يعلم إردوغان الذي وصفه الرئيس السوري بشار الأسد، في خطابهِ الأخير، بــ”الإخونجي، والأجير الصغير عند الأميركي”. أنَّ بلاده وبتوجيه مباشر منه، قد أغنَّت داعش، لدرجةٍ تفوق التَّصور، فسال لُعاب الأميركي، دون علم حلفائه، لتقوم في أيار من عام 2015 وبأمرٍ من وزير الدفاع  يومها “أشتون كارتر” مجموعة من “الكوماندس”، بهجومٍ مُفاجىءٍ على مقر المدعو “أبو سيَّاف”، في مدينة الرَّقة، بحجّةِ أنَّ لديه معلومات مهمة وسريَّة حول رهائن غربيين. علماً أنهم كانوا متأكدين، أن “أبو سيّاف” هذا لم يكن سوى المسؤول الأكبر عن عمليات البيع غير القانوني للنفط والغاز، بالتعاون الوثيق مع تركيا، تلك التجارة هي التي جعلت  التنظيم يجلس على جبال من الذهب.

يومها، انتهت العملية التي كان السبب الحقيقي(المُستَتِر) وراءها هو أن المدعو “أبو سيّاف” ، كان يعرف أين يُخبىء التنظيم الإرهابي كنوزه، بمقتَلِ الرجل، واعتقال زوجته التي قالت وكالة الإستخبارات الأميركية  حينها،  أن لديها أسراراً خطيرة، نعم كان لديها السّر الذهبي حول امتلاك داعش لأربعين طن من الذهب، تمَّ نهبها من سوريا والعراق،  بالإضافة الى أكثر من  500 مليون دولار، نهبت من البنوك الوطنية في البلدين.

إردوغان، لن يأخذ من زعماء “داعش” الذين انتهى دورهم، في نهب البلدين وتدمير البُنى التحيتة فيهما، غراماً واحداً من الـــ   40 طن من الذهب، التي سيسلمونها الى قيادة الجيش الأميركي، الموجودة في التنف، كما أنه لن ينال حتى وسام من تنكٍ ،وذلك لأن الأميركي يعمل أساساً على  إنجاح سيناريو يشبه الى حدٍ كبير أفلام “رامبو”، حيث يَقتُّل البطل آلاف البشر دون أن يُخمش، وينال في النهاية الأوسمة والتبريكات، أي أنهم سيروّجون عبر ماكيناتها الإعلامية لمشهد نصر وهمي، وذلك للظهور كبطل قضى على الإرهاب، ولتغطية تحالفها الوثيق مع “داعش”.

يرى إردوغان أن بلاده، ستخرج من المعركة بخفي حنين، وهي التي  فتحت أسواقها لمسروقات داعش، من النفط الى الغاز الطبيعي (بلغت عائداتهم قرابة ملياري دولار سنوياً) والفوسفات (بلغت عائداته 250 مليون دولار)، ومن بيع القمح والشعير( 200 مليون دولار)، والإسمنت (100 مليون دولار)، تجارة الآثار( تُقدّر “اليونسكو” عائدات بيع الأثار ببلايين الدولارات) وسهلت للتنظيم الارهابي، عمليات غسيل الأموال، وتجارة الأعضاء البشرية، وعمليات المقايضة على الرهائن فوق أراضيها، وأسواق النخاسة، أضف الى كل ذلك سهلت تجارة السلاح والمخدرات”.

وعليه فالأخونجي التركي، يريد فقط الإستِفراد وحده بالفصائل الكردية، المتأهبة أصلاً لمعاركٍ طاحنةٍ معه، والتي تعتبر نفسها اليوم، ضحية لخيانة أميركيةٍ، فقرار “ترامب” بسحب قواته من سوريا، سيتركهم أيتاماً، في ميدان غير متكافىء، أمام جحافل الجيش التركي، الذي يصفونه بأنه مُحتل، وخيانة فرنسية (أعلن وزير خارجية فرنسا في مؤتمر ميونيخ، أنه “لن يترك قواته وحيدةً إذا ما غادرت القوات الأميركية”) وأخرى ألمانية (أكدت وزيرة الدفاع الألمانية، أن مهمة التحالف يجب أن تكون تحت شعار “ندخل معاً ونخرج معاً”)..إذاً الأمر مخيف بل ومرعب بالنسبة الى الفصائل الكردية التي  تحوّلت الى قوّة تمتلك خبرات كبيرة في مجال قتال المدن، لذلك يحسب لها إردوغان ألف حساب.

إردوغان، الذي لم يستطع ممارسة المراوغة مع “الدبّ الروسي” كما مارسها مع “الكاوبوي الأميركي”، يواجه اليوم خيارين أحلاهما مُرٌّ،

الأول: هو أن ينصاع لرغبة أميركا، التي شترطت خروجها من الشمال السوري بضمان عدم مهاجمة حلفائها الأكراد، وبالتالي سيجني الكرد في شمال سوريا كل الذهب الذي تتركه داعش، ويخرج هو خالي الوِفَاضِ.
أما الخيار الثّاني فهو: أن ينسحب من سوريا بهدوءٍ، معترفاً بإنتصار الأسد في الحرب، وراضخاً لتحذيرات “موسكو” بأنّ لا مجال للمساس بالسيادة السورية، بعد إنتهاء المعركة، وبالتّالي يبقى الحلم الكردي ببناء دولته، شوكة في حلق أنقرة.

وصل “الأجير الصّغير عند الأميركي” الى اليوم الذي يتجرع فيه ذات السُمَ الزعاف الذي أذاقه للسوريين، عبر تعاونه ودعمه اللامحدود لكل  الفصائل الإرهابية التي قاتلت في سوريا، فهو اليوم بنظر الأمريكي ليس حليفاً جدياً، وهو مثير للاشمئزاز والقرف بالنسبة لملوك السعودية كونه يضج مضاجعهم بقضية مقتل الخاشقجي، فيما تمر علاقته بالإتحاد الأوروبي بأسوء مراحلها، وخاصة بعد أن انتشرت الإسلاموفوبيا في العواصم الأوربية، وكان مصدرها المهاجرين من تركيا، كما أنه يعاني من أزمة داخلية حادة وخاصة بعد أن رمى آلاف الأسر في الشارع بعد الانقلاب الفاشل ضده.

يبدو أن المعركة الكبرى الأخيرة، في الشمال السوري،  ستكون بين الأتراك والأكراد “قسد” عملاء التحالف الاستعماري، وربما يطحن أحدهم الآخر، ولكن المؤكد أن الحرب على سوريا، ستنتهي يوماً ما، ولن يستطيع أحداً منع الربيع من القدوم، والتركي  الأجير سيبقى أجيراً، يداه ملوثتان بدماء الشعب السوري…والدّم مابيصير مَيّ، لن ننسى ولن نسامح،  يقول السوريون .

 

 

 

 

 

 

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This