تُحارب الولايات المتحدة الأميركية، وتحالفها الإستعماري، منذ حوالي عقدٍ من الزّمنِ (منذ هبوب رياح الربيع العربي الفاسدة)، سبع دولٍ عربيةٍ (العراق، سوريا، اليمن، ليبيا، السودان، إيران والصومال)، بحجةِ نشر الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، وتمتلك هذه الدول من الثرواتٍ، ما أثار ويثير شهيّة المستعمر الباحث عن مصادر الطاقة، وإن على حساب تدمير الكوكب كله، فعداك عن غِنى سوريا والسودان بالأراضي الزراعية والمياه، والموقع الإستراتيجي لكلٍ من اليمن والصومال، تحتلُ “إيران” المركز الثالث عالمياً، باحتياطي نفط يبلغ 160 مليار برميل، تليها العراق بـ 147.2 مليار برميل، في حين تحتل ليبيا المركز الثامن بـ 48.4 مليار برميل، تلك الثروات أعطت المحتل الأميركي حافزاً قوياً لغزوِ بعض الدول ومن ثم الإنسحاب منها بشكلٍ وهمي، والإستمرار بنشر جيوشه وأدواته، لإنتاج أجيالٍ من الإرهابيين، واستنباط تنظيمات إرهابية (بحلة أحزابٍ سياسية)، وكذلك إعادة إنتاج فصائل إنفصالية (على غرار قسد، مسد)، لتعمل كلها على خدمتهِ، بشكلٍ مباشرٍ عبر تدمير تلك البلدان وتسهيل نهبها، أو غير مباشرٍ، عبر التطبيع مع دولة الكيان الصهيوني حيث سعت “الرّخويات” في الدّول الخليجية، مؤخراً، للتطبيع مع الإحتلال الإسرائيلي، في مؤتمر عالمي، علني، عُقِدَ في وارسو، تحت شعار “مستقبل السّلام والأمن في الشّرق الأوسط”، (يقصدون السلام مع إسرائيل وحماية أمنها)، قد بدؤوا بالتطبيع منذ أن كانوا يسكنون الصّحاري في بيوت مصنوعة من شعر الماعز، أواخر سبعينيات القرن الفائت، أي مباشرة بعد أزمة النفط، التي خنقت حكومة “ريتشارد نيكسون”، الحكومة التي وضعت أسس للبدءِ بنهب البترول من قبائل الخليج الغارقة في التخلف، فنقلتها من حياة البداوة الى مجتمع شبه رأسمالي، (وهذا ما يُبرر النمو السريع، لمدن مثل دبي وأبو ظبي).
بدأ التّطبيع إقتصادياً، عسكرياً، دبلوماسياً، إعلامياً، تكنولوجياً، وحتى رياضياً، في مؤتمر “وارسو”، منذ عقودٍ، حيث أن نقل الخطوط الجوية الخليجية، لآلاف الرّكاب من وإلى دولة الكيان، لا يقل فضائحيةً عن مشاركة “إسرائيل” في معرض للسّلاح في قطر، وحضور ممثلين عنها في مهرجانات الخيول العربية في الدوحة، كما لا تقل فظاظةً عن حصول شركات أمنية إسرائيلية أبرزها “إي جي تي” على عقود لحماية آبار النفط في الإمارات العربية المتحدة، ولاحتى عن مشاركة القوات الإماراتية نهاية عام 2017 في مناورات “العلم الأحمر” في اليونان إلى جانب “إسرائيل” والولايات المتحدة الأميركية، كما لا تقل خطورة عن شراء قطر لكميات كبيرة من الأسلحة الإسرائيلية.
تجلى الشكل الأول للتطبيع السعودي بعد انتصار الثورة في “إيران”، حيث اتخذت كل من “إسرائيل” والسعودية ذات النهج المعادي لطهران، وتعمَّق في المؤتمر الذي عُقِدَ عام 2015 في واشنطن، ونظمه مجلس الشؤون الخارجية الأميركي، والذي دار فيه الحديث الشهير بين اللواء السعودي المتقاعد، رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات السياسية والإستراتيجية في جدة، “أنور عشقي” والمدير العام لوزارة الشؤون الخارجية الإسرائيلية “دور غولد”، حول “إيران” كعدوٍ مشترك للسعودية وإسرائيل معاً، علماً أن هذا اللقاء جاء بعد خمسة لقاءات دارت حول ذات القضية (بحسب صحيفة بلومبرغ).
كذلك طبَّع الإماراتيون، بعد أن جمعهم مع “اسرائيل” تهديد “إيران” لهم، فأعلنوا ذلك جهاراً في عام 2009 في عهد “أوباما”، وبعدها في عام 2012، التقى نيتانياهو مع وزير خارجية الإمارات العربية المتحدة في نيويورك. وفي مارس 2018، اجتمع نتانياهو مع سفيري الإمارات والبحرين لدى الولايات المتحدة في مطعم في واشنطن العاصمة، بعدها أعلن وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شطاينس،عن تدشين أنبوب بحري لنقل الغاز من “إسرائيل” إلى أوروبا بتمويل إماراتي ودعم أوروبي.
فيما طبَّعت قطر رسمياً، بعد “مؤتمر مدريد”عام 1991، عندما أعلنت افتتاح المكتب التجاري الإسرائيلي في الدوحة، ووقعت إتفاقيات لبيع الغاز الطبيعي لإسرائيل، تلاها إنشاء بورصة الغاز القطرية في “تل أبيب”، وتوالت تلك المشاهد الى يوم توقيع القطريين على معاهدة التجارة الحرة “الغات” والتي تشترط عدم مقاطعة إسرائيل، والى حينِ نقلهم، بعد اندلاع الحرب في اليمن، ما تبقى من يهود اليمن، الى تل أبيب، على متن الخطوط الجوية القطرية.
إنّ اعتماد ملوك وامراء الخليج لمسمياتٍ وصّفتها لهم وكالة الإستخبارات الأميركية، يعني أنّهم قد أصيبوا بجهالةٍ، كونهم يعتبرون التطبيع حواراً طبيعياً مع دولةٍ جارة (إسرائيل)، وقتل أطفال اليمن وتدمير الحياة في سوريا، هو جهاد في سبيل الله، أما العداء لــ” إيران” فهو دفاعٌ شرعيٌ عن الأمة الإسلامية، قوم لا يجيدون العمل السياسي، الدبلوماسي والعسكري، لكنهم كلاب حراسة لا يتخلى عنها الإسرائيلي، ودجاج يبيض ذهباً..لن يدعها “الكاوو بوي” الأميركي تفر منه لتعود الى أحضان العرب.