نما إقتصاد الصين بشكل أكبر وأسرع من أي بلد آخر. كان ذلك على حساب التعايش مع مستويات عالية من تلوث الهواء استمرت لعقود. ولما أصبح أكبر إقتصاد في العالم، وارتفع مستوى المعيشة إلى درجات كبيرة، قررت الحكومة أن تخفض الإنبعاثات، وتقطع مع العديد من مصادرها. من ضمن هذه المصادر الرئيسة الإنبعاثات الناتجة عن عمليات تدمير النفايات البلاستيكية.
مع قدوم شهر كانون الثاني من العام 2018 قررت الصين وقف استيراد النفايات البلاستيكية من كل الدول الصناعية في العالم، من الولايات المتحدة الأميركية وكندا، ومن دول الإتحاد الأوروبي، واليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية، أي ما يمثل 56 % من كل النفايات البلاستيكية المنتجة في العالم.
هذا الحظر على استيراد النفايات البلاستيكية للعالم الصناعي، هو جزء من سياسة صينية متكاملة لدفع البلاد لتصبح أقل تلويثا وتلوثا. ولكن السؤال الكبير، ماذ يعني هذا الحظر بالنسبة لباقي دول العالم؟
تشير قاعدة بيانات تجارة السلع في الأمم المتحدة، التي تسجل كل حركة السلع العالمية بما فيها النفايات البلاستيكية، إلى أن الصين استوردت كل أنواع النفايات البلاستيكية من “البولي فنيل كلوريد” القاسي PVC، حتى أفلام البلاستيك الرقيقة من “البولي إثيلين”، منذ 1962 وحتى 1988 موعد بدء جمع البيانات بشأنها من قبل الأمم المتحدة. وتبين هذه البيانات أن الصين وحدها كانت قد استوردت 45% من كل النفايات البلاستيكية العالمية حتى العام 1992. في العام 2016 وحده استوردت الصين ما يزيد عن 7 ملايين طن من النفايات البلاستيكية للدول الصناعية في أميركا وأوروبا وغيرها. وفيما لو استمرت على هذه الوتيرة سيكون مجموع النفايات البلاستيكية، التي تستوردها حتى العام 2030 ما يزيد عن 111 مليون طن.
مع توقف الصين عن استيراد هذه النوع من النفايات في مطلع العام 2018، يطرح السؤال الكبير الآن، إذا كانت ملايين الأطنان هذه لن تذهب إلى الصين، فإلى أين ستذهب؟
على الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا ودول الإتحاد الأوروبي عموما أن تفتش عن طرق جديدة للتخلص من هذه الكميات الفائضة من النفايات البلاستيكية التي تنتجها.
يمكن لهذه الدول أن تذهب بهذه الكميات الهائلة من النفايات إلى مطامرها الصحية، أو إلى محارقها، ولكن هذين الخيارين مستبعدان بالكامل، لأنهما على كلفة عالية وفق المتطلبات الأميركية والأوروبية. ولكنهما مستبعدين أكثر نظرا لأنهما ينتجان ملوثات هواء سامة، من شأنها أن تسبب مجموعة من الآثار الصحية، تبدأ مع حكة في العيون مرورا بالأمراض التنفسية وصولا إلى الأمراض السرطانية وغيرها من الأمراض المزمنة الخطيرة. إن الخيار الآخر المتاح، الأبسط والأقل كلفة، هو تحميلها في بواخر ونقلها عبر العالم إلى بلدان العالم الثالث، في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتنية. وما شاهدناه منذ مدة من نقل لمئات الحاويات من النفايات البلاستيكية وغيرها إلى الفيلبين وأندونيسيا وفيتنام وماليزيا، هذه الأخيرة التي تحولت مؤخرا إلى بلد استقبال رئيسي لهذا النوع من النفايات. هذه البلدان تعاني من ضعف هيكلي وإداري، خلافا الصين، ولا تستطيع أن تفرض حظرا حقيقيا على استيراد هذه النفايات.
إذن، لتسهيل ظروف استقبال كميات أكبر من النفايات البلاستيكية، في بلدان العالم الثالث، حيث للدول الصناعية نفوذا وعلاقات تحت كل المسميات، هي جاهزة لرصد أموال كبيرة للمساعدة في بناء وتشغيل محارق للنفايات جديدة في تلك البلدان، لتنقل إليها نفاياتها في بواخر سوف تجوب بحار ومحيطات العالم.
نحن في لبنان، نشهد اندفاعة غير مسبوقة عند بعض الأوساط النافذة في السلطة السياسية، وتحت عناوين متعددة، نحو إنشاء وتشغيل أعداد من محارق النفايات، معظمها بقروض ميسرة وممولة ضمن مؤتمر “سيدر”، تقدر بمليار وأربعماية مليون دولار. هذا ما يجعلنا نتوقع أن يصبح لبنان وجهة أكيدة لاستقبال النفايات البلاستيكية لبعض الدول الأوروبية، باعتبارها الأقرب جغرافيا إلينا، ونظرا للعلاقات الوثيقة، التي تربط فئات سياسية نافذة عندنا وفي تلك البلدان. مع هذا التقاطع الكبير بالمصالح تتحق الأرباح الطائلة لجيوب البعض، وتتحقق أيضا الكارثة البيئية والصحية، التي تنتظر اللبنانيين مع دخول عصر المحارق في إدارة النفايات في لبنان.