كي لا نبكي غدا بعض إرثنا الثقافي والطبيعي في واحدة من أجمل وأهم المناطق اللبنانية، عنينا بها مرج بسري، هذه المنطقة المتميزة بفرادة مكوناتها الأثرية والجمالية وخصوصيتها الجغرافية والبيئية، وكي لا تحل الكارثة لصالح سد أكدت العديد من الدراسات العلمية أنه غير ذي جدوى وأضراره كارثية، صار لزاما على المجتمع الأهلي أن يرفع الصوت أكثر توازيا مع الخبراء ودعواتهم المستمرة لطي صفحة هذاالسد إلى الأبد.
في كل دول العالم، وعند دراسة أي مشروع توضع السلبيات والإيجابيات في كفتي ميزان، فإن كانت رجحت كفة السلبيات يصرف النظر عن المشروع، إلا في لبنان، حيث دائما ثمة صفقات من “تحت الطاولة”، وفي موضوع سد بسري، أكد أحد المهندسين لـ greenarea.info كلاما خطيرا، فقد سمع ما قاله خبير مغربي حين معاينة ودراسة الموقع بأن المنطقة لا تصلح لهكذا المشروع، وتحدث باللغة الفرنسية ظنا منه أن العمال الموجودون لا يفقهون الفرنسية، وأكد الخبير أنه على عمق ستين مترا هناك حصى ورمول ما يجعل من مجرد التفكير بإنجاز السد ضربا من الجنون، وبالتأكيد هذا الرأي تم تجاوزه وعدم الأخذ به، وإلا كيف نفسر أيضا أن دراسة الأثر البيئي أنجزت في منطقة لا علاقة لها بمرج بسري بحسب ما ورد إلينا تواترا؟
إن على الحكومة الجديدة أن تعيد النظر في هذا المشروع من كل جوانبه، خصوصا مع التبعات الاقتصادية وربط لبنان بمشاريع “البنك الدولي”، والكل يعلم ما لهذا الأمر من تبعات في جعل لبنان مكبلا أكثر بالديون وخاضعا لإملاءات القوى التي تدير هذه المؤسسة.
أبي راشد
في هذا السياق، قال رئيس “الحركة البيئية في لبنان” بول أبي راشد لـ greenarea.info: “يبدو واضحا الاستعجال للبدء بالاعمال التدميرية من خلال طلب أولي قدمته الشركة المنفذة للمشروع بقطع 10000 شجرة، وهذا ما شهدناه في سد جنة كبداية لتدمير الأرض بالرغم من كونها مساحة زراعية وطبيعية مهمة للتنوع البيولوجي ولجعل استكمال المشروع أمرا واقعا، وهذا الاجرام بحق الطبيعة سبق وحصل في سد جنة”.
وأضاف: “إن الشركة المكلفة بالاعمال بدأت بتسيير آلياتها نحو المنطقة مع البيوت المتنقلة لتثبيتها في الأرض تمهيدا للبدء بالاعمال، علما ان معظم الأراضي التي استأنف أصحابها في موضوع الاستملاك لم تُستملك بعد وما زالت موضع نزاع، ورأى أبي راشد ان “السير بالموضوع هو ضرب من الجنون، خصوصا بعد ما أكده الاختصاصي في علوم الجيويوجيا والهزات الأرضية في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور طوني نمر من خلال تقارير علمية لفت فيها إلى أن الموقع الذي سيشيد عليه السد هو نقطة التقاء فالقين، الأول يمر تحت النهر هو فالق بسري وفالق روم المتجه نحو بيروت”.
واعتبر نمر أن “نصف لبنان وليس فقط بيروت معرضة للتدمير إذا تحرك الفالق جراء تحميله ضغط المياه وتسربها في جوف الأرض، ما يعني ان نصف سكان لبنان معرضون للخطر إذا تم انشاء السد، هذا بالإضافة إلى انه لا يمكن التغاضي عن نوعية المياه الملوثة بالسيانوبكتيريا ومختلف الملوثات، وهذا ما أكده الباحث الدكتور كمال سليم”.
وختم أبي راشد: “إن انشاء السد هو محض جنون وسيتسبب بقتل نصف سكان لبنان إن لم يكن بزلزال مدمر أو من خلال التغير المناخي المحتم فمن خلال جر المياه الملوثة التي ستقضي على صحة الناس.
لإعلان مرج بسري محمية طبيعية وأثرية
يحتوي المرج على نحو 60 موقعا أثريا يعود معظمها إلى حقبات تمتد من العهد الفارسي حتى العثماني، مع ملاحظة وجود آثار رومانية هامة، ومن أبرز هذه المواقع معبد بسري، وهو أحد أهم المعابد الرومانية الرئيسية في لبنان، يقع عند نقطة التقاء نهري “عاريه” و “الباروك”، ويظهر هذا المعبد أربعة من أهم الأعمدة الغرانيتية النادرة، فيما باقي أجزاء المعبد ما تزال مدفونة تحت الأرض، فيما يقع بجانب المعبد جسر حجري يعود إلى الحقبة الرومانية أو البيزنطية، وحالته ممتازة.
وقد لعب هذا الجسر دورا مهما في ربط منطقتي جزين والشوف على مر العصور، هذا إلى جانب القبور الرومانية المحفورة في الصخر وكنيسة مار موسى الأثرية ودير القديسة صوفيا وغيرها من المواقع الجديرة بالحماية.
هذه المواصفات لا تستحق أن تدمر، وإنما يجب إعلان المنطقة محمية طبيعية واثرية وزراعية، وهذا ما تقدمت به “الحملة الوطنية للحفاظ على مرج بسري” و”الحركة البيئية اللبنانية” عبر طلب خطي إلى وزير الثقافة محمد داوود، كما واعلنتا أن هذه الخطوة سوف تستتبع بسلسلة تحركات تصعيدية إلى ان يتراجع المعنيون عن مشروعهم لتدمير المرج.
دعوة لإنقاذ مرج بسري
وصلت التوقيعات المطالبة بسحب البنك الدولي دعمه المالي لبناء سد بسري والحكومة اللبنانية بإلغاء المشروع وإعتماد حلول مستدامة لإدارة المياه، عوضا عن تدمير المرج حتى الساعة 11428 توقيعا وجاء في العريضة:
“مرج بسري الواقع بين الشوف وجزّين في لبنان مهدّد بالتدمير الكامل لبناء سد ثبُت أنه مكلف، غير مجدٍ ويهدّد السلامة العامّة. في حال تمّ تنفيذ السدّ، سيتمّ تدمير 6 مليون متر مربّع من المناطق الطبيعيّة والأراضي الزراعيّة، كما سوف يتمّ تفكيك أكثر من 50 موقعا تاريخيا، إضافةً إلى ذلك، من المقرّر بناء السد على فالق زلزالي ناشط، ممّا يشكّل خطراً كبيراً على سكّان القرى المحيطة”.
وجاء في العريضة أيضا: “بدل أن تعالج الدولة مشاكل المياه بحلول ميسورة التكلفة من خلال تخصيص الأموال للإدارة المستدامة للمياه واعتماد البدائل الأقلّ ضرراً على البيئة والإنسان، قامت باستدانة 600 مليون دولار من البنك الدولي مع فوائد على حساب المواطن اللبناني لبناء سد في أحد أهمّ المواقع الطبيعيّة في لبنان، متجاهلةً إعتراض الاهالي والمجتمع المدني. ولا ينتهك المشروع القوانين اللبنانية فحسب، بل يمثّل خرقاً واضحاً لأهداف البنك الدولي المعلنة والمتمثلة في محاربة الفقر، التخفيف من حدة التغير المناخي وتعزيز التنمية المستدامة”.
يهدّد البيئة والصحّة
كما أن إنشاء السد يقضي على التنوّع البيولوجي الفريد في منطقة تُعتبر ثاني أهم استراحة للطيور المهاجرة في لبنان. ويساهم السد في تغيّر المناخ بفعل قطع مئات آلاف الأشجار التي تمتصّ سنوياً حوالي 20 مليون كيلوغرام من الكربون. كما أنّ تبخّر ستّة ملايين ونصف متر مكعّب من مياه البحيرة الإصطناعيّة سنوياً يساهم بازدياد الرطوبة، وبالتالي بانتشار الأمراض الفطريّة بين الأشجار الحرجيّة والمثمرة وبتهديد صحّة السكّان المحليّين.
يقضي على الإرث الثقافي والتاريخي
يهدّد السد عشرات المواقع الأثريّة التي تعود لفترات تاريخيّة متنوّعة (فينيقيّة، رومانيّة، بيزنطيّة، مملوكيّة وعثمانيّة)، أهمّها المعبد الروماني المدفون تحت الأرض، بالاضافة إلى دير القديسة صوفيا الذي يعود تاريخ بنائه إلى القرن الرابع ميلادي وكنيسة مار موسى الحبشي.
… وعلى السهل الزراعي
مرج بسري هو السهل الزراعي الوحيد في جبل لبنان، ويتميّز بخصائص مختلفة عن سهل البقاع والسهول الساحليّة. تزدهر فيه عشرات المشاريع الزارعيّة التي يقدّر مردودها بعشرات ملايين الدولارات سنويّاً.
السلامة العامة
إنشاء السد والبحيرة على فالق بسري الناشط زلزاليّاً والمتّصل بفالق روم يهدّد بافتعال هزّات أرضيّة (reservoir-induced earthquakes) لا يمكن تقدير درجة قوّتها أو المناطق التي قد تطالها، كما أنّ إنشاء البحيرة يسبّب انزلاق التربة الرمليّة وانهيار الأراضي (Landslide).
يساهم بزيادة فقر السكان وتهجيرهم
الأراضي الزراعيّة المنتجة والأنشطة السياحيّة على ضفاف النهر تشكّل مورد عيش مستداما لا توازيه تعويضات الإستملاك الماديّة لأصحاب الأراضي، وسوف يؤدّي تدمير المساحات الزراعيّة إلى إفقار السكان وتهجيرهم ليكونوا ضحايا ادّعاءات تأمين المياه لبيروت، في حين أنّ أهالي جزّين والشوف يعانون من نقصٍ في المياه.
قطع التواصل والتلاقي بين اللبنانيين
يشكل السد والبحيرة حاجزاً إصطناعياً سيفرّق فيما بين سكّان قرى قضائي الشوف وجزّين الذين يجمعهم مرج بسري.
يساهم في زيادة الدين العام
تفوق كلفة إنشاء سد بسري المليار دولار دين، علماً أنّ تجربة السدود في لبنان لم تكن ناجحة حتّى اليوم، في ظلّ توفّر بدائل أكثر فاعليّة وأقلّ كلفة لتأمين المياه، منها إعادة تنظيم قطاع المياه الجوفيّة واستثمار الينابيع البحريّة وغيرها.
لن ينجح في تجميع المياه
طبيعة الأرض الكارستيّة المتشتقّقة والمتكسّرة والبنية الركاميّة الهشّة للقعر سوف تؤدّي حتماً لتسرّب المياه لجوف الأرض، مثلما حصل في سد بريصا وسد القيسماني وغيرهما.
لن يؤمّن مياه شفّة نظيفة لبيروت الكبرى
مياه سد بسري مهدّدة بتلوّثها بالسيانوبكتيريا على غرار بحيرة القرعون والتي لا يمكن إزالة سمومها بالتقنيات التقليديّة، كما أن اختلاط مياه بسري بمياه سد القرعون المنوي إرسالها أيضاً إلى بيروت الكبرى يجعل هذه المياه ملوّثة وغير قابلة للإستعمال المنزلي.
يخالف القوانين والإتفاقيّات الدوليّة
مشروع سد بسري يخالف القرار رقم 131/1 القاضي بتصنيف مجرى نهر الأوّلي من المواقع الطبيعيّة والمادة 4 من قانون حماية البيئة رقم 444 واتفاقية باريس بشأن التغيّر المناخي وأهداف التنمية المستدامة 2030.