لتنظيف النهر بل خصصها لمشكلة مصادر التلوث”.

وأكد علوية أنه “لا توجد مشكلة بالوزارات فيما يتعلق بالقانون 63، وإنما الإشكال هو في الوضع العام في البلد وأداء الادارات العامة”، موضحا ان “المشاكل التي يعاني منها حوض الليطاني من مياه وبيئة يعاني منها كل لبنان، والمشكلة اليوم ليست بالليطاني بل المشكلة بعدم تطبيق القوانين”.

وأشار علوية إلى ان “القانون 63 نص على اعتماد بقمية 1068 مليار ليرة لشبكة الصرف الصحي ومحطات التكرير، وهذه الاعتمادات مخصصة لوزارة الطاقة، الا ان مجلس الانماء والاعمار هو من ينفذ هذه المشاريع، وقد أمن اعتماداتها من خارج القانون 63، وعليه، بات دور وزارة الطاقة في هذا الملف أقل من الدور المرسوم لها”، ولفت إلى ان

“مخصصات وزارة البيئة هي 25 مليار ليرة تتعلق بالنفايات الصلبة والمطامر الصحية والنفايات الطبية، الا ان الخطى لا زالت ضائعة في هذا المجال”، وشدد على ان “بعض الاجراءات المطلوبة من وزارتي الصناعة والزراعة لم تتقدم”.

لا جدول زمنيا لتطبيق القوانين

وأكد علوية أن “هناك غيابا للتنسيق والجدية لدى بعض الادارات العامة، كان يمكن تفاديه بتطبيق الحوكمة وتوسيع صلاحيات مصلحة الليطاني والمطلوب ايلاء اهمية أكثر وبناء دينامية وتطبيق القوانين، وان تأخذ الامور بجدية أكثر”. ولفت إلى ان هناك خطة شاملة لمعالجة الخلل القائم حاليا، ومصلحة الليطاني كانت غائبة طيلة سنوات ونحن اليوم نستعيد الدور لتعويض ما فات ونتدارك ما هو آت، مشيرا إلى ان الجدول الزمني المحدد بالقانون 63 هو 7 سنوات، من 2016 ولمدة 2023، لتنفيذ المشاريع المتعلقة في النفايات السائلة والصلبة ومحطات التكرير، الا ان تطبيق القوانين ومنع النفايات عن النهر لا جدول زمني لها والتطبيق يجب أن يكون فوريا، واليوم لا يمكن الحديث عن خطوات بل واجبنا حماية البيئة لا سيما واننا شرطة مياه وواجبنا حماية الموارد المائية التي نستثمرها ، وعليه اما ان نحميها أو نفقد مبرر وجودنا.

وأوضح انه “بعد رفع التعديات من واجبنا المحافظة على استدامة الاجراءات وعلى دورنا المستمر، ومن الخطأ تسمية ما نقوم به بـ (الحملة) لأن هذا دورنا المعتاد الذي يجب ان نقوم به على الدوام بحماية الموارد المائية واستثمارها”.

الفضائح استمرت

أما في ما خص محطة زحلة لتكرير المياه المبتذلة والتي لم تشغل بالكامل، فقد واجهت خلال بدء العمل عقبات عدة، ومنها عدم ربطها بالتيار الكهربائي، ما أدى إلى تأخر تشغيلها إلى حين تأمين مولدات كهرباء عبر الهيئة العليا للإغاثة.

وثمة ثغرات تُظهر حجم الهدر والفساد في الملفات التي تلزم إلى “مجلس الإنماء والاعمار” بطريقة الاحتكار والوكالة الحصرية، والتي ينتج عنها فضائح مستمرة تبين وجود خلل إداري وقصور في وضع دفاتر الشروط وآليات تنفيذ المنشآت وعقود التشغيل، على سبيل المثال دراسة الأثر البيئي لمحطة زحلة التي لم تلحظ ضرورة وجود وحدات معالجة للحمأة في محطة التكرير، وعليه هي لم تجهز لمعالجة الترسبات البرازية كما هو الحال في باقي المحطات التي ينفذها “مجلس الإنماء والاعمار”، وهذا ما يؤكد عبثية المشروع بأكمله على صعيد البيئة والاستدامة وهدر المال العام.

أما الشركة المشغلة والتي أبرمت عقدها مع “مجلس الانماء والاعمار”، فعمدت إلى رمي الحمأة في قرى بقاعية في غياب تام لأي خيار استراتيجي يتضمن التخلص من الترسبات البرازية بطرق علمية وسليمة، ولا نعلم أي عرض فني كانت قد قدمته ليوافق عليه “مجلس الانماء والاعمار”، الا ان ما هو مؤكد ان الفضائح استمرت فقد تقدمت بلديتا بريتال وبعلبك مؤخرا بإخبار ضد محطة زحلة والشركة المشغلة “ميراج” بعد أن ضبطت أعمال حفر وردم وطمر تقوم بها الشركة في مجرى نهر “جريان” فيما أكد وزير الصناعة حسين الحاج حسن خلال مؤتمر صحافي في بريتال أن شركة ميراج أوعزت للبعض بردمها”.

اقتراح لم يؤخذ به

تبقى الإشارة في هذا المجال إلى أن “المصلحة الوطنية لنهر الليطاني” كانت قد تقدمت باقتراح على “مجلس الانماء والاعمار” عرضت فيه استعدادها للمساهمة في حل هذه المشكلة من خلال تقديم أحد العقارات التابعة للمصلحة في خربة قنافار، لإنشاء مركز معالجة للوحول الناتجة عن محطات التكرير والاستفادة منها، بما يعود بالنفع على مزارعي البقاع من خلال تقديم الأسمدة الزراعية بأسعار تنافسية بدل التخلص منها بطرق عشوائية، هذا اذا ما تأمن التمويل اللازم لتغطية كلفتها، إلا ان “مجلس الانماء والاعمار” لم يأخذ بالاقتراح.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This