تَحكُم المصالح الإستراتيجية، السّياسية منها والإقتصادية، علاقات الدّول، والكيانات والأنظمة حول العالم، وهي علاقات أقل ما يُقال فيها اليوم أنها تشوّهت، ولم تعد تحتكم الى الشرعية الدّولية إلا ظاهرياً، ففي كل بلد غني بالثّروات سواءً النفطيَّة او المعدنيَّة، يَختَلِق تحالف القوى الإستعمارية، بقيادة الغُزاة الثلاثة الكبار(الولايات المتحدة الأميركية، بريطانيا وفرنسا) حججاً واهيةً ، باتت معروفة، كأن يدّعوا أنَّ البلاد يحكمها ديكتاتور يمارس القمع على شعبه، أو إنَّ الإنتخابات غير ديمقراطية والحكومة غير شرعية، أو أنّ يتذرعوا بكذبة حقوق الإنسان والحريات العامة، فتراهم يدعون فوراً مجلس الأمن الدولي الى إجتماعاتٍ طارئةٍ( بهدف إضفاء الشرعية على غزواتهم)، فيقلبون تلك البلدان رأساً على عقبٍ، يمولون بعدها مرتزقة ومنظمات إنفصالية، يدعمونها عبر وسائل غريبة ، ليست مألوفة، مُخرجين لكل بلد مسرحية على شاكلةِ “الربيع العربي” ، داعمين لقوى غوغائية (لاتمت الى الحركات الثورية بصلة)، فينتجون بذلك ما يسمى “الثورات البرتقالية”، ويجهدون الى جعل العالم كله يرى بعينٍ واحدةٍ هي في أحسنِ أحوالها عين الإمبريالية وأتباعها، مُسخرين لذلك الإعلام التّابع لهم.
اليوم، تغيَّر شكل الخطر الذي ترى قوى الإستعمار تهديداً للسّلم والأمن الدوليين، فلم تعد الشيوعية البعبع الذي يُخيف أميركا، كما لم يعد فكر “كارل ماركس” يُرعبهم، وحتى مقولاته حول إستعباد الشعوب، والحركات الثورية التي تتبناه، لم يعد لها مكتب خاص في وكالة الإستخبارات الأميريكة، فالخطر، بالنّسبة للولايات المتحدة الأميركيّة وذيولها، يتمثل بالدول الغنية بالثروات، فقط، كاليمن، إيران وسوريا، ودول الألماس الأفريقية، وصولاً الى كوريا الشمالية ودول أميركا اللاتينية التي لا تأتمر بإرادة البيت الأبيض ولا ترضخ لمخطّطاته والتي ترفض التّحوّل الى حديقة خلفية لراعي البقر “الكاوبوي” .
فمن الطبيعي جداً في ظلّ هذا التّشويه العميق للشرعية الدوليَّة، أن تقود واشنطن تحالفاً، لشنِ حرب شعواء على سوريا واليمن، ممولةً من دول الخليج العربي، ناشرةً كل أنواع الفصائل الإرهابية، كوسيلةٍ فعالة لنهب ثروات البلدين، وتهشيم كل أثرٍ للحضارة الباقية فيها، كي ينعم الكيان الصهيوني “إسرائيل” براحة البال.
ومن الطبيعي، أيضاً وتحت ضغوط إسرائيلية، وبتوجيه من فريق الصّقور في البيت الابيض، أنّ يُناقض مستشار الأمن القومي “جون بولتون” قرار ترامب بسحب قواته من سوريا، بقوله: أن الولايات المتحدة لن تستعجل في سحب القوات من التنف. وأن تُعلن واشنطن، منذ أيامٍ معدودة ، أنّها تدرس إمكانية الحفاظ على التّواجد العسكري الأميركي في قاعدة التّنف، كعامل ردع لإيران،( بحسب وكالة “بلومبرغ”) ، في خدمةٍ مباشرةٍ للوجود “الإسرائيلي”.
كما أنّه ليس مستغرباً في هذا العالم المُختل، سياسياً، أنّ يدَّعي الرّئيس التّركي “رجب طيب أردوغان”، (وهو بالمناسبة ناهب مصانع حلب عن بكرة أبيها، وحفارات النفط من المناطق الشرقية من سوريا)، في حديثه أمام الدورة 72 للجمعية العامة للأمم المتحدة(المشلولة)، أنّ بلاده أكثر دولة تقدم مساعدات انسانية للشعب السوري، وأن يعرب عن أسفه لأنَّ ” المجتمع الدولي ترك الشعب السوري وحيداً” …لكنه لم يذكر لنا نوعية تلك المساعدات ولمن يُرسلها!! ثم لماذا فتحت بلاده حدودها الطّويلة مع سوريا (تبلغ حوالي 822 كم) للوحوش كي تأكل الشعب السّوري الذي تركه العالم!!.
فتركيا، مثلها مثل الوحش الأميركي، لم تعد تهتم بمحاربة المجموعات الإرهابية، في المنطقة، بالرغم مِن أنّها تُحذّر، اليوم، من خطر انتشار الإرهاب الى كل دول العالم، ذلك لأنّ مفهوم الإرهابي تغيّر بالنّسبة لهم فبات يتمثّل فقط بــ”حزب العمال الكردستاني”، وليس داعش وأخواتها، (تسيطر وحدات الحزب على مكان النفط في شمال سوريا والعراق)!!!.
كذلك ليس غريباً على سياسة شرطي العالم، أن تقوم وحدات من مخابراته المركزية (سي آي إيه)، منذ ايامٍ، بعمليات إنزال خاصة لإنقاذ إرهابيين وقادة مهمين في داعش، من سجن لحركة “طالبان”، في ولاية “بادغيس” شمال أفغانستان ( بحسب تصريحات لحاكم الولاية).
وطبيعي جداً، أن توجّه دولٌ مثل فرنسا -التي امتعض رئيسها من قرار ترامب بالإنسحاب من سوريا، وأكد أنَّ قواته باقية في سوريا والعراق خلال عام 2019، فرنسا التي لم تَحل حتى اليوم مشاكلها المستعصية مع جماعة السترات الصفراء- إنذاراً مدته ثمانية أيام لإجراء انتخابات في فنزويلا” وأن تدعم علناً، الانقلاب الذي قام به رئيس البرلمان الفنزويلي، “خوان غوايدو” !!!.
وأن يرفض المصرف البريطاني، بتوجيه من وزير الخارجية الأميركي “مايك بومبيو” ومستشار الرئيس للأمن القومي “جون بولتون” إعطاء الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو (وهو يعلم أنّ فنزويلا تزخر بأكبر احتياطي نفطي في العالم، يُقدر بنحو 300 مليون برميل)، ودائع بلاده من الذّهب والتي تبلغ قيمتها 1.2 مليار دولار (عملية سلب واضحة).
أما الشيء غير الطّبيعي، في عالمنا المُختل هذا، هو أن تهتم تلك الدول الإستعمارية فعليًا بحقوق الإنسان، وأنّ تلتزم الشّرعية الدّولية، فتترك الحريّة للشعوب كي تُقرر مصيرها، وتتحكّم في ثرواتها، فتقضي على الفقر وتتحرّر من سيطرة المنظمات التّابعة للإمبريالية، فهل وصلنا الى حافّة الهاوية، حيث لا يمكننا حتّى الحلم بعالم ينعم فيه الإنسان، الذي هو غاية الحياة ومنطلقها، بالسلام والحياة الكريمة؟؟.
ربما وجب علينا اليوم أن نكرر النداء الشهير الذي أطلقه “كارل ماركس”، “يا أيّتها الشّعوب المُضَطهدة اتحدوا”…لبناء عالمٍ جديدٍ.