تستميتُ القوى الإستعمارية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، في عدائها لسوريا، وخاصةً بعد أنّ انتهى(أو يكاد) ما يسمى بالربيع العربي، و انتهت مفاعيله”الثورية” الكاذبة، وتبين لها أنَّ هذ البلد عصيٌ على الإنكسار، فبعد أن نهبت ثرواته، قتلت وشرَّدت أهله، ودمَّرت معظم بناه التّحتية، تسعى اليوم جاهدةً لتمديد بقائها في المنطقة، بحججٍ مختلفة أوّلها: أنّها باقية حتى القضاء نهائياً على “داعش”، وأنها ستحارب الإرهاب في أخر جيبٍ له في (الباغوز)، ثانياً: أنها لن تترك التركي يتحكّم بمصير ذيولها مِنَ الأكراد (قوات سوريا الديمقراطية “قسد”)، وبحجةِ أنّها تريد ضمان سلامة المقاتلين الكُرد، بينما يسعى التركي، وهو مُستَعمِر قديم جديد للشمال السوري) لإقناع الرّوس بمنحه الحق في البقاء وحيداً في (المنطقة الآمنة) كي يتمكّن من حَرقِ حلم كل الفصائل الكردية بإقامة كيانها المُستقِل. هذا الحلم الخَطِر الذي يُقلق أنقرة أيّما قلق، فالجميع يبحث عن مبرر شرعي لبقائه في سوريا، وعن أدواتٍ جديدةٍ، كي تستمر الحرب وإن بأشكالٍ مختلفةٍ.
وتعمل تلك القوى الإستعمارية، باستمرار على خلط الأوراق في المنطقة، لتخرج بورقة “جوكر”، تستخدمها في ظرف مناسب، وتطوّعها ضد الدولة السّورية، متهمة إياها باستخدام السّلاح الكيماوي، وبإنتهاك حقوق الإنسان، والتّضييق على الحريَّات العامة، وما إلى هنالك من حججٍ واهيةٍ إعتاد المستعمر على استخدامها في كل أصقاع الأرض. وليست قضية نازحي مخيم الركبان، على الحدود الأردنية، سوى إحدى تلك الأوراق التي تحاول الإستفادة منها كأداةٍ تساعد في إستمرار الحرب.
يعيش في مخيم “الركبان”، حوالي تسعون ألف إنسان، نزحوا من مناطق سيطرة الفصائل الإرهابية وخاصة من الرّقة، تدمر ودير الزور، وهم من فقراء الفلاحين، رعاة ومربي أغنام، موظفين وصغار كسبةٍ ، لا ناقة لهم ولا جمل في الحرب القذرة التي شُنت على سوريا، والذين مُنِعوا بعد تهجيرهم من بيوتهم، من دخول الأراضي الأردنية( منذ هجوم داعش على قوات حرس الحدود الأردنية في عام 2016)، كذلك منعهم أبناء العشائر الصحراوية، ومقاتلي فصائل “مغاوير الثورة” المدعومة أميركياً، بعد سيطرتهم على المخيم وتحويله الى سجنٍ كبير، من الخروج منه إلا بعد دفع مبلغ 1500 دولار. علماً أنّ ممثلي المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، الذين زاروا المخيم، الشهر الفائت، استبينوا رغبات قاطنيه، وكان 80% منهم يريدون العودة إلى الأراضي الخاضعة لسيطرة الدولة السورية.
تسعونَ ألف نازحٍ في الرّكبان، يعيشون في خيمٍ فقيرةٍ، ويعانون كلّ ساعة من شَظَفِ العيش ومُرَّه، لم يكفيهم التّشرد والفقر والأمراض، وموجات الصّقيع التي حصدت أرواحَ العشراتِ من أطفالهم، كما لم تكفهم الأمراض السّارية والنّقص في الرّعاية الصّحية، ولا حتى الطوفان الذي ذهب بنصف خيمهم، ليأتي بضعة كذبة تابعين للمعارضة السورية (28 لاجئ) ممن يعيشون حياة رغيدة في الأردن، فيوكلون باسمهم محامي الإرهاب “رودني ديكسون” كي يتقدّم بدعوى قضائية للمدعي العام في “محكمة الجنايات الدولية” طلباً لفتح التحقيق مع الرئيس السوري بشار الأسد ومسؤولين سوريين آخرين، بحجةِ ارتكابهم أو مشاركتهم في جرائم ضد الإنسانية “.
المحامي البريطاني “رودني ديكسون”، الملقب بـ “محامي الشيطان القطري”، صاحب المسيرة الحافلة بالدفاع عن الإرهاب والإرهابيين؛ فبفضل جهوده الحثيثة تمّ رفع اسم شيخ الإرهاب “يوسف القرضاوي” من اللائحة الحمراء للأنتربول الدولي حول الإرهاب.. وهو من تولى الدفاع عن الرئيس السابق لمصر الإخواني “محمد مرسي”، وأيضاً ناب عن “عبد الله السنوسي” في الوضع الليبي، ودافع بشراسة عن إمراء قطر، وترافع عن حكومة الملكة إليزابيث في قضية حرب العراق الثانية، كذلك دافع عن قادة الحزب النازي في محكمة نورينبرغ، وعن الأميركيين في جرائم حربهم على الفيتنام، فتاريخه حافل بالدفاع عن المستعمر وتبرئته من جرائمه، وبإستثمار وجع الشعوب، كما فعل في قضية العراق، كينيا، والسودان (بلدان نهبها التحالف الإستعماري ذاته).
رُفِع الطلب الى محكمة الجنايات الدولية، التي تُنصب نفسها كمُدافعٍ عن حقوق الإنسان حول العالم، في الوقت الذي ترفض كلٌ من الولايات المتحدة و”اسرائيل”حتى يومنا هذا الإعتراف بها و الإنضمام إليها، والتي ما أن أعلنت رغبتها في التحقيق مع عدد من أفراد الجيش الأمريكي، و مسؤولين في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية “سي آي إيه”، بسبب اتهامات بانتهاكات لحقوق معتقلين في أفغانستان، حتى وصفها مستشار الأمن القومي الأمريكي، جون بولتون، بأنها “غير شرعية” مضيفاً : “لن نتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية. لن نقدم مساعدة لها. ولن ننضم إليها. سنترك المحكمة الجنائية الدولية تحرّك حجر دمارها.”
دول التحالف الإستعماري، وعبر عرقلتها لما تجهَّد لتحقيقه الدولتان السورية والروسية، لإنقاذ نازحي الركبان، وبحثها الدؤوب عن أدواتٍ تساعدها في بلورةِ شكلٍ جديدٍ من الحرب على سوريا، تريد إيصال رسالةٍ فحواها : أن ابتعدوا عن طفلي المدلل “اسرائيل”، واتركونا نُخرِّج مانهبته داعش من الذهب …ماذا وإلا ستستمر الحرب الى يوم القيامة!! .