ليس ترفا أن نكتب عن قتل طائر البوم، في ظل ما نشهد من إبادة تتعرض لها الطيور المهاجرة والمقيمة على حد سواء، فالعام الفائت كان موسما لقتل الطيور كافة بمختلف الطرق الممنوعة والمسوح بها وبأعداد مخيفة قبل افتتاح موسم الصيد وخلاله، ما يعني أننا أمام حالات مرضية بالدرجة الأولى مع انتشار ثقافة القتل، تكن العداء لكل ما يصفق بجناحيه ويعلو، وتستسهل القتل وتسميه “صيدا”.

في هذا السياق، وصلت أمس لـ greenarea.info شكوى من الناشط البيئي المهندس وسيم بزيع أشار فيها إلى أن مواطنين في بلدة دير عامص في جنوب لبنان (قضاء صور)، وجوا في الحقل طائر بوم من نوع “بومة الحظائر” أو “بومة المخازن” مصاب بطلق ناري، ما يؤكد أن هذا القتل كان بقصد التسلية، علما أن وزير البيئة فادي جريصاتي كان قد أعلن إقفال موسم الصيد البري بدءا من 15 شباط (فبراير) الجاري، وطالب الصيادين بالالتزام بنص هذا القرار، وناشد في الوقت عينه القوى الأمنية وحراس الأحراج التشدد في قمع أي ممارسات للصيد البري قد تحصل خارج موسم الصيد الرسمي، وتنظيم محاضر ضبط بالمخالفين وإحالتهم إلى المراجع المختصة.

عدو القوارض

تجدر الإشارة إلى أن الصيد ممنوع أساسا في جنوب الليطاني، وهنا ثمة ثلاث مخالفات، الأولى ومتمثلة بالصيد في منطقة أمنية، والثانية الصيد خارج الموسم، أما الثالثة وهي الأهم أن “الصيد” طاول طائرا غير مسموح صيده لا في الموسم ولا خارجه، خصوصا وأنه يعتبر من أهم الطيور في الحفاظ على التنوع الحيوي وحماية الإنتاج الزراعي كونه يقتات فئران الحقول والقوارض بشكل عام، كما يقتات أيضا على السحالي والبرمائيات والحشرات، والمعروف أن الطائر الواحد يلتهم ما بين ثلاثة وأربعة فئران في اليوم الواحد، ما يجعله في الصدارة على قائمة المفترسات للقوارض والفئران التي تشكل التحدي الرئيسي للمناطق الزراعية والأرياف.

وكلنا يعلم أن المزارعين يستخدمون المبيدات الشديدة السمية للتخلص من هذه القوارض، وهذا ما يترتب عليه نتائج خطيرة لجهة تعرض المزارع نفسه للخطر، فضلا عن تلوث التربة والهواء والمياه الجوفية، ويقضي على النحل ويهدد المظومة البيئية بكل ما فيها وعليها.

الأهمية الإيكولوجية

ولا يمكن التقليل من أثر قتل طائر واحد من البوم، نظرا لأهميته الإيكولوجية، وبدلا من أن تلجأ الدولة إلى إكثار الطائر وزيادة أعداده كمفترس طبيعي للآفات الزراعية، ما نزال نشهد عمليات قتل وإبادة في وقت باتت في أعداد هذه الطيور نادرة وقليلة جدا.

وفي هذا الإطار ثمة دور للبلديات كسلطات محلية والمخافر وحراس الأحراج والقوى الأمنية التشدد في قمع المخالفات، والتوجه في المرحلة المقبلة إلى تبني مشاريع ترعاها وزارتا البيئة والزراعة للتشجيع على استقرار وتكاثر هذه الأنوع نظرا لأهميتها في تنمية الأرياف، والحد من تداعيات انخفاض أعدادها على صحة وسلامة المواطنين وحماية الأراضي الزراعية.

البروفسور جرادي

وفي هذا الإطار، وبحسب خبير الطيور البروفسور غسان جرادي “ينتمي بوم الحظائر إلى رتبة البوميات، ولكنها تمثل لوحدها فصيلة كاملة، ألا وهي فصيلة البوهة (البوهة في اللغة العربية ذكر البوم). اسمها باللاتينية وبالعربية هو البومة البيضاء وبالإنكليزية بومة الحظائر، وبالفرنسية البومة العظيمة أو البومة الجميلة”.

تبلغ من الطول حوالي 36 سنتمتراً وتزن بين 190 إلى 450 غراماً. ويسهل التعرف عليها من وجهها الذي هو على شكل قلب أبيض اللون. لهذه البومة أجزاء علوية ذهبية مع لون رمادي فاتح ومرقش بنقاط قاتمة. الأجنحة مستديرة تساعدها على المناورة وذيلها قصير، وريشها ناعم لا يسمع له صوت أثناء طيرانها ما يساعدها على مفاجأة فريستها. لهذه البومة حراشف على الجوانب الداخلية لإصبعها الأوسط مما يجعله كالمشط تمشط به ريشها من أجل الحفاظ عليه نظيفاً.

تعيش في الأميركيتين وأوروبا وأفريقيا والجزيرة العربية والهند وجنوب شرق آسيا وأستراليا. وتألف مجموعة متنوعة من الموائل، ويتحكم بهذا الأمر توافر الموارد الغذائية. نجدها في الأماكن المفتوحة والمزروعة المصحوبة بأشجار متفرقة، وحول المدن وفي القرى والمباني المعزولة أو المهجورة من أجل التعشيش أو المبيت.

وبحسب جرادي أيضا “في لبنان نجدها على سبيل المثال في غرف آثار عنجر، وفي كهوف منطقة الباروك وفي الإسطبلات وبيوت “الطرش”، وفي أبراج أجراس الكنائس في معظم المناطق، كما في سقيفة المنازل القديمة في بيروت المقابلة للمرفأ حيث إهراءات القمح، ليس لأنها تأكل القمح بل لأنها تصطاد الفئران في الليل التي ربما تتغذى على القمح الذي يتسرب إلى الأرض عند تعبئة الشاحنات”.

 

طائر مقيم

 

ويضيف جرادي: “هذه البومة تتغذى أساساً على القوارض، غالباً في الليل لأن الصقر يحل مكانها للقيام بهذه المهمة في النهار. وهذا يمنع التنافس بينهما. تطير سابحة فوق الحقول وتنقض على فريستها بعد تحديد موقعها وتقبض عليها بمخالبها الطويلة وتبتلعها ابتلاعاً كاملا بجلدها وعظمها وجمجمتها. بعد ذلك تتقيأ المواد التي لا تستطيع هضمها كالشعر والعظام في المكان الذي تبيت فيه أو تعشش به. أثناء الصيد تقوم البومة البيضاء بتحديد موقع الطريدة من خلال السمع ومن دون رؤيتها. وكل أذن لديها تستطيع أن تسمع شيئاً مختلفاً. تستقبل الأصوات بواسطة أسطوانة وجهها التي تعمل مثل “الدش” اللاقط، والتي تسمح لها بسماع حفيف الأعشاب التي تتسبب بها الفئران”.

ويتابع: “البومة البيضاء هي طائر مقيم، ليلي النشاط ويعيش منفرداً. يبيت في تجويفات الأشجار أو المنشآت القديمة، خصوصا المهجورة، خلال النهار. يبقى الزوجان مخلصان لبعضهما البعض طول العمر، ويجددان حبهما لبعض عند أول كل موسم تفريخ، حيث يقومان بطقوس الزواج المتمثلة بحركات مداعبة أثناء الطيران”.

ويقول: “عندما تشعر البومة البيضاء بالخطر كاقتراب شخص ما أو حيوان مفترس من مكان تعشيشها فإنها تقوم بتهديده، أولاً من خلال فتح جناحيها وتوجيههما إلى الأمام، فإن لم يكن ذلك رادعاً، فإنها تبدأ بتحريك رأسها إلى الأمام والخلف بصورة متكررة ومصحوبة بصرير صوتي. وإذا ما كان الدخيل مصراً فلا تتورع عن مهاجمته وضربه بمخالبها”.

 

كثرة الأعداء الطبيعيين

 

في العش الذي يكون في تجويفات الأشجار، أو في الأسقف تحت القرميد، أو في مغاور صغيرة أو في أعشاش اصطناعية، تحضن الأنثى البيض (4-7 بيضات)، ويجلب الذكر لها الطعام. وعندما يفقس البيض يستمر الذكر بإحضار الطعام، ولكن الأنثى هي التي تقوم بإطعام الصغار لوحدها. أما تنظيف العش فيتم بمشاركة من الذكر وأنثاه. بعد استقلال الصغار عن أهلهم تضع الأنثى بيضاً للمرة الثانية، وفي بعض الأحيان للمرة الثالثة.

تعيش البومة البيضاء، بحسب جرادي حوالي السنتين، وذلك لكثرة أعدائها الطبيعيين مثل البومة الكبيرة والثعالب وأبناء آوى والأفاعي. لذلك فإن استمرارية النوع تعود إلى عدد البيض الذي تضعه الأنثى الواحدة بالسنة والذي قد يقارب العشرين بيضة. وهناك خطر آخر يتهدد هذه البومة وغيرها من أنواع البوم، وهو اعتقاد الناس الخاطئ في بلادنا أن البومة نذير شؤم، ما يدفعهم إلى قتلها. وهي نفسها التي تعتبر في أوروبا حسن حظ، إلى درجة أنهم إذا أرادوا في فرنسا مثلاً أن يقولوا هذا الشيء جميل، فإنهم يقولون c’est chouette. وهذه الكلمة الفرنسية، هي إسم لبعض أنواع البوم في فرنسا.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This