عشرون دقيقة تستغرقها السلاحف البحرية للتزاوج، فبعد أن تقبل الأنثى الذكر في طقس خاص يقوم بالصعود فوق درعها الظهري، ويحضنها بأطرافه المجذافية الأمامية وتبدأ العملية، هذا ما بدأنا نلاحظه على امتداد بحر لبنان وفي مواقع محددة منه، وهذا أيضا ما وثقته عدسة الناشطة البيئية والمشرفة على “حمى المنصوري الشاطئية” في قضاء صور منى خليل، والمعروف أن معيشة هذه السلاحف تتركز في ما يعرف بـ “المناطق العليا من عمود ماء البحر”، وتتواجد في المياه الساحلية فقط خلال موسم التكاثر.
عملية التزاوج
وفي هذا السياق، ثمة اعتقاد ظل راسخا لسنوات طويلة مضت بأن السلاحف البحرية تكون ذات معيشة سطحية في البحر، إلا أن الدراسات أظهرت أنها تغوص إلى أعماق كبيرة، كما تبين من خلال الدراسات أيضا أن الذكور غالبا ما تتبع الإناث وتشم رائحتها قبل بدء طقوس المغازلة، ترفرف الذكور بمخالب الأرجل الأمامية حول وجه الأنثى، تستجيب الأنثى
للإشارة إذا كانت مستعدة للتزاوج، ومن الشائع أن يقترب أكثر من ذكر حول الأنثى، إلى أن تختار واحدا من بينهم.
خليل
وتجدر الإشارة في هذا المجال إلى أنه بعد توثيق خليل لبدء تزاوج سلاحف البحر والتأكد من بدء موسم التزاوج، أشارت لـ greenarea.info إلى “ضرورة تعميم الوعي، وإفساح المجال لهذه الكائنات الرائعة لتمارس طقوسها بشكل طبيعي بعيدا من تدخل الإنسان، لنؤمن لها الظروف المثلى للتكاثر والاستمرار”.
خطران داهمان
ولفتت إلى أن “ثمة خطرين داهمين يتهددان السلاحف خلال هذه الفترة، الأول يتمثل بما قد تتعرض لها من صدمات بسبب القوارب والمراكب، والثاني وهو الأشد خطرا فيتمثل باستخدام الديناميت الذي لا يهدد السلاحف فحسب، وإنما سائر المنظومة الأيكولوجية البحرية”.
ليست بالضرورة ممتعة
وأضافت: “إن موسم التزاوج هو على الأرجح أحد الأحداث الاجتماعية القليلة للسلاحف البحرية الانفرادية، فكل من الإناث والذكور سوف يختلطون ويتزاوجون مع أكثر
من شريك واحد”، ولفتت خليل إلى أن “الأنثى تمتلك القدرة على تخزين وتخصيب بيضها مع الحيوانات المنوية للشركاء المتعددين، ويمكن أن يكون لقابض (مجموعة) واحد من البيض أكثر من أب واحد، وهذا ما يضمن التنوع الجيني”.
وأشارت إلى أن “فترة الجماع ليست بالضرورة ممتعة، على الرغم من أن الذكر قد يكون شريكا مع أنثى، إلا أن مكانه يمكن أن يتم تهجيره من قبل ذكور آخرين”، وقالت: “المنافسة بين الذكور قد تكون شرسة لا تؤذي الذكور فحسب، (من خلال اللدغات) ولكن قد تؤذي أيضا الإناث، وتجبرها هذه العملية على الظهور بشكل أكثر تكرارا، والبقاء على مقربة من السطح لفترة أطول، ما يجعلها عرضة لضربات القوارب في حيث تتزاوج عادة بالقرب من الشواطئ، فضلا عن الخطر المتمثل باستخدام الديناميت”.
احترام هذه الكائنات
ودعت خليل عبر greenarea.info “المواطنين والصيادين وأصحاب المراكب إلى توخي الحذر واحترام هذه الكائنات وإفساح المجال أمامها لتتكاثر، خصوصا وأن ما تسديه لهم من خدمات عبر الحفاظ على التوازن البيئي يعود عليهم بفوائد كبيرة، وهذا التوازن مطلوب وضروري كي لا نواجه تبعات خسارة هذا التنوع الحيوي الغني، ولا سيما على شواطئنا”.
وطالبت “الجهات المعنية التشدد في قمع أي تعد بالديناميت قد يحدث من قبل من لا يحترمون قوانين الصيد البحري”.
أقل الإيمان
وفي سياق متصل، يجيب ألا يغيب عن بالنا أنه خلال الشهر المنصرم، حدثت حالات نفوق عدة للسلاحف البحرية، ومعظم هذه الحالات تبين لاحقا أنها ناجمة عن تعرضها لصدمات أدت إلى نفوقها، ويهمنا في هذا المجال أن نطل على هذا الموضوع من جانب أكثر جمالية وتفاؤل، من الجانب المحكومين به في ظل الفوضى واستمرار الجرائم البيئية، فهذه الكائنات ما زالت تكافح وتجابه لتؤمن سبل ديمومتها واستمرارها، ومنها بشكل خاص التزاوج، لأنه السبيل الوحيد لتكاثرها، وما علينا إلا توفير بعض الحماية وهذا أقل الإيمان.