هل نشهد تقدما في موضوع مكافحة الفساد من خاصرة أزمة تلوث الليطاني؟ وهل سيوفر إعلان تشكيل الحكومة إضافة نوعية في هذا المجال مع ما وعد به رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من إعلان الحرب على الفساد؟

هذه الأسئلة ارتسمت مع صدور حكم قضائي شكل سابقة قانونية لجهة تكريس مفهوم “الجريمة المائية”، وما يترتب عليها من تحقيق مبدأ “الملوث يدفع”، فهذا الحكم للقاضي المنفرد الجزائي في زحلة تضمن إلزام مدعى عليه بجرم تلويث الليطاني، بتنظيف قسم من مجرى النهر وزرع أشجار على ضفتيه، دون إغفال أن الحكم جاء ليراعي أيضا دورة الإنتاج شريطة الالتزام بإصلاح الضرر.

مثل هذه السابقة تفترض تعميمها على مستوى كافة الأزمات البيئية، ولا سيما فيما يتعلق بما تخلفه المقالع والكسارات والمرامل من تشويه وأضرار، فضلا عن حرق النفايات المنزلية الصلبة وإلحاق الضرر بالمياه الجوفية والثروة المائية بوجه عام، وكذلك تؤكد أن دور القضاء أساس في تعميم الشفافية والحد من أسباب الفساد وتبعاته البيئية والصحية.

مضمون القرار

وفي مضمون القرار الصادر باسم الشعب اللبناني، أصدر القاضي المنفرد الجزائي في زحلة محمد شرف، حكماً بحق (ع. ب)، وهو صاحب مسلخ دجاج في رياق (قضاء زحلة،) بتهمة تلويث الليطاني بالنفايات الصلبة، وبصرف صناعي قدرت كميته بما يتراوح بين 8 آلاف و10 آلاف ليتر يومياً من دون معالجة.

وكانت مفرزة زحلة القضائية وموفدون عن وزارات الصناعة والصحة والبيئة والمصلحة قد عاينت النهر الذي يبعد عن المسلخ (المرخص) أقل من 30 متراً، وذلك في أيلول (سبتمبر) الماضي، وكيف تصرف النفايات الصلبة والسائلة الناتجة من المسلخ. وتبيّن، بحسب التحقيقات، أن “المياه العادمة تذهب إلى قسطل الصرف الصحي الذي يصبّ الدماء والبقايا الحيوانية مباشرة في النهر”.

وخلال استجوابه في المحكمة، أقرّ المتهم بأنه لا يعالج النفايات الناتجة قبل تصريفها في النهر، برغم أن لديه محطة تكرير “لأنها بدائية ولا تعمل”، مؤكدا بأنه “لم يكن بإمكاني تصريف المياه إلا في مجاري الصرف الصحي”.

الدكتور علوية

وفي سياق متابعة هذه القضية، قال رئيس “المصلحة الوطنية لنهر الليطاني” الدكتور سامي علوية، لـ greenarea.info: “إن القاضي شرف كرّس مفهوم الجريمة المائية. إذ لم تعد الموارد المائية مكاناً لا حرمة له لرمي النفايات الصلبة والسائلة، كما أنه كرّس أيضا مفهوم العدالة البيئية”.

ولفت إلى أن “الاعتداء على الموارد والثروة المائية لم يعد مجرد مخالفة يستسهل الحق العام المصالحة بشأنها”، وأشاد علوية بما تضمّنه الحكم لجهة “إعادة الاعتبار إلى مفهوم إعادة الحال إلى ما كان عليه من خلال إلزام المدعى عليه بتنظيف الجزء الذي سبّب تلويثه من المجرى وغرس الشجر على ضفتيه”.

تجدر الإشارة إلى أن الحكم جاء في ختام محاكمة المتهم بناءً على ادعاء النيابة العامة الاستئنافية في البقاع، المستند إلى إخبار قدمته المصلحة الوطنية لنهر الليطاني في آب الماضي، ضد مؤسسات صناعية في البقاع بتهمة تلويث الحوض الأعلى.

المحامي بزي

الناشط المدني في “مبادرة وعي” و”مجموعة الشعب يريد إصلاح النظام” المحامي حسن بزي قال لـ greenarea.info: “هذا الحكم يمثل سابقة قضائية، ويكرس للمرة الأولى لما يعرف بالـ (الجريمة المائية)، ويعتد به كونه الحكم الأول من نوعه لجهة مراعاته بين التوازن الاقتصادي والمصلحة البيئية للمجتمع اللبناني من حيث أنزل العقوبة الجزائية الرادعة بمدتها (سنة ونصف السنة) مع غرامة عطل وضرر، ومن حيث الإلزامات المدنية التي توجب تنظيف التلوث الحاصل ضمن مسافة ستمئة متر، فضلا عن إعادة التشجير بثلاثمئة غرسة، هذا فيما يتعلق بالعقوبة الجزائية والمدنية”.

وأضاف: “أما المواءمة الاقتصادية فهي المحافظة على المشروع الاقتصادي وعدم إقفاله نهائيا”، ورأى بزي في هذا الحكم “تشجيعا إيجابيا للمدعى عليه بوقف تنفيذ عقوبة الحبس في حال نفذ الإصلاحات وأزال الضرر ضمن فترة زمنية مدتها ثلاثة أشهر”، ولفت إلى أن ذلك بمثابة تشجيع على إصلاح الضرر مقابل إعفائه من العقوبة، وفي حال نفذ الإصلاحات فهذا يصب في مصلحة المحافظة على المشروع الاقتصاد ولم يؤدِّ إلى إفلاسه والتسبب بالبطالة”.

 وختم بزي: “هذا حكم ذكي جدا، وأرى فيه سابقة قضائية واجتهادية تستحق التقدير، وهذا حكم شامل متكامل يدرس، وكل الاحترام للقاضي شرف”.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This