إن التلوث الكبير، الذي يعاني منه نهر الليطاني وبحيرة القرعون، وهما يشكلان نسبة كبيرة من الثروة المائية السطحية في لبنان، له أسباب عديدة، تراكمت عبر سنوات طويلة من الإهمال والتقصير وسوء إدارة العديد من القطاعات الهامة.
هذه الأسباب يمكن اختصارها بأربعة عناوين، سوء إدارة الصرف الصحي، وسوء إدارة الصرف الصناعي، وسوء إدارة النفايات، وسوء استعمال الأدوية والأسمدة الزراعية.
إذن أزمة تلوث الليطاني ليست بسيطة، ولا هي حدث منفصل عن السياسات المطلوبة في العديد من قطاعات الدولة.
مناسبة هذا الحديث اليوم، مع اشتداد العاصفة التي تضرب لبنان، حاملة معها الكثير من الأمطار والثلوج غطت كل المناطق اللبنانية، بل كل الحوض الشرقي للبحر المتوسط، هو ظنُّ البعض أن كثرة الأمطار وما رافقها من فيضانات لنهر الليطاني، وخروجه عن إطار مجراه في كثير من المناطق، يمكن اعتبارها مناسبة لتنظيف النهر أو التخفيف من تلوثه.
نحن نعتبر أن معالجة أزمة تلوث نهر الليطاني وبحيرة القرعون تشترط العمل الجاد والمثابر لوقف تدفق الملوثات إليه من القطاعات الأربعة سابقة الذكر، وليس في الظن أو الوهم بمداخل مختلفة لهذه المعالجة.
إن ازدياد الأمطار وفيضانات النهر لها تأثير مزدوج. فمن جهة، نظريا، تؤدي إلى تخفيف تراكيز الملوِّثات العضوية والكيميائية في مياهه، التي تتضاعف كمياتها عدة مرات مع هذا المطر الغزيز، حيث أن كميات الملوِّثات المتدفقة إليه لم يطرأ عليها أي تغيير خلال أيام العاصفة، وأن كميات مياه الوسط المستقبل زادت عدة أضعاف. ولكن من الجهة الثانية، نشهد جرف كميات هائلة من النفايات من كل نوع، كانت مرمية في محيط مجرى النهر وعلى مقربة منه، وفي حوضه، ولو على مسافات من مجراه. كميات هائلة من النفايات من كل نوع، بما فيها نفايات مخلوطة مع نفايات خطرة، جرفتها مياه النهر، التي فاضت على أمتار من ضفتيه، وكذلك تلك التي جرفتها السيول ومجاري المياه القوية الآتية من أمكان قريبة وبعيدة.
هذا الكلام يصح أيضا على مسألة تلوث النهر في جزئه الجنوبي، أي من سد القرعون حتى المصب، بالرمول والطين والطمي. من البساطة أن نظن بأن قوة المياه في النهر ستحمل معها ما ترسَّب في تخته وعلى ضفتيه من من الرمول والطين والطمي، الناتجة عن سوء إدارة وتشغيل المرامل ومغاسل الرمل الواقعة على مقربة منه، أو في المرتفعات المربوطة معه بمجاري سيول شتوية أو بينابيع تصب فيه. الحقيقة والواقع، أن هذا الظن لن يكون صحيحا إذا عرفنا، أن المرامل المتوقفة، أو التي أعيد تشغيلها، لا تزال تشكِّل، وهي شكَّلت باستمرار على مدى كل الفترات السابقة، مصدرا لجرف الرمول والأتربة والطين إلى مجرى النهر، وبكميات هائلة، مع كل زخة مطر، فكيف مع هذه العاصفة القوية والأمطار الغزيرة. السبب في ذلك يعود إلى أن هذه المرامل والمواقع قد أقفلت تاركة كميات هائلة من الأتربة والرمول على شكل هضاب كبيرة دون تأهيل، ودون اتخاذ أي إجراء هندسي يحمي النهر من جرفها إلى مجراه. والمرامل التي أعيد فتحها أو الجديدة، فإن طريقة استثمارها تتجاهل كليا تطبيق واحترام شروط التشغيل السليم، لناحية التجليل والتأهيل وعدم تراكم كميات كبيرة من الأتربة والرمول في مواقعها.
إذن، ما سوف تجرفه معها مياه النهر الهائجة من رمول وطين وطمي في مجراه، سوف تنقل إليه السيول الجارفة كميات أكبر بكثير من الطين والرمول، من مواقع المرامل المقفلة، ومن كل المواقع المماثلة القريبة والبعيدة.
إن العاصفة، بنتائجها وانعكاساتها على تلوث نهر الليطاني وبحيرة القرعون، لا تشكل بأي ظرف من الظروف مناسبة للتفاؤل والإرتياح، كما يظن البعض، ويروِّج عن جهل أو عن اعتقاد.
إن المسار الإستراتيجي الوحيد لمعالجة أزمة تلوث نهر الليطاني وبحيرة القرعون، التي تمثل كارثة وطنية حقيقية، يكمن في البدء بتنفيذ إجراءات فعَّالة في سياق استراتيجيات الإدارة السليمة بيئيا والآمنة صحيا للقطاعات الأربعة سابقة الذكر. وفي المقدمة منها، قطاع الصرف الصحي، بحيث تتوقف تدفقات المياه المبتذلة غير المعالجة لدرجة كافية إلى النهر وروافده وحوضه. وكذلك قطاع الصرف الصناعي، والتدفقات الصناعية غير المعالجة، وهي وإن تكن من الناحية الكمية أصغر بكثير من تدفقات الصرف الصحي، إنما من الناحية النوعية تشكل مخاطر كبيرة، نظرا للطبيعة الكيميائية لمعظم هذه التدفقات. وكذلك من المهم وضع استراتيجيات سليمة لإدارة النفايات، من كل الأنواع والمصادر، الخطرة وغير الخطرة، الصناعية والطبية والمنزلية، ومعالجة المكبات العشوائية المنتشرة على ضفاف النهر وروافده وفي حوضه.