كثرت في السنوات الأخيرة حالات العجز التنفسي والربو وغيرها من الأمراض المزمنة، وبعضها ينتمي إلى الأمراض المزمنة الخطيرة، في منطقة إقليم الخروب، الواقعة من ساحل الجية حتى أعالي الإقليم، حيث تتربع القرى والبلدات الكثيفة بالسكان.
تجتمع في هذه المنطقة مصادر متنوعة للإنبعاثات في الهواء الجوي، تبدأ مع الجسيمات الصلبة الصغيرة جدا ومتناهية الصغر، مرورا بغازات احتراق الفيول، وعبورا بأبخرة المشتقات النفطية الطيارة، تعريجا على غازات احتراق وقود السيارات، وصولا إلى باقة الملوثات العجيبة، التي تنبعث من حرق زبالة بلدية الجية، خلف جدار الأوتوستراد.
لا عجب من ارتفاع نسبة التعرض للأمراض الصدرية والقلبية والمزمنة الأخرى بين سكان قرى وبلدات الإقليم.
خمسة أسباب رئيسة لتلوث الهواء الجوي في هذه المنطقة، وهي التالية:
- خفَّت في السنتين الأخيرتين إلى حد كبير، وتحديدا منذ تشرين الأول 2017، وحتى اليوم، إنبعاثات الأغبرة والجسيمات الصلبة الصغيرة جدا ومتناهية الصغر، المنبعثة من معمل سبلين للإسمنت، حيث أضيفت فلاتر فعالة لالتقاط الأغبرة والجسيمات الصلبة قبل انطلاقها في الجو. وتم إيقاف العمل كليا بالمرسب الكهروستاتيكي، الذي كان يعاني كما كل الفلاتر العاملة على هذا المبدأ الكهروستاتيكي، من توقف متكرر بسبب عدم استقرار التغذية الكهربائية وتفاوت تراكيز أول أوكسيد الكربون في غازات الإحتراق، لأن هذين العاملين يؤثران كثيرا على توقف الفلتر الكهروستاتيكي الفجائي عن العمل، وبالتالي إنطلاق الأغبرة لبضعة دقائق، إلى حين يستعيد هذا الفلتر الكهربائي عمله من جديد، كما يحدث في السابق. بشكل عام، تحسن الوضع إلى درجة معقولة منذ تشرين 2017، لناحية انبعاثات الغبار في الهواء الجوي للمنطقة، بعد وضع وتشغيل فلاتر “كم القميص” أو أكياس الفلاتر Bag Filters الفعالة والتي لا تتعرض للتوقف عن العمل، بل تستبدل بشكل دوري وفق برنامج أعمال الصيانة المنتظمة. ولكنه يبقى مصدرا، ولو محدودا، لانبعاث الغبار والجزيئات، وضمن المقاييس الوطنية، ومصدرا لغازات الإحتراق في هواء المنطقة.
- غازات احتراق الفيول والمازوت، الغنية بأكاسيد النيتروجين والكبريت، بالإضافة إلى نسب أقل من الزئبق والمعادن الثقيلة، والجسيمات الصلبة متناهية الصغر، التي تحمل على سطحها مركبات عطرية متعددة الحلقات، عالية الخطورة البيئية والسمية البشرية. كل هذه التشكيلة من ملوثات الهواء الجوي تنبعث من معمل الجية الحراري ومن بواخر الجية لتوليد الكهرباء. خصوصا في فترات الدقائق الثلاثين الأولى لتشغيل الحراقات والمولدات الضخمة، حيث يكون الإحتراق غير كامل، وتنطلق الأدخنة السوداء الكثيفة، التي يشاهدها العابرون بسياراتهم على أوتوستراد بيروت – الجنوب. هذه الإنبعاثات، تصبح يضعف لونها الأسود تدريجيا، ولكنها تبقى محملة بالغازات والمركبات الملوِّثة لهواء المنطقة، سيما وأن الإتجاه المسيطر للرياح يكون جنوبي غربي وغربي في معظم أيام السنة. هذا ما يسمح بنقل وتوزيع باقة الملوثات الناتجة عن احتراق الفيول والمازوت في معمل وبواخر انتاج الكهرباء في الجية على قرى وبلدات كل المنطقة.
- تنظم إلى مجموعة الملوثات للهواء الجوي في هذه المنطقة أبخرة المشتقات النفطية الطيارة المنبعثة من مجمع استقبال وتخزين المشتقات البترولية، التابع لشركة كجك في الجية. عند التعبئة والتفريغ، ورغم كل الإجراءات التقنية للحد من تطاير المشتقات البترولية، إن أبخرة باقة من المشتقات الطيارة، تنطلق في الهواء الجوي وتنتقل مع الريح لتصل إلى المناطق السكنية. تتميز باقة المشتقات النفطية الطيارة، برائحتها العطرية المميزة، وهي أبخرة البنزين والكيروسين والمازوت وغيرها من المذيبات العضوية سريعة التبخر. هذه الإنبعاثات، حتى وإن كانت بتراكيز ضعيفة في الهواء الجوي، إنما تتميز بتأثيراتها الضارة على الصحة البشرية، والتسبب بأمراض مزمنة خطيرة.
- يشكل أوتوستراد بيروت – الجنوب، الذي يمر على ساحل إقليم الخروب، مصدرا إضافيا لانبعاث الملوثات في الهواء الجوي للمنطقة من قطاع النقل، من سيارات خاصة وعامة وباصات وشاحنات، خصوصا أن حركة السير كثيفة جدا على هذا الأوتوستراد في كل الأوقات وعلى مدار الأسبوع وفي كل الفصول. بالطبع تشتد حركة السير الكثيفة جدا ذهابا وإيابا أيام عطلة نهاية الأسبوع وأيام الأعياد، وما أكثرها في لبنان.
- آخر هذه اللائحة لمصادر انبعاث الملوثات في الجو، يتمثل بحرق النفايات في مركز تجميع النفايات التابع لبلدية الجية، تحت الأوتوستراد مباشرة. إن كل العابرين على الأوتوستراد بشكل منتظم، لا بد أن شاهدوا، لمرات عديدة ومستمرة، الدخان الكثيف، الذي يغطي الأوتوستراد، ويحجب الرؤيا ويخنق الأنفاس، وهو ينبعث من الحرق الدوري والمنظم والمقصود لنفايات بلدية الجية. وجهة الدخان الكثيف هذا، تذهب مع الريح لتتوزع على قرى وبلدات إقليم الخروب القريبة والبعيدة. باقة أخرى من أخطر الملوثات وأكثرها سمية على الصحة البشرية تنبعث من حرق هذه النفايات، وهو حرق غير كامل، وبالتالي تتكون معه أعداد كبيرة من الغازات والمركبات والجسيمات الصغيرة جدا ومتناهية الصغر، كلها عالية السمية، ومنها ما هو معروف بنشاطه المسرطن الأكيد والمحتمل على الإنسان.