عندما تضيق فسحة القضاء إلى حدود ما يشبه التعطيل، وبما يؤكد أن المقصود تيئيس المواطن وتكبيل القانون عند مصالح الطبقة السياسية، فذلك يعني أن الأمور بلغت الذروة، فلتانا وفسادا وارتكابات، وأن لا حياة لمن تنادي، خصوصا وأننا موعودون بأزمة نفايات كتلك التي شهدناها غداة إقفال مطمر الناعمة، بالاستناد إلى تقارير أكدت أن مطمري “الجديدة” و”برج حمود” سيتنفدان قدرتهما الإستيعابية في نيسان (أبريل) المقبل، فضلا عن كارثة “الكوستابرافا” ودون أن ننسى تلوث الليطاني، فيما لم نشهد حيال كل ذلك إجراءات لتلافي الأزمات المرشحة للتفاقم مع بداية الربيع.

في هذا السياق، قال رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كلاما صريحا في موضوع مكافحة الفساد، غير أن الواقع السياسي المأزوم مع تعثر تشكيل الحكومة منذ ما ينوف عن الثمانية أشهر، لا يمكن أن يسهل عملية مواجهة الفاسدين والمتورطين في فضائح وصفقات، ما يعني أن الأوضاع سائرة أكثر نحو التدهور.

 

الشعب يريد إصلاح النظام

 

وسط هذا الجو الضاغط، ومع عدم قدرة القضاء اللبناني على بت الأمور بسرعة، لاعتبارات غير منفصلة عن واقع سياسي مترهل، تحرك الفريق القانوني لـ “مجموعة الشعب يريد إصلاح النظام” لمواجهة واقع الحال، وذلك بالاستناد إلى أن لا خيار متاح سوى طرق باب العدالة الدولية، انطلاقا من أن الارتكابات في مجالي التلوث والفساد تندرج ضمن نطاق الجرائم ضد الإنسانية، وتستدعي ملاحقة ومعاقبة كل مسؤول رسمي ومتعهد ومقاول ساهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة في حدوث هذا التلوث الفظيع القاتل للحياة والذي لا يمكن معالجته أو إصلاحه.

وبحسب بيان أصدره الفريق القانوني في المجموعة، فإن هذه الخطوة، جاءت “بعد تفاقم الجرائم البيئية المتمثلة بإنشاء ما يزيد عن خمسة مطامر نفايات على شاطئ البحر وتسعمئة وخمسين مكباً في الأودية وعلى ضفاف الأنهر لإحراق النفايات، والتسبب بتلوث الأنهر ومياهنا الجوفية وتدهور صحة المواطنين بشكل عام وتفشي أمراض السرطان وغيرها بشكل غير مسبوق، وعلى هدي رسالة المدعي العام لدى المحكمة الجنائية الدولية في أيلول (سبتمبر) من العام ٢٠١٦ التي اعتبرت أن الجرائم البيئية ممكن ان تعتبر من الجرائم ضد الإنسانية، ولكون أبواب العدالة والمحاسبة في لبنان مقفلة وحصانات السياسيين أسمى من حماية المواطنين وحقهم بالعيش بأمان وسعادة وصحة بعيداً عن التلوث والأمراض، كان خيارنا طرق باب العدالة الدولية علّنا نفلح في وضع حد لكل مرتكب”.

 

حماية الناس

 

ومن هنا، قام وفد من الفريق القانوني بزيارة إلى بلجيكا بتاريخ 26/1/2019، بغرض التباحث مع عدد من المحامين المتخصصين في المجال البيئي، وجرى إطلاعهم على موضوع القضية وشرح معاناة اللبنانيين المثبتة بتقارير بيئية وصحية متعددة ومتنوعة، وتم اختيار أحد مكاتب المحاماة وتكليفه البدء بتحضير الدعوى المزمع التقدم بها ضد المسؤولين في لبنان عن الجرائم البيئية بحق الشعب اللبناني، وبحسب البيان أيضا “طُلِب منا ترجمة كل التقارير البيئية والطبية التي سيتم تقديمها وتصديقها من المراجع المختصة، كما طُلِب منا تحضير لائحة تتضمن أسماء الشهود من الخبراء”.

ولفت البيان إلى “اننا اذ نؤكد أن لجوءنا إلى هذا القضاء رغم كلفته العالية، يعزو إلى عدم صلاحية القضاء العدلي اللبناني في ملاحقة المرتكبين من أعضاء الحكومة وحاشيتهم، وكون المرجع المختص بملاحقتهم هو فقط المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، والذي هو حبر على ورق وغير مفعل منذ حوالي الأربعين عاماً على إقراره، يبقى الهدف الأساس هو حماية الناس من الموت البطيء ووقايتهم من السرطان وسواه من الأمراض السارية، كما لوقف مؤامرة محارق النفايات التي ستساهم بزيادة التلوث الهوائي بعد التلوث المائي والبري”

وعاهد البيان “الجميع بأننا ومهما كانت الكلفات والتضحيات، سنستمر بملاحقة الفاسدين والمسؤولين عن هذه الجرائم أمام جميع المحافل القضائية، تمهيداً لمحاسبة كل مرتكب ظن نفسه أنه خارج إطار المحاسبة بسبب الحصانة التي يتمتع بها، وإنزال العقاب به وتحميله كامل التعويضات عن الضرر اللاحق بكل مواطن”.

 

المحامي بزي

 

وفي هذا السياق أكد الناشط البيئي المحامي حسن بزي الـ greenarea.info الذي توجه إلى بلجيكا لتقديم شكوى باسم المجموعة وفريقها القانوني أمام المدعي العام البلجيكي في قضية التلوث البيئي والنفايات في لبنان أنه يتحفظ على ذكر ضد مَن مِن المسؤولين سيتوجه بهذه الشكوى في حال قبولها.

وعزا السبب في التوجه إلى بلجيكا إلى أن “القضاء اللبناني غير مختص بمحاكمة المسؤولين عن الجرائم البيئية”، لافتا إلى أن “هذا الأمر منوط بالمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء والمعطل منذ تشكيله قبل سنوات طويلة”، واعتبر أنه “بسبب ذلك، فإن الوزير الفاسد في لبنان هو في مأمن من الملاحقة القانونية”.

وأكد أن “هذه الخطوة التي لجأنا إليها لا تتقصد المس بالسيادة اللبنانية، خصوصا وأن لبنان مختص في ملاحقتهم، وتاليا ليدرك الجميع أن لبنان ليس بلدا سائبا، وبالنهاية مصيرنا ومصير أولادنا في خطر”.

 

سابقة قانونية

 

ومن هنا، استند بزي إلى جملة من المعطيات، منها وجود ضرر لاحق بمواطنين بلجيكيين يقاضون أمام القضاء في دولتهم في حق مسؤولين ألحقوا بهم الضرر، فضلا عن أن هناك مبدأ الصلاحية الشاملة بالاستناد إلى قرار المحكمة الجنائية الدولية عام 2016 الذي اعتبر أن الجرائم البيئية إذا طاولت فئة من الناس تعد جريمة ضد الإنسانية.

وبحسب بزي أيضا، فإن “هذا الأمر ينطبق على لبنان لأن الضرر يطاول كل الشعب اللبناني ولا يقتصر على فئة وحسب”، إلا أنه قال مستدركا ان “لبنان ليس موقعا على (اتفاق روما)، ولا يعود له بالتالي المقاضاة أمام المحكمة الجنائية الدولية في حين أن القضاء البلجيكي يأخذ بالصلاحية الشاملة المتعلقة بجرائم ضد الإنسانية حصرا”، منوها إلى أنه “يحق للقاضي البلجيكي أي كان وأينما وقع الجرم”، واعتبر أن “طرح هذا الاجتهاد للمحكمة الدولية أمامه يعد سابقة لأنه يطرح للمرة الأولى أمام القضاء العالمي”.

 

 

 

 

 

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This