نرى أن أول مهمة جادة وعلى درجة عالية من الإستعجال، على وزير البيئة في الحكومة الجديدة، المنتظر تشكيلها قريبا، القيام بها دون أي إبطاء، هي وضع تعديلات عميقة على القانون رقم 80 تاريخ 10 تشرين الأول (أكتوبر) 2018، المسمَّى “الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة”.
هذا القانون، الذي أُقر على عجل ودون مناقشة كافية في جلستي اللجان المشتركة والهيئة العامة لمجلس النواب، هو واحد من القوانين الأربعة، التي استُعجِل مجلس النواب لإقرارها، على الرغم من عدم وجود حكومة فاعلة بعد، باعتبارها تشكل غطاء تشريعيا مطلوبا لمقررات مؤتمر “سيدر” وقروضه البالغة 11 مليار دولار أميركي.
إن أخطر ما في هذا القانون أنه مرَّر في مادته 26 المتعلقة بـ”استيراد وتصدير ونقل النفايات الخطرة” ما يسمح باستيراد النفايات الخطرة، ولو كان ذلك مشروطا بموافقة وزارة البيئة. وكذلك في مادته 27 المتعلقة بـ”القواعد العامة في إدارة النفايات الصلبة الخطرة”، حيث تسمح بخلط النفايات الخطرة مع غير الخطرة، حتى ولو كان ذلك مشروطا بسماح استثنائي من وزارة البيئة.
إن هذا الأمر، الذي ينزع كل حماية للبنان حيال استيراد النفايات الخطرة، وتسلُّلها إلى لبنان عبر خلطها بنفايات غير خطرة، سوف يجعل من لبنان بلدا مقصودا ومستهدفا لتصدير آلاف الأطنان من النفايات الخطرة، ولا سيما منها النفايات البلاستيكية المخلوطة بمواد خطرة، التي ترزح تحت ثقلها البلدان الصناعية المتطورة، بما فيها الدول الأوروبية، بعد توقف الصين عن استيرادها في أواسط العام الماضي، وهي تسعى جاهدة للتفتيش عن بلدان نامية لكي تصدر إليها كميات كبيرة فائضة من هذه النفايات للتخلص منها.
نحن نعتبر أن تمرير هذا القانون، بمواده المشبوهة، التي تسمح باستيراد النفايات الخطرة، وبخلطها مع نفايات غير خطرة، هو مطلوب لتغطية الأنشطة المنتظرة المتعلقة باستيراد نفايات خطرة، وخصوصا نفايات بلاستيكية ملوَّثة بنفايات خطرة، أو تحتوي على مكوِّنات خطرة بنسب عالية، وهي بوضعها هذا تكون غير صالحة لإعادة التدوير، أو هي من غير المقبول بيئيا وصحيا إعادة تدويرها، وبالتالي سيكون التخلص منها في محارق موَّل إنشاءها مؤتمر “سيدر”.
هنا نرى بوضوح العلاقة المباشرة بين تمويل إنشاء محارق كبرى، بقروض ميسرة من الدول المانحة في إطار مؤتمر “سيدر”، وبين ما مُرِّر في القانون، الذي ينتحل إسم “الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة”، من مواد تُسهِّل وتغطي حركة انتقال هذه النفايات من الدول الأوروبية إلى لبنان، وهي الدول الصناعية المتطورة الأقرب إلينا. وكذلك، العلاقة مع ما يتم اقتراحه من قبل الإتحاد الأوروبي لرفع حد محتوى المكوِّنات الخطرة في النفايات لكي تصنف خطرة إلى 10000 جزء من مليون، في إطار اتفاقية بازل وخطوطها التوجيهية التقنية المتعلقة بإدارة النفايات الخطرة.
نحن لا نقول هذا عبثا، بل بناء على خلفية عمرها 23 سنة من الخبرة والمتابعة لقضايا إدارة النفايات الخطرة وحركة انتقالها عبر حدود الدول، أي تصديرها واستيرادها، في إطار إتفاقية بازل، وأحيانا كثيرة خلافا لأحكامها. ومتابعاتنا الحثيثة لعدد كبير من حالات الإتجار غير المشروع بنفايات خطرة تنتقل من بلدان صناعية متطورة إلى بلدان نامية. ولا ننسى، وندعو كل اللبنانيين أن لا ينسوا حالات محاولات تسلل نفايات خطرة إلى لبنان، حيث كانت لها القوى الأمنية والجمركية بالمرصاد. حينها قمنا مع خبراء وزارة البيئة في الكشف عليها وتقرير طبيعتها وتحديد ضرورة إرجاعها إلى بلدان تصديرها، تطبيقا لإلتزامات إتفاقية بازل. نذكر في الفترة بين 1997 و1999 ثلاثة حالات لمحاولة تسلل نفايات تصنف نفايات خطرة، ونفايات بلاستيكية ملوَّثة ومختلطة بنفايات خطرة، وهي غير صالحة لإعادة التدوير. لو أنها تمكنت من الدخول إلى لبنان لكانت عرضة للتخلص منها في مكبات عشوائية أو حرقها، ما يؤدي إلى تلويث خطير للهواء والبيئة، وتهديد خطير إضافي للصحة العامة.
مستوعب واحد أتى من كندا، وكان يحتوي على نفايات دهانات، وهي مصنفة نفايات خطرة وفق اتفاقية بازل. ومستوعب من بلجيكا، يحتوي على نفايات بلاستيكية ملوثة بنفايات خطرة، وهي غير صالحة لإعادة التدوير. ومستوعبين من ألمانيا يحتويان على نفايات بلاستيكية ملوثة بنفايات خطرة ومختلطة بنفايات خطرة، وهي غير صالحة لإعادة التدوير. تم استردادها من قبل حكومات هذه الدول بعد مفاوضات مع الحكومة اللبنانية ممثلة بوزارة البيئة، وارتكازا على التشريعات اللبنانية، التي تمنع استيراد النفايات الخطرة والملوثة بنفايات خطرة والمختلطة مع نفايات خطرة، وعلى أحكام وإلتزامات إتفاقية بازل.
في العام 2015، تابعنا حالة انتقال غير مشروع لـ 50 مستوعب من النفايات المختلطة بنفايات خطرة من كندا إلى الفيليبين. تمنعت كندا في البداية من استرجاعها أو من محاكمة المتورطين بهذا الإتجار غير المشروع، ولكنها رضخت بعد أشهر من الضغوط الكبيرة، التي مارستها منظمات المجتمع المدني الفيليبينية، المدعومة من منظمات عالمية، وبعد إصرار كبير من قبل هذه المنظمات والحكومة الفيليبينية، اضطرت الحكومة الكندية لاسترجاع هذه الصفقة من النفايات إلى كندا.
في العام 2016، تابعنا حالة تصدير كميات كبيرة من النفايات البلاستيكية الملوَّثة بنفايات خطرة ومختلطة بنفايات خطرة، جرى أخذها من مستودعات ومكبات، من إيطاليا إلى المغرب. وجرى اكتشافها وتنظيم حملة واسعة لفرض إعادة تصديرها إلى إيطاليا، على الرغم من أن بعض الموظفين المغاربة كانوا متورطين بإعطاء الموافقات عليها. كانت تنتحل هذه النفايات إسم “وقود مصنع من نفايات”، ولكنها في الحقيقة كانت نفايات بلاستيكية ملوثة ومختلطة بنفايات خطرة.
اليوم، مع بداية العام الجديد 2019، استلمنا معلومات تشير إلى صفقة كبيرة غير مشروعة، مكوَّنة من 51 مستوعبا، محملة بما يزيد عن 6500 طن من النفايات البلاستيكية الملوثة بنفايات خطرة والمختلطة مع نفايات خطرة، حاولت الدخول إلى الفيليبين، قادمة من مدينة Pyeongtaek City في كوريا الجنوبية، وأوقفتها السلطات الجمركية الفيليبينية في مرفأ Misamis Oriental.
هذه الصفقة مخالفة للأنظمة المعمول بها في الفيليبين وفي كوريا الجنوبية أيضا، ومخالفة طبعا لأحكام إتفاقية بازل. بالإضافة إلى أنها تحمل بيانات جمركية بإعلان خاطيء ومعلومات كاذبة، حيث تمت تسميتها في وثائق النقل “رقائق بلاستيكية مصنعة Plastic synthetic flakes”، في حين جرى تصنيفها من قبل خبراء وزارة البيئة، وخبراء “تحالف إدارة النفايات في الفيلبين Eco-waste Coalition”، بأنها نفايات بلاستيكية مختلطة ضارة للصحة، وهي عبارة عن نفايات بلاستيكية مخلوطة بنفايات ومواد خطرة.
جرى الإتفاق بين الحكومتين الفيليبينية والكورية الجنوبية في إجتماع مثمر، بحضور ممثلين عن القطاع الخاص، وعن المجتمع المدني ممثلا بـ”تحالف إدارة النفايات الفيليبيني Eco-Waste Coalition”، أن يتم إرجاعها من حيث أتت في كوريا الجنوبية بتاريخ 9 كانون الثاني (يناير) 2019.
يقول ممثل تحالف إدارة النفايات في الفيليبين Aileen Lucero، “إننا مصممون على حماية بلدنا من أن يتحول إلى مكب عالمي للنفايات البلاستيكية وغيرها من النفايات، التي توقفت الصين عن استيرادها، ولم تعد تريد استقبالها.”
فهل يريد بعض القوى المشاركة في السلطة والقرار التنفيذي والتشريعي في لبنان، أن يتحول بلدنا إلى واحد من بلدان استقبال هذه النفايات البلاستيكية الملوَّثة والمخلوطة بنفايات ومواد خطرة، المستوردة من بلدان أوروبا الصناعية؟
وهل أن الصيغ، التي اعتمدت في “قانون الإدارة المتكاملة للنفايات”، ولا سيما في المادتين 26 و27، جرى تمريرها خدمة لتيسير وتسهيل تحقيق هذا الهدف؟ وخدمة لمصالح مشتركة، داخلية وخارجية، على حساب مصالح بيئة لبنان وصحة شعبه وماله العام؟
نحن ندعو كل الحريصين على لبنان وبيئته وصحة شعبه، لهذا الجيل والأجيال القادمة، في الحكومة والبرلمان، والقوى والأحزاب السياسية عموما، ومنظمات المجتمع المدني البيئي، والمدافعين عن حقوق الإنسان وحقوق الفئات الإجتماعية بحياة آمنة في بيئة نظيفة وحماية صحية، وندعو كذلك مؤسسات القطاع الخاص، الصناعية وغير الصناعية، وكل القوى الحية في المجتمع اللبناني، إلى رفع الصوت عاليا، والتحضر لمواجهة أي محاولة لتحويل لبنان إلى وجهة لاستيراد النفايات الخطرة، أو الملوَّثة بمواد ونفايات خطرة، أو المختلطة بنفايات ومواد خطرة، تحت أي ظرف كان، وبمعزل عن الثغرات القاتلة في بعض النصوص القانونية، ولا سيما في القانون المسمى “الإدارة المتكاملة للنفايات”.
ندعو أيضا، القوى الأمنية والجمارك، لأن تكون في المستقبل، كما كانت دائما في الماضي، وكما هي في الحاضر، عيونا ساهرة لحماية لبنان من تسرب وتسلل صفقات من نفايات خطرة أو ملوثة ومختلطة بمواد ونفايات خطرة، تحت تسميات كاذبة في غالب الأحيان، وهذا ما خبرته مافيات الإتجار غير المشروع بالنفايات الخطرة عبر العالم، وتقوم به لتعمية السلطات في مراكز منافذ الدخول في المرافيء، أو في نقاط الدخول الحدودية البرية.
نحن أيضا، نعاهد الشعب اللبناني بـ”أننا مصممون على حماية بلدنا من أن يتحول إلى مكب عالمي أو محرقة عالمية للنفايات البلاستيكية وغيرها من النفايات، التي توقفت الصين عن استيرادها، ولم تعد تريد استقبالها.”