في سياق متابعتنا لملف النفايات المنزلية الصلبة، كنا دائما نقول ان ثمة حاجة لإطلاق حوار جدي بين الدولة بأجهزتها المعنية وهيئات المجتمع المدني والبلديات على امتداد لبنان، يمكن من خلاله أن نصل إلى ما يمهد لتبني مفاهيم جديدة لدى المواطنين تغير نظرتهم للنفايات واعتبارها مجرد مرفوضات بالكامل، هذا من جهة، ومن جهة ثانية أن يمهد هذا الحوار لإعداد استراتيجية رسمية تقرها الحكومة ويصادق عليها مجلس النواب، ومن ثم ترصد لها الموازنات عوضا عن هدر المال وإضاعة الوقت فيما نواجه تبعات التلوث، خصوصا وأننا في لبنان لدينا تجارب ناجحة (جزئيا وكليا) على مستوى مبادرات وتجارب فردية وعلى مستوى بعض البلديات يمكن تبنيها وتعميمها، علما أنها لا تلغي دور الدولة في مقاربة هذا الملف مقاربة شاملة.
من هنا، كانت ثمة حاجة لترسيخ قواعد ثابتة يُبنى عليها من قبل الحكومة، وهذا ما بدأنا نتلمسه مؤخرا، وفي هذا السياق، جاءت دعوة وزير البيئة فادي جريصاتي للبلديات التي
تعتمد الفرز والجمعيات البيئة والأهلية الناشطة في هذا المجال لعرض التجارب وإمكانية وفتح حوار جدي.
جريصاتي
وترأس الوزير جريصاتي ورشة عمل انعقدت في القاعة الخضراء في وزارة البيئة، حول موضوع فرز النفايات من المصدر بعنوان “من Home ببلش الفرز، الفرز مش خيار… واجب”، وقد أدارها مستشار الوزير شاكر نون ورئيس مصلحة البيئة السكنية بسام صباغ بمشاركة 30 بلدية و37 جمعية بيئية وممثلين عن برنامج الامم المتحدة الانمائي وخبراء بيئيين بالتنسيق مع رئيسة مصلحة التوجيه البيئي لينا يموت.
وكان لافتا للانتباه دعوة جريصاتي الى “التكاتف معا ونسيان الماضي وفتح صفحة جديدة من التعاون مع الوزارة” مبنية على اعتباره وزيرا جديدا “وليس ممثلا لكتلة سياسية”، ووعد الشعب اللبناني بفعل المستحيل لتعميم ثقافة الفرز من المصدر لرفع صورة لبنان عاليا، معتبرا أنه “من المعيب ونحن على عتبة الـ 2019 أن يطمر لبنان نفاياته في البحر أو الجبال والوديان بدلا من فرزها”، وقال في غمرة اندفاعه “وحياتكن رح نفرز”.
ودعا جريصاتي “المجتمع الأهلي إلى التعاون”، منوها إلى أنه “في هذا الموقع أريد أن أستفيد من تجاربكم وخبراتكم ورحلتكم الطويلة في مجال الفرز من المصدر”، واعدا “بخطط وقوانين بدأت الوزارة فعليا العمل عليها”.
صباغ
ومن جهته، أعلن رئيس مصلحة البيئة السكنية بسام صباغ عن مشروع قانون تعمل عليه الوزارة يتضمن تحفيزات للفرز من المصدر تخص البلديات والجمعيات، واعتمدت من خلاله القرار 1/7 الذي حدد عملية الفرز، لافتا إلى أن مشروع القانون ما زال قيد الدراسة، ونوه إلى أن ثمة خيارين حول استخدام ثلاثة أو أربعة مستوعبات للفرز، وأشار إلى أن “هناك ضرورة لتجهز البلديات مراكز لاستلام النفايات، فالقانون حدد لامركزية المعالجة مع إصدار دفاتر شروط موحدة للبلديات لاحقا من أجل ضمان الجودة ونوعية الخدمة.
ولفت صباغ إلى أن “البلدية التي ستفرز نفاياتها سيكون لها الحق بجباية رسوم يقابلها خدمات للمواطنين من أكياس ونقل نفايات، كما يعطى الحق للبلديات بتنظيم محاضر ضبط تصاعدية بحق المخالفين”.
مداخلات وتجارب
وفي هذا السياق، أبدى المجتمعون ترحيبا بمشروع القانون، واعتبروا في مداخلات أن هذا الأمر هو المدخل الأساس لحل أزمة النفايات، خصوصا وأنهم ينتظرون بفارغ الصبر الشروع في معالجة علمية ومدروسة لهذا الملف، معتبرين أن الحل يبدأ بالفرز من المصدر، وهو بمثابة حلم بدأ الكثيرون منهم العمل على تحقيقه، وما كان ينقصهم سوى الشراكة مع الدولة لدعمهم عبر قوانين واضحة وشفافة.
بعد ذلك كانت مداخلات ركزت حول تجارب البلديات والجمعيات البيئية في موضوع الفرز من المصدر بهدف تبادل الافكار والخبرات، وتناولت مختلف التفاصيل حول عملية الفرز لكل تجربة على حدة، وكلفتها المالية واللوجستية وصولا إلى حصر عملية الفرز وتحديد حجم المفروز وكميته، وبرزت في هذا المجال تجربة دير الزهراني، طبرجا، عربصاليم، عبيه – عين
درافيل، جبيل، شعاع البيئة (الصرفند)، بيت مري، قانا، Green globe، جمعية شباب قانا، صيدا، جمعية الأرض (بعبدا)، جمعية الميدان (زغرتا)، Arc en ciel، اللقاء البيئي في راشيا، مبادرة الضاحية وغيرها من البلديات والجمعيات وعشرات المبادرات.
وقد استمع الوزير جريصاتي وتوقف عند كل من هذه التجارب لمدة أربع ساعات متتالية، ويمكن القول أن هذه الخطوة غير مسبوقة على مستوى وزراء البيئة في لبنان من حيث مقاربتها لتفاصيل دقيقة وعملانية، إضافة إلى قناعة واضحة ترسخت لدى جريصاتي بأن الفرز الأولي هو الموحد الأساسي للتوصل إلى إدارة مستدامة للنفايات.